نذر صدام بين حركات دارفور وفصائل مسلحة في شرق السودان

تتزايد نبرات العنف والعدائية بين المكونات في شرق السودان بعد أن حشد فيه الجيش مجموعات مسلحة تتبع فصائل وقبائل متنافرة وحركات مسلحة من دارفور، بالتزامن مع حالة احتقان صاحبت انتقال الحكومة إلى بورتسودان ونزوح مئات الآلاف إلى المدينة، ما يشي بنذر صدام قادم.
بورتسودان (السودان) - تسير الأوضاع في ولايات شرق السودان نحو المزيد من التعقيد مع نشر مجموعات مسلحة تتبع فصائل وقبائل متنافرة في الشرق، مع وجود جيوش لحركات مسلحة دارفورية تقاتل بجانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، وتصاعد الأصوات التي تنادي بإبعاد الحركات المحسوبة على مكونات الغرب من الشرق، حيث تتخذ حكومة الأمر الواقع من بورتسودان مقراً لها، ويحظى الإقليم بأهمية لموقعه الجغرافي على ساحل البحر الأحمر.
وتحاول مكونات قبلية في شرق السودان متحالفة مع الجيش السوداني رأب الصدع، وعقد المجلس الأعلى لنظارات البجا والمعموديات المستقلة (صاحب النفوذ الأهلي الأكبر في الشرق)، الخميس، ملتقى فكريا لرؤساء الكتل السياسية وقادة الحركات المسلحة والكيانات المجتمعية والأهلية والتنسيقيات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني لطرح مشروع ما يسمى بـ”الحوار السوداني – السوداني.”
ودفعت الخلافات التي طفت على السطح منذ نشر قوات “الأورطة الشرقية” مؤخرا، كفصيل عسكري يتبع للجبهة الشعبية للتحرير والعدالة ويرأسها الأمين داؤود، نحو تحركات يقودها الجيش السوداني بشكل غير مباشر للتأكيد على أن تحالفاته التي دشنها مع الحركات المسلحة والمكونات الأهلية متينة، وانعكس ذلك على تعيين رئيس حركة تحرير السودان وحاكم إقليم دارفور مني آركو مناوي منسقا عاما للحوار المشترك لمنع الوصول إلى نقطة صدام مباشر.
وأعلن مجلس البجا رفضه ميليشيا “الأورطة الشرقية”، وحذر من مغبة إنتاج صراعات قبلية مدمرة في الإقليم، على غرار ما جرى في دارفور بين المكونات العربية وتلك المنحدرة من أصول أفريقية، رافضا ما وصفه بأنه “مخطط التفتيت وعمليات عسكرة القبائل في أرض البجا”، وعسكرة القبائل والميليشيات ووجود أي تكتلات عسكرية من الحركات المسلحة بدارفور.
وتتفاعل هذه التطورات مع حالة احتقان صاحبت انتقال الحكومة إلى بورتسودان ونزوح مئات الآلاف للمدينة، وتحولت لسخط عام بين بعض مكونات الشرق، التي اعتبرت وجود الحكومة وحلفائها يمثل ثقلا على موارد الإقليم.
وقد يؤدي التشظي بين مكونات الشرق وتوافقها على تأييد الجيش إلى خروج الأوضاع عن السيطرة، مع تعدد الفصائل والمكونات التي تحمل السلاح، كما أن الحكومة التي تتحصن خلف تلك المجموعات كضمانة لعدم وصول قوات الدعم السريع إلى الشرق، سوف تجد نفسها غارقة في خلافات داخلية ربما تقود لتفجير الإقليم.
وتشكل الخلافات التاريخية بين مكونات الشرق التي دائما ما تكون إلى صف الحكومات السودانية المتعاقبة والحركات المسلحة في دارفور، مهددا آخر، ويظهر ذلك من خلال عدم اعتراف الإدارات الأهلية في الشرق باتفاق سلام جوبا الذي وقعه المكون العسكري مع عدد من حركات دارفور المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لقائد قوات شرق السودان شيبة ضرار يهاجم فيه الحركات المسلحة ويطالب القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان بإخراجها من الشرق. وتتزايد نبرات العنف والعنصرية والطائفية بين المكونات التي ترى بأنها جزء أصيل من الدولة السودانية وأخرى جاءت مدعومة من قوى خارجية.
وقال المحلل السياسي علي الدالي المقيم في بورتسودان، إن الأوضاع على المستوى السياسي تأخذ في التأزم مع توالي التصريحات المتبادلة بين قادة فصائل مسلحة لديها وجود في شرق السودان وتقاتل إلى جانب الجيش ويقودها شيبة ضرار، رئيس ما يسمى بـ”هيئة الاستنفار” في ولاية البحر الأحمر، وعدد من القادة العسكريين بحركات مسلحة دارفورية يقاتلون مع الجيش، وتنتشر عناصرهم في مناطق أخرى.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن بعض المكونات الشبابية في إقليم الشرق تعارض وجود حركات دارفور، في مقدمتها “تيار شباب البجا الحر” وتطالب بخروج كل هذه المجموعات من إقليم الشرق، مؤكدا مساندته للجيش في الحرب ضد الدعم السريع.
وتنطلق رؤية شباب الشرق من أن وجود فصائل دارفور ينذر بانزلاق الإقليم إلى فوضى بسبب تقاطعات كبيرة بين المكونات الأهلية وهذه الحركات، في وقت تبدو فيه الأوضاع الأمنية مستقرة بالإقليم، لكن تعكرها الاتهامات من الطرفين.
وتتواجد في إقليم شرق السودان أربع حركات دارفورية مسلحة، هي: قوات حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وقوات حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وقوات حركة تحرير السودان بقيادة مصطفى طمبور، وقوات تحرير السودان بقيادة صلاح تور.
وأكد الدالي في حديثه لـ”العرب” أن الخلافات الحالية تدور في إطار الصراع على السلطة والثروة، وأن وسائل إعلام محلية تركز بشكل مستمر على الفساد الناتج عن تحالف حركات دارفور مع الجيش، وانعكاسه على الإقليم، وهو خطاب تصاعد عقب التعديل الوزاري الأخير، وأطاح بأحد الوزراء المحسوبين على إقليم الشرق، في وقت تطالب فيه حركات دارفورية بتوسيع دائرة حضورها في هياكل السلطة، بحجة أنها تقاتل بجوار الجيش، وهو ما أثار حفيظة جماعات قبلية في شرق السودان.
◙ التراشق الإعلامي بين مكونات الشرق والغرب قد ينسف تحالفات الجيش، إذا لم يكن هناك تدخل من قادته لحسمه سريعا
وذكر أن الصراع قائم على الاستحواذ على مناطق استخراج الذهب والمعادن وليس بسبب وجود قوات مسلحة من عدمه، والأمر ليست له علاقة بالحرب مع قوات الدعم السريع، لأنه صراع مختلف حول تقسيم الغنائم في وقت الحرب، وأن قوات “الأورطة الشرقية” التي انتشرت أخيرا لديها تحالفات عسكرية وسياسية مع حركات في دارفور، فالأمين داؤود أحد قادة الجبهة الثورية ممن وقعوا على اتفاق جوبا للسلام.
وحال تحول الصراع من معارك كلامية إلى عمليات عسكرية، سيكون بين قوات شيبة ضرار وقوات مني أركو ميناوي وجبريل إبراهيم وهم أصحاب الحضور الأكبر في إقليم الشرق، ومع أن موازين القوى تميل لصالح حركات دارفور، غير أن استناد عناصر ضرار على الدعم القبلي سوف يكون مؤثراً.
وتحدث مراقبون عن وجود ثماني مجموعات مسلحة تابعة لفصائل الشرق في الإقليم، هي: مؤتمر البجا المسلح بقيادة موسى محمد أحمد، وقوات مؤتمر البجا – الكفاح المسلح بقيادة شيبة ضرار، وقوات مؤتمر البجا – القيادة الجماعية بقيادة أبوآمنة، والحركة الوطنية للعدالة والتنمية بقيادة الشيخ محمد طاهر سليمان بيتاي، وقوات الأورطة الشرقية بقيادة الأمين داود، وقوات تحرير السودان بقيادة إبراهيم دنيا، وحركة الأسود الحرة بقيادة مبروك مبارك سليم، وقوات المنشق عن الدعم السريع أبوعاقلة كيكل.
وأشار علي الدالي لـ”العرب” إلى أن التراشق الإعلامي بين مكونات الشرق والغرب قد ينسف تحالفات الجيش، إذا لم يكن هناك تدخل من قادته لحسمه سريعا، مستبعدا أن يكون وجود عدد من الفصائل المسلحة في ولايات الشرق مسهلاً لتكرار الصراع الذي دار من قبل في إقليم دارفور، ويرجع ذلك لكون طبيعة الأرض في الشرق مسطحة ويصعب تعريفها بأنها أرض قتال، بجانب اختلاف مطالب أهل الشرق.