نزيف مستمر في حركة النهضة رغم تعدد مبادرات رأب الصدع

حمالي الجبالي يقترح نفسه أمينا عاما لحركة النهضة مقابل تمكين الغنوشي من منصب رئيس "مجلس حكماء الحركة".
الثلاثاء 2020/11/10
إنقاذ الغنوشي بمقابل

تونس - اختار راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية أحد رجالات المعسكر القديم من الجيل التأسيسي الأول الأمين العام الأسبق للحركة حمادي الجبالي لمواجهة حالة التمرد التي بدأت تعصف بالحركة بعد تواتر الاستقالات آخرها القيادة جوهرة التيس.

ولبى الجبالي نداء الغنوشي برسالة وجهها له، الثلاثاء، في ظلّ تمرّد قيادات الجيلين الثاني والثالث، ومطالبتهم رئيس الحركة بالتنّحي وترك المشعل لغيره، وتقدم بمبادرة تحت عنوان "رؤية في إصلاح الوضع وتجاوز الأزمة" تضمنت مقترحات لتجاوز الخلاف القائم صلبها فيما يتعلق بالفصل 31 من القانون الأساسي للحركة، وانعقاد المؤتمر الحادي عشر، ومكانة رئيس الحركة في المستقبل، بالإضافة إلى إعادة هيكلة القيادة المركزية للحركة.

ووقع في منتصف سبتمبر الماضي 100 قيادي من حركة النهضة على وثيقة دعوا فيها الغنوشي إلى "الإعلان الصريح مجددا عن عدم الترشح لرئاسة الحركة في المؤتمر الحادي عشر المفترض تنظيمه قبل نهاية السنة الحالية والالتزام بعدم تنقيح الفصل 31 من النظام الداخلي".

يشار إلى أن الفصل 31 من النظام الأساسي لحركة النّهضة ينص على أنه "لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحزب لأكثر من دورتين متتاليتين، ويتفرغ رئيس الحزب فور انتخابه لمهامه".

وللخروج من هذه النقطة الخلافيّة قرّر الجبالي ترحيل الأزمة برمتها إلى المؤتمر، كما ورد في الرسالة التي ضمنها مبادرته "ومن مقتضيات ذلك أن يعبر رئيس الحركة عن التزامه بتطبيق جميع فصول القانون الأساسي للحركة وعدم نيته تغيير أي فصل فيه، وأن المؤتمر القادم سيحدد مستقبل الحركة وأي تغيير يقره سيحترم مبدأ عدم الرجعية في تطبيقه".

ويلوح من ذلك أن الجبالي ترك للكواليس الانتخابية فرصة تقرير مصير رئيس الحركة، دون أن يجبر الغنوشي على الإدلاء بموقف رسميّ "الآن" بخصوص قضية التمديد.

وطالب الجبالي في مقابل بمنح الأمين العام الجديد صلاحيات حقيقية في تشكيل المكتب التنفيذي والأجهزة التابعة له، وإعداد جدول أعماله بالتنسيق مع رئيس الحركة وإدارة جلساته ومتابعة تنفيذ قراراته، مع الالتزام في تركيبته باحترام مبدأ الكفاءة أولا وقبل كل شيء، واعتبار مختلف وجهات النظر والمقاربات السائدة، من دون أن ينزلق ذلك التمشي إلى ضرب من ضروب المحاصصة بين مجموعات الرأي داخل الحركة.

واشترط الجبالي أن يكون هو الأمين العام الجديد، وأن يشكل مكتبا تنفيذيا يجمع بين مختلف التيارات في الحركة بما يقود إلى توحيد صفوفها من جديد.

ولم يكتف بذلك، بل اقترح مكتبا تنفيذيا يجمع أغلب الشخصيات التي تقف على هذا الجانب أو ذاك، من بينها سمير ديلو وعبداللطيف المكي وجوهرة التيس.

ويأتي إسناد المناصب في تركيبة المكتب التنفيذي لترضية الشق المعارض واحتواء غضبهم خشية تواصل نزيف الاستقالات في وقت يشهد فيه الحزب خلافات داخلية، أفرزت انشقاقا واضحا بين من يدعمون الغنوشي لمواصلة ترؤس الحزب ومن يرفضون ذلك ويتمسكون بانتقال قيادي داخل الحركة.

وأعلنت جوهرة التيس، الاثنين، استقالتها احتجاجا على "تفرد رئيسها راشد الغنوشي بالرأي" متهمة إياه بخدمة مصالحه الخاصة على حساب مصلحة الحركة.

وكتبت التيس في تدوينة على حسابها بموقع فيسبوك "كنت أظن أني أخدم وطني من خلال حركة سياسية تحمل مشروع إصلاح وطني ذي أفق حضاري قوامه المواءمة بين الإسلام والديمقراطية يؤسس للحوكمة الرشيدة داخلها وداخل البلاد تتم إدارته بطريقة تشاركية شفافة، العلوية فيها للقانون والمؤسسات، فوجدتني في مشروع يراد أن يكون لصالح شخص واحد وحيد مختزل في إرادة الزعيم ومرتهن لمستقبل الزعيم".

وأضافت "من أجل كل هذا، أغادر اليوم هذا الصرح العظيم بعد أن قضيت مدة لا بأس بها أحاول ترميمه في داخلي.. ولكنه هوى".

وتأتي خطوة التيس بعد استقالة لطفي زيتون وزير الشؤون المحلية والبيئة السابق في تونس من المهام الموكلة إليه داخل الحركة، حيث اعتبرها مراقبون أنها تضرب النهضة في مقتل سيما وأن القيادي البارز الذي كان يشغل خطة مستشار للغنوشي يعرف عنه الكثير من الأسرار.

واقترح الجبالي إحداث "مجلس حكماء الحركة" أو أي تسمية أخرى يتم الاتفاق حولها، ويضم مختلف القيادات التاريخية للحركة، ويتأطر وطنيا بمبدأ المصلحة الوطنية التي تستدعي عدم الاستغناء عن كل الرموز السياسية والشخصيات الوطنية، والاستثمار في دورهم الوطني بشكل فعال. وهو ما يتطلب مراجعة النظام الأساسي للحركة لفسح المجال في الترشح للمناصب العليا في الدولة لكافة الشخصيات والرموز السياسية التي تحتاجها البلاد، وعدم الاقتصار في ذلك على رئيس الحركة المباشر. بعبارة أخرى استعاض الجبالي عن فكرة "الزعيم" بفكرة "الحكيم" أو "رئيس مجلس الحكماء" لطمأنة راشد الغنوشي بخصوص مستقبله السياسي.

وتطرح مبادرة الجبالي التي تأتي بعد مبادرة رئيس مجلس شورى النهضة عبدالكريم الهاروني وصهر الغنوشي القيادي رفيق بوشلاكة أسئلة كثيرة حول مدى إجماع الأطراف المتخالفة والتوازنات الجديدة التي تتشكل داخل الحركة عشية المؤتمر، الذي أعلن الغنوشي أنه لا يدعو إلى تأجيله وتمسك بموعده، رغم أن كل الترجيحات تذهب إلى تأجيله.  

ويستبعد مراقبون أن ترضي المبادرة طرفي النزاع داخل الحركة، هذا إن لم تثر سخريّة بعضهم، فلا الجبالي الحالي يتمتّع بوزن مثالي يجعله في موقع القادر على فرض آرائه، ولا فكرته التي تكشف عن نزعة تملك للاستئثار بجزء من الإقطاعية مقابل توفير ممر آمن لرئيسها قادر على إقناع الجميع بجديتها ولا الخلاف نفسه، وهو خلاف قائم على معطيات حقيقية تتعلق بتفعيل الديمقراطية داخل الحزب والقطع مع منطق الرئاسة مدى الحياة، قادر على استيعاب "ألغام" جديدة، وخصوصا ألغام الجبالي.

ويبدو أن الخلاف الحاصل داخل النهضة لن ينتهي بمجرد عقد المؤتمر أو استحداث مؤسسات جديدة، حيث أن البون شاسع بين المطالبة بدمقرطة مؤسسات الحركة وتفعيل نظامها الأساسي والقطع مع تجربة الاستحواذ الكلي على مقدراتها، وبين الرغبة في التمديد حد التلويح بهد السقف على الجميع.