نشاط الشركات اللبنانية يصل إلى طريق مسدود

أطلق اللبنانيون صفارات الإنذار من خطر انضمامهم إلى جحافل العاطلين عن العمل مع تسارع وتيرة توقف أغلب الشركات في القطاعات الحيوية المنتجة عن النشاط بشكل كامل بعد أن باتت في طريق مسدود نتيجة أزمة مالية هي الأسوأ في تاريخ البلاد.
بيروت - تتزايد المؤشرات على أن أصحاب الشركات في لبنان يمرون بأسوأ الأزمات التي عرفتها البلاد منذ سنوات وسط توقعات بارتفاع المغادرين لسوق العمل مع انسداد الآفاق لحل المتاهة السياسية سريعا.
وتتوقع أوساط الأعمال أن يضطر نحو 20 بالمئة من التجار للتوقف عن العمل بحلول نهاية هذا العام، في ظل أزمة شح الدولار في السوق واستمرار الاحتجاجات التي تشل البلاد منذ أكثر من شهر.
وقبل أسابيع، تبلّغت ليتيسيا نيكولا من ربّ عملها أنها خسرت وظيفتها في خضم أزمة اقتصادية خانقة شكلت سببا في حركة احتجاج واسعة.
ومنذ منتصف أكتوبر، تشارك مهندسة الديكور ليتيسيا في التظاهرات الناقمة على السلطة السياسية والمطالبة برحيلها بسبب عجزها عن وضع حلول للأزمات التي تعصف بالبلاد على الصعد كافة. ووجدت نفسها بعد أسبوعين من “الثورة” عاطلة عن العمل.
وتقول لوكالة الصحافة الفرنسية “قلّت المشاريع منذ عام. كنا قد تبلّغنا قبل بدء الثورة بأننا سنحصل على نصف رواتبنا مقابل دوام جزئي في الشهرين الأخيرين من العام”.
وبعد اندلاع التظاهرات التي شلّت البلد، أقفلت شركة الهندسة أبوابها لأسبوعين على غرار غالبية القطاعات. وبعد ذلك، تلقت ليتيسيا اتصالا للتوجه إلى المكتب حيث دُفع لها آخر راتب، وأبلغت أنها صُرفت من العمل.
وعلى غرار ليتيسا، يجد آلاف من اللبنانيين أنفسهم مهددين بخسارة وظائفهم، وبعضهم خسرها بالفعل جراء صرف دون سابق إنذار، فيما تلقى موظفون في قطاعات عدة تعليمات بالحضور إلى مراكز عملهم بدوام جزئي مقابل نصف راتب.
ومن بين هؤلاء ماري، وهي موظفة تستخدم اسما مستعارا خشية خسارة وظيفتها في متجر ألبسة نسائية راق في بيروت تعمل فيه منذ 16 عاما.
وتوضح لوكالة الصحافة الفرنسية “بدأنا منذ مطلع الشهر أخذ يوميْ إجازة إضافيين في كل أسبوع. وأبلغنا رب العمل أنهم سيضطرون إلى دفع نصف راتب لنا، على أن يتمّ تعويضنا لاحقا إذا تحسن الوضع”.
ولم تعترض ماري ونحو عشرين من زملائها على القرار، وتابعت موضحة “لأننا نخشى الأسوأ ولا أحد سيخاطر بخسارة وظيفته في ظل هذه الأوضاع السيئة”.
وتتابع “نعرف أن الوضع سيئ منذ أشهر.. فمنذ أيام لم تدخل خمسون ألف ليرة إلى صندوقنا”.
وتعدّ الأزمة الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات في البنى التحتية وخفض العجز، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية، عدا عن تداعيات الانقسام السياسي الذي فاقمه النزاع في سوريا المجاورة منذ العام 2011 على اقتصاد يعتمد أساسا على الخدمات والسياحة.
وارتفع الدين العام إلى 86 مليار دولار، ما يعادل 150 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، وفق المؤشرات الدولية الرسمية.
وكان لبنان ينتظر الحصول على 11.6 مليار دولار كهبات وقروض أقرّها مؤتمر سيدر في باريس العام الماضي، مقابل إصلاحات هيكلية وخفض عجز الموازنة، لكن الانقسام إزاء تطبيق هذه المشاريع والخلاف على الحصص والتعيينات، حال دون وفاء الحكومة بالتزاماتها.
وتقول مديرة مركز كارنيغي في الشرق الأوسط مهى يحي “لا نتجه إلى أزمة، نحن في خضم تدهور اقتصادي”.
وتوقّع البنك الدولي أن يسجل العام الحالي نسبة ركود أعلى من تلك المتوقعة مع نمو سلبي بنحو 0.2 بالمئة.
وحذّر من أن معدل الفقر، الذي يطال ثلث اللبنانيين قد يرتفع إلى النصف، وأن نسبة البطالة البالغة أكثر من 30 بالمئة في صفوف الشباب مرشحة لارتفاع حاد.
وتعتبر البطالة أزمة غير مستجدة، لكنها مستمرة في التفاقم في ظل الحالة الاقتصادية التي وصل إليها البلد الذي يعدّ أحد أكثر الدول مديونية في العالم.
وبدأت قطاعات حيوية التحذير من سيناريوهات كارثية. وبحسب الهيئات الاقتصادية، وهي تجمّع تنضوي ضمنه مؤسسات القطاع الخاص والمصارف، فإن آلاف المؤسسات مهددة بالإقفال وعشرات الآلاف من الموظفين والعمال مهددون بفقدان وظائفهم.
وأحصت نقابة أصحاب المطاعم والملاهي إقفال 265 مؤسسة خلال شهرين، متوقعة أن يصل العدد في نهاية العام إلى 465 مؤسسة.
وتشهد البلاد أزمة سيولة بدأت معالمها منذ مطلع العام، مع تحديد المصارف سقفا للتحويل إلى الدولار خفّضته تدريجيا، ما تسبب في ارتفاع سعر صرف الليرة الذي كان مثبتا على 1507 ليرات مقابل الدولار منذ سنوات، إلى أكثر من ألفين في السوق الموازية.
وحددت جمعية المصارف مؤخرا سقف السحب الأسبوعي للمودعين بألف دولار.
وحذّرت قطاعات عدة من أنها لن تتمكن من استيراد مواد أساسية من الخارج بسبب شح الدولار. وطالب وزير الصحة العامة جميل جبق الثلاثاء الماضي مصرف لبنان المركزي بالتدخل لتوفير المبالغ الضرورية اللازمة بالدولار لتسهيل استيراد المعدات الطبية.
ولاحظ اللبنانيون انقطاع عدد من الأدوية وارتفاعا كبيرا في أسعار المواد الغذائية، مقابل تقلّص قدرتهم الشرائية.
ويقول بلال دندشلي، المدير العام لشركتين صغيرتي الحجم تعمل إحداهما في قطاع دهانات الطرق وإجراءات الأمان وتعتمد على الاستيراد، “لم نعد اليوم قادرين على استيراد البضاعة أو تحصيل أموالنا من السوق”.
ويتحدث من مكتبه الصغير في بيروت عن صعوبات الزبائن غير القادرين على الدفع أيضا “كأننا نتسول أموالنا.. أريد من أحدهم عشرين ألف دولار، أحضر لي اليوم شيكا بألف دولار. فكيف سنستمر؟”
ويخشى بلال على مستقبله وموظفيه العشرة. ويقول “لا يعملون منذ نحو شهرين.. أستطيع أن أصمد لبضعة أشهر بعد، أو سأتجه إلى إقفال الشركة ومنحهم حقوقهم، وهذا أمر يعزّ عليّ لأنني سأجد كل ما بنيته خلال هذه السنوات ينهار أمامي”.
ونبّه الاتحاد العمالي العام الأربعاء الماضي، من “صرف تعسفي” في عدد واسع من القطاعات، معتبرا أنه “لا يمكن قبول التحجج بظرف طارئ لا يتجاوز شهرا ونصف الشهر للقيام بهذه الحملة”.