نذر عودة تخمة المعروض تهدد انتعاش أسواق النفط

تدفع ترجيحات تنامي معروض نفط تحالف أوبك+ والولايات المتحدة بالتوازي مع تعثر تعافي الاقتصاد العالمي وبطء الطلب على الخام إلى تشكل هيكل يُنبئ بتخمة جديدة في سوق الخام يعيد إلى الأذهان ما حصل إبان الانهيار النفطي في خضم جائحة فايروس كورونا.
لندن- تنذر توقعات تحالف أوبك+ بارتفاع فائض معروض النفط فيما تبقّى من هذا العام في ظل ترجيح تباطؤ نمو الطلب بفقدان هذه السوق قوة الدفع التي قد تهدد استدامة انتعاش الأسعار التي وصلت إلى مستويات قياسية جراء حرب أوكرانيا.
وأظهر تقرير تم إعداده قبل اجتماع اللجنة الفنية المشتركة لأوبك+ الأربعاء أن التحالف يتوقع فائضا قدره 1.9 مليون برميل يوميا في 2022، بزيادة 600 ألف برميل يوميا عن تقديرات سابقة.
وبحسب رويترز توقع التقرير أن تتجاوز مخزونات النفط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال الربع الأخير من 2022، المتوسط في 2015 و2019 بشكل طفيف.

كارستن فريتش: تدابير الإغلاق في الصين تكبح الطلب على النفط
ويعكس تعديل التقديرات توقعات بنمو أضعف للطلب على النفط اعتمدتها أوبك في تقريرها الشهري الصادر في أبريل الماضي.
وتأتي هذه التوقعات رغم أن منظمة أوبك ترى أن الطلب العالمي سينمو بمقدار 3.67 مليون برميل يوميا بانخفاض 480 ألف برميل يوميا عن توقعات سابقة.
واستشهدت المنظمة بتأثير الحرب الروسية – الأوكرانية وارتفاع التضخم مع صعود أسعار الخام وعودة ظهور أوميكرون في الصين، كأسباب لتعديل التوقعات.
وبعد معاناتها لإحياء إمدادات النفط المتوقفة أثناء الجائحة على مدى أشهر أخفقت أوبك في رفع الإنتاج فعليا الشهر الماضي مع استمرار تعرّض الأعضاء لقيود الطاقة الإنتاجية.
وحقّق العراق دفعة كبيرة. لكن دول مثل ليبيا ونيجيريا شهدت انخفاضا في إنتاجها وسط اضطرابات تشغيلية وتقلّص الاستثمار، وفقا لاستطلاع أجرته بلومبرغ. بينما لم ترفع السعودية إنتاجها بالكمية التي تسمح بها الحصة المتفق عليها.
وتحوم أسعار الخام العالمية حول 105 دولارات للبرميل وسط تفاقم معاناة أوبك بسبب الحظر الفعلي على الإمدادات الروسية من قبل العديد من المصافي.
واستُنفِدت سبل الضغط على السعودية لسد فجوة العرض من قبل المستهلكين الرئيسيين، مثل الولايات المتحدة، الذين اضطروا إلى استخدام الاحتياطيات النفطية الطارئة. ويعود رفض الرياض ضخ المزيد من النفط بسرعة أكبر إلى اعتقادها بأن الأسواق ما تزال تتمتع بإمدادات كافية.
وتبدأ دول أوبك+ الخميس الاجتماع الشهري حيث تواجه ضغوطا أقل إلحاحا لزيادة إنتاج الخام، في ظل حرب أوكرانيا يقابلها تراجع في أسعار النفط على خلفية تدابير الإغلاق في الصين.
وعلى غرار كل مطلع شهر تقريبا منذ تفشي الجائحة تجتمع الدول الـ13 الأعضاء في أوبك بقيادة الرياض مع الدول العشر الشريكة للمنظمة بقيادة روسيا عبر الفيديو لإجراء تعديلات محتملة على سياساتها الإنتاجية.
ومنذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا، وما نجم عنها من ارتفاع في أسعار النفط على خلفية التخوّف من قلّة المعروض والمحادثات الجارية بشأن حظر محتمل للنفط الروسي، تزايدت الدعوات التي تطالب التكتل بإراحة الأسواق.
وإلى الآن لم تلق هذه المطالب آذانا صاغية وهذه المرة أيضا ستكون لدى أوبك+ حجة لتبرير استمرار الوضع على ما هو عليه، مع تراجع الطلب. ويقول محللون إن أوبك+، التكتل الذي أنشئ في العام 2016 لتنظيم السوق، سيكتفي مرة أخرى بزيادة هامشية للإنتاج بنحو 400 ألف برميل يوميا.

جون بلاسارد: أوبك+ تواجه صعوبات في بلوغ أهدافها الإنتاجية
وبالتالي سيواصل التحالف اتّباع استراتيجيته بالنسبة إلى الزيادة التدريجية لإنتاجه النفطي التي بدأ تنفيذها في مايو 2021 في إطار التعافي الاقتصادي من تداعيات الجائحة التي استدعت خفضا حادا للإنتاج بعد تدهور الطلب.
ومنذ الاجتماع الأخير للتحالف أواخر مارس الماضي، بقيت الأسعار ضمن الهامش نفسه وتراوحت بين 97 و115 دولارا لبرميل خام برنت بحر الشمال المرجعي الأوروبي، وبين 92 و110 دولارات لخام غرب تكساس الوسيط المرجعي الأميركي.
ومؤخرا سجّلت أسعار النفط تراجعا. وقال كارستن فريتش خبير في كومرتس بنك لوكالة الصحافة الفرنسية إن ذلك جاء على خلفية “المخاوف من أن تؤدي عودة تدابير الإغلاق بسبب تسارع وتيرة تفشي الوباء في الصين، إلى كبح الطلب على النفط في هذا البلد”.
وتواجه الصين وهي ثاني أكبر مستهلك للنفط الخام في العالم وأكبر مستورد له، أسوأ تفش للفايروس منذ ربيع 2020 وقد اتّخذت تدابير صارمة، خصوصا في شنغهاي حيث تفرض السلطات منذ شهر على السكان البالغ عددهم 25 مليون نسمة ملازمة منازلهم. ومن بين العوامل المؤثرة في السوق، المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي من جراء الحرب الدائرة في أوكرانيا.
ففي نهاية أبريل الماضي خفّض صندوق النقد الدولي توقّعاته للنمو العالمي لهذا العام وخصوصا التضخّم المتسارع الذي يقوّض القدرة الشرائية للمستهلكين. وفي هذا الجو الملبّد خفّض تكتل أوبك+ توقّعاته بالنسبة إلى الطلب العالمي على النفط، وبالتالي لا يزال التوتر سائدا في الأسواق.
وقال خبير مؤسسة ميرابو لإدارة الأصول جون بلاسارد إن “الدول الأعضاء في أوبك+ تواجه صعوبات في بلوغ أهدافها الإنتاجية”. وتشهد ليبيا التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا أزمة سياسية – دستورية خطرة ومزمنة أدت إلى إغلاق منشآت نفطية.
وفي منتصف أبريل الماضي، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط وهي هيئة حكومية، حالة “القوة القاهرة” وتعليق العمليات في ميناءين نفطيين مهمين في شرق البلاد، وإغلاق العديد من الحقول النفطية.
وفي مقابلة أجرتها معه وكالة الصحافة الفرنسية قال محمد عون وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية الليبية ومقرها طرابلس “انخفض الإنتاج نحو 600 ألف برميل يوميا”، أي ما يعادل النصف.
وفي تطور آخر من شأنه أن يؤثر على الأسواق، يبحث الاتحاد الأوروبي في حظر تدريجي لمشترياته النفطية من موسكو في إطار قطع التمويل الأوروبي عن روسيا ردا على الحرب التي تخوضها في أوكرانيا. وفي العام 2021 استورد الاتحاد الأوروبي من روسيا 30 في المئة من احتياجاته من النفط و15 في المئة من احتياجاته من المشتقات النفطية.
واعتبرت مجموعة إكسينيتي أن هذا الحظر “الذي تزداد أرجحيته” مع موقف تكتل أوبك+ الذي لا يبدو مستعدا لتسريع وتيرة إنتاجه النفطي “سيقلّص المعروض وبالتالي سيبقي أسعار النفط عند مستوى مرتفع”.
