نشر قوات أفريقية بالسودان مخاطرة في غياب اتفاق للسلام

نشر القوات يكون مرتبطا أساسا بالتوصل إلى اتفاق سلام أو اتفاق لوقف إطلاق النار بين القوى المتحاربة، وهو ما لا ينطبق على الوضع الراهن في السودان.
الثلاثاء 2024/11/19
فيتو روسي على مشروع قرار بريطاني لوقف إطلاق النار في السودان

الخرطوم - تحدثت تقارير سودانية عن مقترح تقدم به المبعوث الخاص للهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد) بشأن نشر قوات أفريقية في البلاد، الأمر الذي أثار نقاط استفهام كبرى بشأن الدور الذي ستلعبه هذه القوات، في ظل الحرب القائمة.

وتأتي هذه الطروحات في سياق محاولات دولية وإقليمية لحماية المدنيين السودانيين، وآخرها مشروع قرار تقدمت به بريطانيا الاثنين، لمجلس الأمن ويقضي بوقف إطلاق النار في السودان والذي أُجهض بفيتو روسي.

ومن المعروف أن نشر قوات دولية أو إقليمية، يكون مرتبطا أساسا بالتوصل إلى اتفاق سلام أو اتفاق لوقف إطلاق النار بين القوى المتحاربة، وهو ما لا ينطبق على الوضع الراهن في السودان، الذي يشهد قتالا محتدما في أكثر من جبهة بين الجيش وحلفائه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة ثانية، مع تراجع الجهود الدبلوماسية.

ونقل موقع “سودان تربيون” عن مصادر وصفها بالمطلعة قولها إن المبعوث الخاص للهيئة الحكومية للتنمية إلى السودان (إيقاد)، قدم رؤية شاملة لتنفيذ اتفاق جدة، تتضمن نشر قوات أفريقية من دول ليست لها مصلحة أو علاقة بالصراع الدائر في السودان.

المعز حضرة: خطوات إيقاد لا تنفصل عن مشروع القرار البريطاني
المعز حضرة: خطوات إيقاد لا تنفصل عن مشروع القرار البريطاني

وذكرت المصادر أن القوات تقدر بنحو 4500 عسكري، وستساهم كل دولة بـ900 فرد، بما في ذلك المكون الفني غير العسكري، لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد، بينما يجب أن يتم أي تمديد لولاية هذه الآلية بالتشاور مع الأطراف.

وبحسب المصادر تكون ولاية آلية مراقبة السلام والأمن وحماية المدنيين لمدة ستة أشهر فقط، تقوم خلالها الآلية بمراقبة الالتزام بالاتفاق، وتقديم تقارير عن الانتهاكات من قبل الأطراف المتحاربة، والتوصية بالتدابير اللازمة للمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المرتكبة عند توليها ولايتها إلى رئيس اللجنة الرئاسية المؤقتة للاتحاد الأفريقي بشأن السودان.

وأكدت المصادر على أن ولاية الخرطوم ستكون هي الموقع الذي سيتم فيه نشر آلية مراقبة السلام والأمن مؤقتًا، حيث أن الخرطوم عاصمة سياسية واقتصادية وتحتاج إلى المزيد من الاهتمام الفوري.

وقال المحامي السوداني وعضو قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) المعز حضرة إن تزايد الانتهاكات الخطيرة ضد المدنيين في الفترة الأخيرة خاصة في مناطق شرق الجزيرة دفع المجتمع الدولي للتحرك، ودعم ذلك تحركات قامت بها جهات أفريقية، وبعض القوى المدنية ممثلة في تنسيقية “تقدم” عقب زيارة رئيسها عبدالله حمدوك إلى لندن مؤخراً وقدم خلالها وضعا تفصيليا لما يدور على أرض الواقع من جرائم بحق المدنيين.

وأوضح حضرة في تصريح لـ”العرب” أن خطوات “إيقاد” لا تنفصل عن مشروع القرار الذي تقدمت به بريطانيا إلى مجلس الأمن لحماية المدنيين باعتبارها رئيسا دوريا للمجلس، وهناك تطابق بين المسارين (الإقليمي والدولي) ما يشير إلى وجود اتجاه عام لاتخاذ موقف أخلاقي للتعامل مع الوضع الراهن وتبني إجراءات لحماية المدنيين، كما أن هذه الخطوات سبق وأن تطرق إليها مجلس الأمن والسلم الأفريقي.

وأشار حضرة إلى أن القوات الأفريقية ستكون مهمتها الفصل بين القوات المتقاتلة في المناطق المدنية وبإمكانها فتح مسارات لإيصال المساعدات الإنسانية إلى ما يقرب من 25 مليون مواطن على حافة الجوع، كما أن قرار إرسال القوات بحد ذاته يمثل ضغطاً على طرفي الصراع، قوات الجيش والدعم السريع، لدفعهما نحو إنهاء الحرب، مشيراً إلى أن تجربة قوات حفظ السلام “يوناميد” في غرب السودان تؤكد امكانية إحراز تقدم على مستوى توفير الحماية المطلوبة للمدنيين.

قوى سياسية ومدنية تطالب بضرورة نشر قوات دولية في السودان لحماية المدنيين من النزاع الدائر في البلاد

وكان المبعوث الأميركي إلى السودان، توم بيرييلو، كشف في أغسطس الماضي عن فتح قنوات اتصال مع الاتحاد الأفريقي لإيجاد آلية مراقبة للاتفاقيات الحالية والمستقبلية، بهدف حماية المدنيين في السودان.

وقال مبعوث إيقاد إلى السودان لورنس كورباندي، في مقابلة مع “سودان تربيون” في وقت سابق “إن إعلان جدة واجه العديد من المشاكل، أولها غياب آليات التنفيذ وتحويل الإعلان إلى برامج وجداول زمنية قابلة للتنفيذ.”

وكشف كورباندي حينها عن وجود تصور لآليات تؤدي إلى تنفيذ إعلان جدة، وجاءت هذه الآليات بعد دراسة عميقة للإعلان.

وتطالب قوى سياسية ومدنية بضرورة نشر قوات دولية في السودان لحماية المدنيين من النزاع الدائر في البلاد منذ أبريل 2023، لكن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أوضح خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، “أن الظروف غير مواتية لضمان نجاح نشر قوة من الأمم المتحدة لحماية المدنيين في السودان،” مضيفا أنه مستعد لمناقشة سبل أخرى للحد من العنف وحماية المدنيين.

القوات تقدر بنحو 4500 عسكري، وستساهم كل دولة بـ900 فرد، بما في ذلك المكون الفني غير العسكري، لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد

وذكر الأمين العام للأمم المتحدة أن هذا “قد يتطلب اتباع أساليب جديدة تتواءم مع الظروف الصعبة التي يفرضها الصراع.”

ولا يعرف ما إذا كان إرسال الاتحاد الأفريقي لقوات أفريقية، إحدى الخيارات التي يشير إليها الأمين العام للأمم المتحدة، وسط شكوك في امكانية أن يقبل أحد طرفي الصراع بهذه الخطوة، خصوصا وأنه ليس من الواضح بعد المهام التي ستكلف بها ومن هي الجهة التي ستفوضها.

ويقول محللون إن إرسال أي قوات إلى السودان، سيحتاج حتما المرور بالأمم المتحدة، بناء على الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية.

وسبق وأن أرسلت قوات لحفظ السلام (يوناميد) إلى دارفور في السودان، بموجب البند السابع، لكن اليوم الوضع مختلف حيث أن البلد لم يعد تحت طائلة هذا البند، كما أن محاولة فرض الأمر عبر مجلس الأمن سوف تصطدم على الأرجح بفيتو من روسيا، كما حصل مع مشروع القرار البريطاني، الاثنين.

ويقول المحللون إن الخيار الأكثر قابلية للتحقق هو إرسال قوات تكون مهمتها حماية المدنيين في مناطق النزوح ومعسكرات اللجوء، والتنسيق مع منظمات الإغاثة لضمان وصول المساعدات، لكن الأمر لا يخلو من خطورة في ظل الحرب الدائرة، وليس من السهل أن تقبل أي من الدول الأفريقية، إرسال عناصر لها دون ضمانات من الأطراف المتحاربة.

ويشير المحللون إلى أن نشر قوات أفريقية، لن يكون حلا مجديا، في ظل الظرف الحالي، وأن على المجتمع الدولي أن يفكر بشكل جدي في خطوات تجبر طرفي الصراع على الجلوس على طاولة المفاوضات.

وكان آخر الجهود الدبلوماسية، المؤتمر الذي رعته الولايات المتحدة في سويسرا في أغسطس الماضي، والذي قاطعه الجيش السوداني، ولم يسفر حينها سوى عن بعض التقدم على مستوى الإمدادات الإنسانية.

وفي سبتمبر الماضي، أوصت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان في تقرير لها، بحظر الأسلحة وإرسال قوة لحفظ السلام من أجل حماية المدنيين، مؤكدة على أن طرفي الصراع ارتكبا انتهاكات على نطاق كبير قد تعد جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

2