نزهات سيروان باران

منذ عقود وسوق الفن في العالم العربي في حالة كساد. المزادات لا تقول الحقيقة ولا تعبر عنها. ذلك لأنها تمثل مزاجا عابرا لا يُعتد به. كما أن هناك الكثير من التضليل والخداع اللذين تغطي عليهما عمليات التنافس بين الزبائن.
واقع القاعات الفنية يقول شيئا مختلفا؛ ليس هناك إقبال على اقتناء الأعمال الفنية إلا فيما ندر. يعزو المقتنون السبب إلى أن الفنانين العرب صاروا سجيني أساليبهم التي باتت ميتة أو أن بعضهم صار يقلد البعض الآخر وما من جديد.
العراقي سيروان باران اخترق جدار تلك الواقعة ليؤكد أن في إمكان الرسم الحقيقي أن يفرض وجوده على سوق الفن، بل إن في إمكانه أن يعيد إلى تلك السوق عافيتها وحيويتها.
رسوم باران وهو المولود في بغداد عام 1966 تحظى اليوم بإقبال جامعي اللوحات العرب الذين صاروا يتنافسون على اقتنائها بالرغم من أن الفنان لم يتقدم إلى المزادات العالمية لكي تتبناه. وهو ما يؤكد أن سوقا عربية للفن يمكن أن تقوم بمعزل عن الوصاية الأجنبية.
أدرك باران منذ البدء أن موهبته الكبيرة تؤهله لكي يكون حرا ومستقلا فنأى بنفسه وفنه عن التجمعات. لم يكن عضوا في كتلة فنية. ولأن قوته مستلهمة من كفاءته الفنية فإنه لم يكن في حاجة إلى حائط ليستند عليه. ولكن ما الذي فعله باران لكي يحظى بالاهتمام أكثر من سواه؟ المؤكد أنه التقط اللحظة الراهنة لكي تكون مادة لرسومه.
عالمه يتألف من وقائع عشناها وتشكلت بتأثير منها مشاعرنا. رسومه وإن انطوت على شعور عميق بالألم فإنها لا تزعجنا مثل كابوس. عرف الرسام كيف يحافظ على معادلة الصدق الجارح والمتعة رفيعة المستوى.
في كل لوحة من لوحاته شحنة قوية من العاطفة الإنسانية، حتى ليُخيل لمَن يقف أمام تلك اللوحات أنه يتلقى ضربات توقظه من نوم ثقيل. غير أن هناك حقيقة ينبغي الإشارة إليها وهي أن اختراق باران لسوق الفن ما كان يتم بمثل هذا النجاح لولا وقوف غاليري مصر الذي يديره بذكاء محمد طلعت علي الذي سبق له وأن مارس الرسم والنقد الفني بحرفية عالية. من خلال ذلك التعاون وجد الفنان والجمهور وسيطا نزيها وصادقا يكون قادرا على تنقية الأجواء بينهما.
ما لم ينتبه له الكثير من الرسامين العرب هو أن الرسم الحقيقي قد يُحرم من التمتع بفرصة الوصول إلى الجمهور إذا لم يُقدم بطريقة تليق به. كلما أقام سيروان باران معرضا جديدا كان الجمهور على موعد مع واحدة من نزهاته في الروح الإنسانية المعذبة.