نساء كويتيات يخضن غمار الانتخابات بآمال ضعيفة في تخطي حاجز الهيمنة الرجالية على البرلمان

بطء مسار التمكين للمرأة في الكويت وتراجعه في بعض الأحيان معطيان ثابتان في المشهد الكويتي يرجّح أن تكرّسهما مجدّدا الانتخابات البرلمانية التي تجرى الخميس في البلد ولا توجد أوهام بأن تفضي إلى أي تحسّن في تمثيل الكويتيات تحت قبّة البرلمان وذلك بسبب عدم زوال العوائق الثقافية والاجتماعية والنقائص التشريعية المعرقلة لزيادة حضور المرأة في مؤسسات الدولة الكويتية.
الكويت - تخوض أربع عشرة امرأة غمار الانتخابات التشريعية التي تجرى الخميس في الكويت، لكن من دون أوهام لدى أغلبهن بشأن إمكانية الحصول على عضوية مجلس الأمّة وتعزيز حضور النساء تحت قبّته بعد أن لم يتجاوز هذا الحضور سقف المرأة الواحدة خلال الدورتين البرلمانيتين السابقتين، بينما خلا برلمان 2020 من أيّ حضور نسائي.
وما يزال تمكين المرأة في الكويت رغم حضوره كعنصر ثابت ضمن أهداف السياسة الرسمية للدولة يواجه عوائق ثقافية واجتماعية، بينما تقرّ ناشطات كويتيات ومدافعات عن حقوق النساء بوجود نقص في التشريعات الضامنة لعملية التمكين، ويطرحن في إطار ذلك مقترح إقرار نظام الكوتا للقطع مع المشاركة النسائية الضعيفة في العملية التشريعية ولضمان حصّة ثابتة للكويتيات من مقاعد البرلمان.
وترى النساء أنّ للقضايا ذات الصلة المباشرة بالمرأة ووضعها في المجتمع مثل القضايا المتعلّقة بالأحوال الشخصية، حضورا دائما تحت قبّة البرلمان الكويتي وضمن أجنداته التشريعية، الأمر الذي يتطلب حضورا فاعلا للنساء في البرلمان ومشاركة في صياغة القوانين والتشريعات، وعدم ترك قوى متزمتة ذات حضور منتظم في مجلس الأمّة تفرض منظورها المتشدّد على المنظومة القانونية المتعلّقة بالمرأة وحقوقها ومسار التمكين لها.
وسجّل عدد المترشّحات لانتخابات الخميس استقرارا قياسا بعددهن في انتخابات سنة 2023، بينما سجل تراجعا بالمقارنة مع انتخابات سنة 2022 التي شهدت ترشّح 22 امرأة.
وتقدّم 255 مترشحا للانتخابات التي يحق التصويت فيها لـ428785 امرأة كويتية وهو عدد يفوق عدد الرجال المتمتعين بحق التصويت والبالغ عددهم 405948 رجلا.
وينطوي الرقمان الأخيران على مفارقة تتمثّل في كون المرأة الكويتية تمتلك فرصة حقيقية للحدّ من السّمة الذكورية للبرلمان، لكنّ النزعة المحافظة للمجتمع الكويتي تجعلها تتنازل طوعا عن هذا الامتياز إمّا بالعزوف عن التصويت بشكل مكثّف أو بمنح غالبية المشاركات في الاقتراع أصواتهن لرجال تطبيقا لمنظور اجتماعي وديني يقوم على قوامة الرجال على النساء ويعتبر الرجلَ أحق بتبوّؤ المواقع القيادية في الدولة ومؤسساتها.
ومضى قرابة العقدين على موافقة البرلمان الكويتي سنة 2005 على السماح للمرأة بممارسة حقوقها السياسية بما في ذلك حق المشاركة في الانتخابات كمرشّحة وناخبة الأمر الذي فتح لها باب الحضور تحت قبّة مجلس الأمة من خلال انتخابات سنة 2009 التي أفضت إلى فوز أربع نساء بعضوية المجلس، لكن السنوات الأخيرة شهدت تراجعا في حجم التمثيل النسائي في البرلمان الكويتي والذي بلغ حدّ الغياب التام عنه في إحدى الدورات.
ويرجع متابعون للشأن الكويتي ذلك إلى الصعود النسبي للإسلام السياسي في البلد والتوسّع الملموس في انتشار أفكار بعض رجال الدين المتشدّدين بين الفئات الاجتماعية، فضلا عن تمكّن بعض التيارات الإسلامية المسيّسة من زيادة حضورها في مؤسسات الدولة ومواقع قرارها بما في ذلك داخل البرلمان المتمتع بصلاحيات واسعة من ضمنها سنّ القوانين ومراقبة أداء أعضاء الحكومة.
ولا ترى قائدات رأي وناشطات كويتيات حلاّ للتغلّب على القوى المناهضة لحقوق المرأة وإزالة ما تضعه تلك القوى من من عراقيل وعوائق في طريق التمكين لها سوى بإقرار قوانين وتشريعات ناظمة لعملية التمكين.
بطء مسار التمكين للمرأة في الكويت وتراجعه في بعض الأحيان معطيان ثابتان في المشهد الكويتي يرجّح أن تكرّسهما مجدّدا الانتخابات البرلمانية
وتقول مريم العازمي الأمينة العامة المكلّفة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة إنّه على الرغم من تمكن أربع نساء سنة 2009 من الفوز في الانتخابات وبعد جهود نسائية كبيرة استمرت عشرين سنة، إلا أن المرأة قد تعاني من بعض التحديات التي تعيق توسيع نطاق مشاركتها.
وتضيف متحدّثة لصحيفة “الرأي” المحلّية أنّ التحديات قد تكون بسبب المنظومة الثقافية التي لا تحفز المرأة على المشاركة السياسية وتولّي الأدوار القيادية أو قد يكون التحدي هي المرأة ذاتها، حيث أنّ بعض الفئات من النساء غير مقتنعات بتفعيل المشاركة السياسية للمرأة والتصويت لها.
كما تشير إلى ما تلعبه بعض وسائل الإعلام المنخرطة في خدمة توجّهات أيديولوجية معيّنة من دور سلبي ضدّ المرأة بترويجها أفكارا ضد التطور والتغيير وتتعمّد إغفال دور النساء ونجاحاتهن في المناصب التي يتولّينها والمهمات التي يقمن بها.
وترى خديجة المحميد الناشطة السياسية والاجتماعية في مجال حقوق المرأة والأسرة والتي ترأس الرابطة الوطنية للأمن الأسري أنّ نسبة المواطنات اللاتي يحق لهن الانتخاب أكبر من نسبة المواطنين وبالتالي تصويتهن للمرشحين سيكون رقما ترجيحيا لمن يفوز بقناعتهن في تمثيل قضاياهن وقضايا الوطن، سواء كان المرشح ذكرا أم أنثى.
وعن ضرورة تواجد المرأة في البرلمان تقول المحميد إن المواطنة تحتاج من الدولة أن تتبني نظام الكوتا على غرار ما قامت به بعض الدول العربية في بداية تجربتها ومن بينها مصر حيث أتاحت باعتماد هذا النظام الفرصة لعدد من النساء المعيّنات في البرلمان أن يكتسبن التجربة في مجال العمل البرلماني حتى اقتنع الشعب بكفاءة المواطنات وأصبح في ما بعد عدد الفائزات بالانتخاب في البرلمان يفوق عدد المعيّنات.
تمكين المرأة في الكويت رغم حضوره كعنصر ثابت ضمن أهداف السياسة الرسمية للدولة ما يزال يواجه عوائق ثقافية واجتماعية
وتضيف الناشطة الكويتية قولها “نحتاج إلى مثل هذه التجربة في الكويت، خصوصا وأنّ الكويتيات المؤهلات للتمثيل البرلماني عددهن غير قليل”.
وتلعب التيارات الإسلامية في الكويت الدور الرئيسي في عرقلة تطوير أوضاع المرأة في البلد ومساواتها بأوضاع النساء في بلدان عربية أخرى وذلك من خلال ما تسلّطه من ضغوط على المجتمع محاولة التحكّم بتطوّره وتكييف نظمه وسلوكه والعلاقات بين أفراده وفق تعاليمها المستندة إلى تفسيرات متشدّدة للشريعة.
وعلى غرار غالبية الإسلاميين عبر العالم يسلّط الإسلاميون في الكويت ضغوطا استثنائية على المرأة نظرا لموقعها الهام في الأسرة والمجتمع ودورها الكبير في تنشئة الأفراد وتربيتهم.
وفي ظل الصعود السياسي اللاّفت للتيارات الإسلامية في الكويت ومشاركتها في تسيير شؤون البلاد من داخل الأجهزة الحكومية ومن تحت قبّة البرلمان، فضلا عن حضورها في الإعلام وفي الفضاء العمومي، ضاعفت تلك التيارات من ضغوطها على المجتمع وتحوّلت بشكل ملحوظ من محاولة عرقلة تطوير أوضاع المرأة الكويتية ووقف المسار الخجول للتمكين لها وتحقيق مساواتها مع الرّجل، إلى محاولة التراجع عن حقوق ومكتسبات حصلت عليها الكويتيات بالفعل على الرغم من أنّها تعتبر قليلة ومنقوصة قياسا بمكتسبات النساء في دول أخرى.
وكمثال على ذلك ما يزال الإسلاميون في الكويت يرفضون التسليم بقرار السماح للمرأة الكويتية بممارسة مهنة القاضي ويحاولون التراجع عن تلك الخطوة التي وصفها البعض بأنها قفزة قد تكون الأهمّ في مجال تمكين المرأة بعد السماح للكويتيات بالترشّح للانتخابات البرلمانية والمشاركة في الاقتراع، بالإضافة إلى تمكّن عدد من النساء من شغل مناصب قيادية في الحكومات الكويتية بما في ذلك مناصب وزارية.
وبالنظر إلى تواصل نفس الظروف التي أدت في دورات برلمانية سابقة إلى خفض حضور المرأة الكويتية في البرلمان إلى حدوده الدنيا، لا يعتبر متابعون للشأن الكويتي أنّ تحسين مستوى ذلك الحضور جزء من رهانات انتخابات الخميس التي يعتبر رهانها الأوّل ضمان استقرار السلطتين التشريعية والتنفيذية وإيجاد علاقة مختلفة بينهما تتوفّر على حدّ أدنى من الوفاق، وذلك لفتح الطريق أمام القيادة الحالية للبلاد لإطلاق مسار تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها ولم تعد تحتمل التأجيل.
وعلى هذه الخلفية فإنّ الهدف المنشود من الانتخابات هو المجيء ببرلمان متوافق إلى أبعد حدّ ممكن مع التوجهات الإصلاحية بغض النظر عن نسبة تمثيل النساء فيه قد لا تمثّل أولوية للدولة والقائمين عليها في الوقت الحالي.