نشاط النقابات المهنية بمصر أكبر من تنفيس وأقل من إصلاح

تجاوب الحكومة والجيش مع غضب نقابة مهنية يعكس وجود استعداد للإصلاح العام.
الأربعاء 2022/12/07
حالة صحية

القاهرة - تشهد بعض النقابات المهنية في مصر نشاطا غير معتاد، في خطوة يتوقع مراقبون أن تكون مقدمة لإصلاح سياسي وبادرة لإحداث انفراجة في الفضاء العام، بينما يعتبرها آخرون أشبه بمحاولة للتنفيس وتفريغ النقابات من الاحتقان.

وكان النشاط الأبرز لنقابة التمريض هو قرارها بالتصعيد ضد ضابط طيار في القوات المسلحة قام رفقة عائلته بالاعتداء على ممرضات بمستشفى “قويسنا” الحكومي بمحافظة المنوفية شمال شرق القاهرة، ما استدعى قيام وزير الصحة خالد عبدالغفار بزيارة المستشفى والاعتذار للأطقم الطبية هناك والتعهد بمحاسبة المتورطين في الواقعة مهما كانت مناصبهم، مؤكدا أن هذا “توجه الحكومة”.

وأعلن المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة إجراء تحقيق في الواقعة، مؤكدا احترام الجيش لمبدأ سيادة القانون على الجميع، وأن هناك متابعة دقيقة لما يثار حول الواقعة على شبكات التواصل الاجتماعي.

وراجت معلومات حول تحويل الضابط المتهم إلى تحقيق عسكري، باعتباره أحد عناصر الجيش المصري، حيث يُحاكم المنتمون إليه أمام القضاء العسكري.

خالد سمير: لم يعد أمامنا سوى الحصول على حقوقنا بعيدا عن التخويف
خالد سمير: لم يعد أمامنا سوى الحصول على حقوقنا بعيدا عن التخويف

ويعكس تجاوب الحكومة والجيش مع غضب نقابة مهنية وجود استعداد للإصلاح العام، لأن مثل هذه الوقائع كان يتم دفنها والضغط لعدم التصعيد فيها، لكن هذه المرة بدا أن هناك رغبة حكومية لتغيير الصورة الذهنية عن علاقة الدولة بالنقابات.

ومنح الدعم المجتمعي الظاهر لنقابة التمريض جرعة لتصعيد النبرة وإثبات الحضور والتأثير، على الرغم من تعرضها لهجوم من مؤيدي الحكومة الدائمين.

وكشفت الحادثة إلى أي درجة هناك شغف في الشارع بوجود نقابات مهنية لديها جرأة للوقوف في وجه الحكومة، مع اختفاء دور الأحزاب والقوى المدنية وغالبية النقابات.

وقال خالد سمير عضو مجلس نقابة الأطباء لـ”العرب” إن “موقف الحكومة تجاه اعتداء ضابط على أطقم تمريض مستشفى جاء إيجابيا للغاية، لكن تظل هناك مشكلة، حيث لا توجد لغة حوار مع النقابات تسمح بحل الملفات العالقة، بالتالي من المنطقي أن يعلو صوت العمل النقابي مرة أخرى”.

وتزامن مع غضبة نقابة التمريض تصعيد نقابة الأطباء ضد مجلس النواب والحكومة بسبب مشروع قانون المسؤولية الطبية الذي يُعاقب الطبيب بالحبس، حال ارتكب خطأ طبيا، وتضمن مادة تبيح حبسه احتياطيا على ذمة القضية، وهو ما تصدت له النقابة، وأعلنت رفضها أن يطال الحبس الاحتياطي الطبيب طالما لم يصدر حكم نهائي ضده.

وانتفضت نقابات فرعية في عموم المحافظات ضد مشروع القانون، ما دفع أعضاء البرلمان إلى التدخل لنزع فتيل الأزمة قبل أن تتعمّق، وأعلن بعضهم أن مشروع القانون لا يزال محل دراسة مستفيضة من لجان المجلس، وسيتم عرضه على نقابة الأطباء وإجراء حوار حوله، في إشارة تمهد لوجود نوايا لترضية الأطقم الطبية.

واستثمرت نقابة الأطباء واقعة الاعتداء على أطقم تمريض مستشفى حكومي لإحراج البرلمان وإظهاره كأنه يكيل بمكيالين، فهو يرغب في معاقبة وحبس الطبيب المخطىء دون تعمد، وفي نفس الوقت يتجاهل سن تشريع يُجرّم الاعتداء على الأطباء ويوفر لهم الحماية، وهي نبرة أظهرت النواب في صورة العاجزين عن الخروج من المأزق.

وأكد النقابي خالد سمير لـ”العرب” أن “مجلس نقابة الأطباء سيدعو إلى جمعية عمومية طارئة للاعتراض الجماعي ضد الحبس الاحتياطي للأطباء، ولا بديل عن إتاحة الحكومة فرصة تبادل الرأي معها، لأن البرلمان بلا معارضة، والنقابات لم يعد أمامها سوى القيام بدورها للحصول على حقوق أعضائها بعيدا عن التخويف”.

وتسبب إصرار الحكومة على إخضاع المحامين لنظام الفاتورة الضريبية الإلكترونية في تنظيم احتجاجات ضد ما وصف بـ”تعنت وزارة المالية” أمام مقر نقابة المحامين بوسط القاهرة أكثر من مرة، آخرها الاثنين في مشهد غير مألوف، حيث اختفت التظاهرات من شوارع وميادين مصر خلال الفترة الماضية.

وتعتقد دوائر سياسية أن كسر بعض النقابات المهنية حاجز الصمت لا يخلو من وجود توجه حكومي نحو إظهار الدولة على أنها ماضية في الإصلاح السياسي، وأنها تريد فتح النوافذ للعمل العام، ورفع القيود المفروضة على العمل النقابي مع ضمان عدم الإخلال بالأمن، وعدم السماح باستغلال أي تحرك نقابي من قبل منتمين إلى جماعة الإخوان.

وبدا ذلك واضحا في البيان الذي أصدره نقيب المحامين عبدالحليم علام الذي أشار فيه إلى أن المحامين قدموا نموذجا يُحتذى به في التعبير السلمي عن رأيهم ورفضهم لقرار وزارة المالية بتطبيق الفاتورة الضريبية الإلكترونية حتى تم استثناؤهم بشكل مؤقت، غير مرحب به لأنه حاول تسويف في القضية، عندما قال “عليهم الانتباه من وجود عناصر من غير المحامين تسعى لاستغلال الموقف لتصفية حسابات سياسية”.

الحكومة تبدو مطمئنة إلى أن تقوم النقابات بسد الفراغ الموجود على الساحة السياسية طالما أنها لا تزال منضبطة ومتوازنة ولا تمارس ما يمكن وصفه بـ"الابتزاز"

وحذر من التباعد عن الدولة لأنه لن يفضي إلى حل الأزمة، موضحا: “النقابة ليست في خصومة مع النظام المصري، والمهم ألاّ ننجر إلى معارك لا تخصنا وأجندات لا تمثلنا”.

وأكثر ما يؤرق النظام من تنشيط العمل النقابي وجود محاولات من قبل جماعة الإخوان وأنصارها للقفز على المشهد العام، واستثمار رفع القيود نسبيا على النقابات في التصعيد لتحقيق أغراض سياسية، وقد يتطور الأمر ويقود إلى انفلات في الشارع.

وتضم الجمعيات العمومية في جميع النقابات المهنية بمصر عناصر من أنصار الإخوان، وهي إشكالية تعترض طريق الحكومة كلما فكّرت في تحرير عمل النقابات، ما يفرض على النقابات إدارة المشهد بحكمة لمنع هؤلاء من القفز إلى الساحة السياسية.

وما يشير إلى أن تنشيط النقابات المهنية يعكس وجود نوايا للإصلاح أكثر من كونه تنفيسا، هو أن الحكومة تجاوبت مع بعض مطالب الممرضين والأطباء والمحامين دون أن تمارس ضغوطا قاسية عليهم وتفرض عليهم الصمت.

وتبدو الحكومة مطمئنة إلى أن تقوم النقابات بسد الفراغ الموجود على الساحة السياسية طالما أنها لا تزال منضبطة ومتوازنة ولا تمارس ما يمكن وصفه بـ”الابتزاز” للحصول على مزايا معينة أو وضع أجندات خاصة.

وبغض النظر عن دوافع النظام في مسألة ترك المساحة أمام بعض النقابات للنشاط والنسبة المسموح بها للحركة، فهو يريد إيصال رسالة إلى قوى حزبية ومدنية وحقوقية لا تمثل ثقلا في الشارع وتصر على مساومته مفادها أنه مع دعم النقابات في مطالبها العادلة، وأن الدولة تعمل على تعزيز العمل النقابي دون أجندات مغرضة لإظهار نوايا الإصلاح السياسي وفتح المجال العام والتنفيس المنضبط في آن واحد.

2