نزيف الليرة يفاقم خطر انعدام الأمن الغذائي في لبنان

توقعات بانضمام المزيد إلى جحافل الفقراء ليصل العدد إلى 2.26 مليون شخص بحلول مايو المقبل.
الجمعة 2023/01/20
طابور تذوق طعم المعاناة اليومية!

تتضاءل هوامش ابتعاد لبنان عن حدود العجز الهائل في تأمين الغذاء، والذي يتفاقم بدرجة خطيرة جراء الأزمة المالية الخانقة المستمرة ما دفع خبراء ومسؤولون إلى التحذير من أن تفجر الوضع أكثر قد يهدد بموجة جوع قد تطال كافة السكان.

بيروت - تعطي أحدث التحذيرات حول الأزمة الاقتصادية الطاحنة في لبنان منذ أكثر من ثلاث سنوات صورة أكثر وضوحا عن الحالة الكارثية للسكان بعد أن باتت الدولة عاجزة تماما عن سد منافذ الجوع.

وثمة إجماع بين الخبراء والمنظمات الدولية المعنية بالغذاء بأن استعراض المؤشرات لا يكفي وحده دون تدخل دولي عاجل. كما أن المسؤولين عليهم وضع حد للتقاعس لحل المشكلة بشكل جدي.

وباتت مظاهر الجوع تتهدد الآلاف من الأسر، فيما اعتبرها خبراء أشد أزمة في تاريخ البلاد منذ الحرب الأهلية مع أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، يتزامن مع شحّ الدولار وتوقف البنوك عن تزويد المودعين بأموالهم.

وتسبّبت الأزمة الداخلية التي تفاعلت مع عوامل خارجية منها الأزمة الصحية والحرب في شرق أوكرانيا في ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات تتجاوز 170 في المئة وجعلت قرابة نصف السكان تحت خط الفقر.

عبدالله الوردات: عدد المعتمدين على المساعدة زاد أكثر من أي وقت مضى
عبدالله الوردات: عدد المعتمدين على المساعدة زاد أكثر من أي وقت مضى

وخلصت دراسة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي ووزارة الزراعة اللبنانية أن مليوني شخص في لبنان يواجهون انعدام الأمن الغذائي من تعداد سكان يبلغ نحو 6.5 مليون نسمة.

وأعلن وزير الزراعة عباس الحاج حسن الأربعاء الماضي نتائج دراسة “تحليل التصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي الحاد في لبنان"، بحضور ممثلي الوكالات الأممية في لبنان.

وخلال العام الماضي انضم لبنانيون مرغمين إلى جحافل الفقراء ليشكلوا دليلا آخر على مدى الصعوبات التي يعاني منها معظم الناس، في بلد ظلّ طريقه نحو الخروج من المأزق المالي والاقتصادي بفعل طبقته السياسية الفاسدة.

ووفق وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية، أفادت الدراسة بأن “زهاء مليوني شخص، بمن فيهم 1.29 مليون لبناني و700 ألف لاجئ سوري يواجهون انعدام الأمن الغذائي”، متوقعة أن “يتفاقم الوضع في الأشهر المقبلة".

وتتوقع الدراسة تدهور الوضع في الثلث الأول من هذا العام لنحو 2.26 مليون شخص، بينهم 1.46 مليون مقيم لبناني ونحو 800 ألف لاجئ سيكونون في حاجة إلى المساعدة العاجلة.

وأشارت إلى أن “حالة الأمن الغذائي المقلقة هي نتيجة أزمة اقتصادية عميقة استمرت ثلاث سنوات. فانخفاض قيمة الليرة ورفع الدعم عن المواد الأساسية وارتفاع تكاليف المعيشة تمنع الأسر من الحصول على ما يكفي من الغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى”.

ورضخت السلطات النقدية للأمر الواقع في مطاردتها للقيمة المتلاشية للعملة المحلية في السوق السوداء، وأعلن البنك المركزي أواخر الشهر الماضي عن خفض حاد لقيمة للعملة إلى 38 ألف ليرة للدولار على منصته للصرافة (صيرفة).

ويُعد سعر الليرة في المنصة أحد أسعار الصرف المتعددة في السوق المحلية، ويشمل ذلك السعر الرسمي الذي توقف فترة طويلة عند 1500 ليرة للدولار.

لكنّ متعاملين في سوق الصرافة بلبنان قالوا لرويترز إن الليرة سجلت الخميس مستوى منخفضا غير مسبوق عند 50 ألف ليرة للدولار، مما ينطوي على تراجع في قيمتها بأكثر من 95 في المئة منذ انهيار النظام المالي بالبلاد قبل ثلاث سنوات.

نورة أورابح حداد: يجب جعل الأنظمة الغذائية أكثر كفاءة وشمولا ومرونة
نورة أورابح حداد: يجب جعل الأنظمة الغذائية أكثر كفاءة وشمولا ومرونة

وتم ربط الليرة بالدولار عند سعر 1507 في 1993، وهو ربط استمر حتى العام 2019 عندما تسببت عقود من الهدر وسوء الإدارة والفساد في أزمة مالية.

وصارت أكبر ورقة متداولة، وهي فئة مئة ألف ليرة التي كانت تعادل 67 دولارا، تساوي الآن دولارين فقط.

وقال ممثل برنامج الأغذية العالمي في لبنان عبدالله الوردات إن “عدد الأشخاص الذين يعتمدون على المساعدة في لبنان ارتفع أكثر من أيّ وقت مضى”.

وأضاف أن “نتائج الدراسة مقلقة للغاية وتعكس الوضع المتردي الذي يواجهه العديد من الأشخاص في لبنان حاليا”.

وأجرى الدراسة 55 خبيرا في سبتمبر الماضي، وكشفت أن منطقة عكار الشمالية تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي الحاد بين اللبنانيين، تليها مناطق بعبدا في جبل لبنان، وبعلبك بشرق البلاد، وطرابلس كبرى مدن شمال البلاد.

ومن بين المناطق التي يقطنها اللاجئون السوريون تعد زحلة شرق لبنان هي المنطقة التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي الحاد، تليها منطقتا بعلبك وعكار.

وقالت ممثلة منظمة فاو في لبنان نورة أورابح حداد، إن “نتائج التصنيف تعطي صورة قاتمة عن وضع الأمن الغذائي في البلاد، مما يؤكد الحاجة الملحة إلى تحويل أنظمة الأغذية الزراعية في البلاد لجعلها أكثر كفاءة وشمولا ومرونة”.

وأضافت "تمثل هذه الدراسة للبنان فرصة لإبراز أهمية توحيد جهودنا كمجتمع دولي لتقديم دعم مستدام للأشخاص الأكثر حاجة".

وحذرت حداد من أن الأزمات المحلية والعالمية المستمرة تدفع المزيد من الناس نحو انعدام الأمن الغذائي، داعية المجتمع الدولي إلى تقديم دعم إضافي. وأكدت أنه "دون اتخاذ إجراءات عاجلة ستكون العواقب قاسية على صحة السكان الأكثر ضعفا".

وخلصت دراسة نشرتها مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي في ديسمبر الماضي إلى أن نحو ثلاثة من كل أربعة أشخاص شاركوا في الاستطلاع في لبنان عانوا توترا "على مدى جزء كبير اليوم".

◙ 80 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 6.5 مليون نسمة باتوا ضمن دائرة الفقراء

وتشكل النتائج ذروة جديدة لمؤشرات القياس بالبلاد منذ بدأتها قبل 16 عاما. وقال نحو 63 في المئة من المشاركين إنهم سيهاجرون من البلاد للأبد لو أتيحت لهم الفرصة.

وأصبح نحو 80 في المئة من السكان يعتبرون من الفقراء، وفي سبتمبر 2021 كان لدى نصف الأسر طفل على الأقل فقد وجبة وفقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) مقارنة مع ثلث الأسر في أبريل من العام ذاته.

ويدعم برنامج الأغذية العالمي وحده ثلث سكان لبنان بالغذاء والمساعدات النقدية، في حين أن تكاليف العلاج والدراسة وحتى رواتب العاملين في الأجهزة الأمنية يموّلها بنسبة كبيرة مانحون دوليون.

وأصبح الاقتصاد اللبناني مقسما بين طبقتين إحداهما يمكنها الحصول على العملة الصعبة وتسمى بـ"طبقة الدولار الطازج"، وهي التي يمكنها تحمل نفقات الذهاب إلى المطاعم أو إرسال أطفالها إلى مدارس راقية.

وفي مقابل ذلك، تحصل الطبقة الثانية على دخلها بالعملة المحلية ولا يمكنها تحمل أي شيء يذكر باستثناء النفقات الأساسية.

10