نذير مقناش: المخرجون يكافحون لبقاء السينما الجزائرية حول العالم

تطوير السينما في الجزائر يحتاج إلى إرادة سياسية.
الاثنين 2023/08/28
مخرج بأفكار جريئة

لا يخشى المخرج الفرنسي - الجزائري نذير مقناش التطرق إلى مواضيع شائكة، أحيانا تسبب له مشاكل بينه وبين سلطات بلاده، فهو الذي عاش أغلب حياته في فرنسا، جعل كاميرته راويا لقصص وحكايات يعاني منها الشباب المغاربة، وبعد عقود من تجربته الثرية صارت له وجهة نظر مختلفة يقيم من خلالها السينما في بلده الجزائر.

أنغوليم (فرنسا) - نجح المخرج الفرنسي – الجزائري نذير مقناش الذي دأب خلال مسيرته الممتدة على أكثر من عقدين على “تحطيم الكليشيهات”، مجددا في لفت الأنظار، هذه المرة من مهرجان أنغوليم للسينما الفرنكوفونية في جنوب فرنسا، حيث قدّم السبت في المسابقة الرسمية فيلمه الطويل السادس “لير دو لا مير ران ليبر” (نسيم البحر يمنح الحرية).

وبعد ست سنوات على فيلمه “لولا باتر” الذي أدت فيه الممثلة فاني أردان دور امرأة متحولة جنسيا من أصول مغاربية تحاول إعادة وصل ما انقطع مع ابنها، يتطرق مقناش في عمله الجديد إلى المثلية الجنسية، أيضا ضمن قصة تتمحور حول عائلة من أصول مغاربية.

ويؤكد المخرج الفرنسي الجزائري نذير مقناش أن السينما الجزائرية “لا تزال حية” بفضل جهود سينمائيين يكافحون من أجل بقائها حول العالم، لكنه يشدد على ضرورة توفّر “الإرادة السياسية” لتنمية هذا القطاع الذي أثبت حضوره في المهرجانات العالمية.

مقناش يتطرق في عمله الجديد إلى المثلية الجنسية، أيضا ضمن قصة تتمحور حول عائلة من أصول مغاربية
مقناش يتطرق في عمله الجديد إلى المثلية الجنسية، أيضا ضمن قصة تتمحور حول عائلة من أصول مغاربية

قبل سنوات، وتحديدا في العام 2014، أطلق مقناش تصريحات جريئة حيث أكد فيها أنه “لا يمكن أن تقول إن هناك سينما جزائرية مع الأسف. بعد الاستقلال في الجزائر كانت هناك سينما ولكن بعد الثمانينات لا توجد سينما جزائرية. هناك مخرجون جزائريون يحاولون بكل جهدهم أن يخرجوا أفلاما وهم يفعلون ذلك في فرنسا وبلجيكا”.

ويدور فيلم مقناش الجديد “نسيم البحر يمنح الحرية” حول زيجة مدبّرة يُراد منها ترتيب أوضاع أسرتين: عائلة سعيد التي ترى في هذا الزواج وسيلة لإخفاء المثلية الجنسية لأحد أبنائها، وأسرة حجيرة التي تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تحسين سمعتها بعدما شوّهتها مشكلات قضائية.

ويطرح الفيلم أيضا تساؤلات بشأن النظرة الموجودة في المجتمع تجاه المثليين المتحدرين من أوساط المهاجرين من شمال أفريقيا.

ويوضح المخرج “عندما يحاول أي فتى عربي مسلم البحث عن إجابات على تساؤلاته من خلال استخدام كلمتي مثلي عربي على محركات البحث الإلكترونية، سيقع على صور إباحية ومواد خلاعية. ويشعر تاليا منذ البداية بالذعر لأنه سيفكّر أن ذلك يعكس نظرة غالبية الناس” للمثليين العرب.

نذير مقناش المولود لأبوين جزائريين في باريس عام 1966، بعد أربع سنوات من استقلال الجزائر عن فرنسا، بدأ قبل فترة ليست ببعيدة التطرق إلى قضايا هذه الأقلية خلال مسيرته السينمائية التي انطلقت عام 2000 مع “حريم مدام عثمان” والمتجذرة في البلدان المغاربية.

المخرج الذي غادر الجزائر منذ أن كان عمره 18 عاما، له العديد من الأفلام أولها كان “حريم مدام عثمان” الذي أخرجه سنة 2000 وبعد أربع سنوات جاء فيلمه الثاني بعنوان “فيفا لالجيري” أي (تحيا الجزائر) والذي تم إخراجه في الجزائر سنة 2004 . والثالث هو فيلم “ديليس بالوما” في سنة 2007، ثم فيلم “وداعا المغرب” أخرجه في العام 2012.

وقد ابتعد المخرج عن الإنتاجات الضخمة، فيما نالت أفلامه، خصوصا “تحيا الجزائر” و”وداعا المغرب”، إشادة النقاد وتخطت كلها تقريبا عتبة المئة ألف مشاهد على شباك التذاكر.

وحظيت أغلب أفلام المخرج الفرنسي – الجزائري بتمويل جهات عديدة منها فرنسا، بلجيكا، إسبانيا والجزائر.

وفي عام 2007، مُنع فيلمه “ديليس بالوما” الذي مولت الجزائر جزءا منه ويتضمن إشارات إلى الفساد في الجزائر، من العرض في الصالات الجزائرية، ما باعد بين مقناش وبلده الأمّ، وهو ما اعتبره المخرج “قصة جزائرية غريبة”.

وقد كان المنع أيضا مصير فيلم “باربي” العالمي الضخم للمخرجة غريتا غيرويغ، إذ سحبته الجزائر أخيرا بعد ثلاثة أسابيع من عرضه في الصالات المحلية.

أغلب أفلام المخرج الفرنسي - الجزائري حظيت بتمويل جهات عديدة، منها فرنسا وبلجيكا وإسبانيا والجزائر

وقبل عام، نددت جمعية مخرجات ومخرجي السينما في فرنسا بإلغاء آلية الدعم العام للسينما الجزائرية واستبدالها بنظام آخر، ما شكّل ضربة للسينما الجزائرية “المزدهرة والحاصلة على تقدير يتخطى حدود البلاد”، وفق تعبيرها.

ويقول مقناش “لا أعتقد أن السينما الجزائرية لم تعد موجودة، إنها لا تزال حية بفضل مخرجين جزائريين يكافحون في كل مكان حول العالم ويحاولون الدفع بالأمور قدما”.

ولا تزال الجزائر حتى اليوم البلد الأفريقي الوحيد الفائز بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، وذلك عام 1975 مع فيلم “وقائع سنين الجمر” للمخرج محمد الأخضر حمينة.

ويؤكد مقناش أن تطوير الفن السابع في الجزائر يتطلب “إرادة سياسية”، مضيفا “يجب اعتماد الأسلوب القديم، عبر اختيار مشاريع ومساعدتها في الحصول على التمويل، مع أجواء من الحرية”.

وعمّا إذا كان يعرّف عن نفسه بأنه مخرج جزائري كما كان يؤكد قبل سنوات، يجيب مقناش “نعم، أنا مخرج جزائري، لكني أيضا مخرج فرنسي. الموضوع معقّد وغير معقّد في آن لأنه ثمرة تاريخنا المشترك”.

ويضيف “رغم أن البعض لن يعجبه هذا الكلام، لكنّ أي شخص يريد أن يكون مخرجا جزائريا له الحق في أن يصبح كذلك، حتى لو اضطررنا إلى البحث عن التمويل من مصادر أخرى وتعذّر علينا التصوير” في الجزائر.

15