نذر خسائر مؤلمة تتربص بقطاع النفط في ليبيا

التقديرات تشير إلى تراجع الإنتاج بنحو 400 ألف برميل يوميا بسبب إغلاق حقول رئيسية.
الخميس 2024/08/29
عداد الأزمات لم يتوقف

يعمق الانقسام المتصاعد بين الفرقاء السياسيين في ليبيا من متاعب صناعة النفط، ويحمل في طياته قلقا ممزوجا بالإحباط من أن تفقد الدولة النفطية مصدرا للعملة الصعبة، بينما تسعى حكومة الوحدة في تنفيذ إصلاحاتها لإعطاء الاقتصاد المشلول جرعة تحفيز لإنعاشه.

بنغازي (ليبيا) - يواجه قطاع النفط في ليبيا وضعا ضبابيا ويصطدم العاملون فيه بمعضلة تداعيات الخلافات السياسية التي تتسبب في شلل الإنتاج، وينذر بمشاكل أسوأ مع فقدان البلد العضو في أوبك مصدر إيراداته الأول من العملة الصعبة.

وقال مهندسان في القطاع لرويترز الأربعاء إن “إغلاق الحقول النفطية تزايد في ليبيا الأربعاء مع خفض الإنتاج من حقل السرير النفطي لما يقارب الإغلاق الكامل في ظل خلاف سياسي على السيطرة على البنك المركزي وعوائد النفط”.

وتواجه صناعة النفط أساسا تحديات كثيرة يتعلق في جزء منها بتوفير التمويلات اللازمة بعدما دخلت خلال سنوات الحرب في متاهة المشاكل والابتزاز، ما جعلها تتخبط في أزمات لا حصر لها.

وتشير التقديرات إلى انخفاض الإنتاج إلى النصف تقريبا هذا الأسبوع مع تقليص الحقول لعمليات الإنتاج وسط جمود بشأن من يسيطر على البنك المركزي للبلاد.

وتعد الدولة التي عانت من حرب طاحنة بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011 مقسمة بين حكومتين متنافستين، إحداهما في العاصمة طرابلس في الغرب والأخرى في الشرق.

وذكرت مصادر مطلعة لوكالة بلومبيرغ أن الإنتاج النفطي تراجع بمقدار لا يقل عن 400 ألف برميل يومياً منذ أن أمرت السلطات في شرق البلاد بوقف جميع أعمال الإنتاج.

وتشمل التخفيضات حقل السرير، الذي تديره شركة الخليج العربي للنفط، والذي كان ينتج 145 ألف برميل يوميا وأُغلق الآن. كما انخفض النفط الذي يزود محطة رأس لانوف بما لا يقل عن 130 ألف برميل يومياً.

سهيل بوشيحة: اقتصادنا ريعي يعتمد بشكل أساسي على إنتاج النفط
سهيل بوشيحة: اقتصادنا ريعي يعتمد بشكل أساسي على إنتاج النفط

وجاءت خطوة تجميد جميع أعمال الإنتاج والصادرات تحت حالة “القوة القاهرة”، التي أعلنتها السلطات في شرق البلاد الاثنين الماضي، رداً على قرار الحكومة المعترف بها دولياً في العاصمة طرابلس باستبدال محافظ البنك المركزي الصديق الكبير.

و”القوة القاهرة” إجراء قانوني يلجأ إليه طرف عندما يتعرض لظروف خارجة عن إرادته تمنعه من الوفاء بالتزاماته التعاقدية، ما يعفيه من المسؤولية المترتبة عن ذلك، وقد تشمل تلك الظروف كوارث طبيعية أو حروبا أو أعمالا إرهابية أو أوبئة وأمراضا.

وتتواجد غالبية حقول النفط والغاز بمناطق سيطرة الحكومة المكلفة من مجلس النواب، فيما تتولى المؤسسة الوطنية للنفط الحكومية في طرابلس عمليات البيع، لتصب العائدات بحسابات خاصة للمركزي.

وهدد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الثلاثاء الماضي، باستمرار إقفال حقول النفط والغاز حتى عودة الكبير إلى منصبه.

واعتبر في تصريحات صحفية، أن “تعيين محافظ المركزي ليس من اختصاص المجلس الرئاسي إطلاقا”، وإنما “اختصاص أصيل لمجلس النواب بالتشاور مع مجلس الدولة” وفق الاتفاق السياسي الليبي الموقع بمدينة الصخيرات المغربية عام 2015.

وقال رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة هذا الأسبوع إنه لا يجب السماح بإغلاق حقول النفط تحت “حجج واهية”. وتولى الدبيبة رئاسة حكومة الوحدة الوطنية، ومقرها طرابلس، في عملية مدعومة من الأمم المتحدة في 2021.

وذكر المهندسان لرويترز أن حقل السرير كان ينتج نحو 209 آلاف برميل يوميا قبل خفض الإنتاج.

وأعلنت مؤسسة النفط بالفعل حالة القوة القاهرة في حقل الشرارة، أحد أكبر حقول النفط في ليبيا إذ تبلغ طاقته الإنتاجية 300 ألف برميل يوميا. كما أفادت رويترز هذا الأسبوع بوجود اضطرابات في حقول الفيل والأمل والنافورة وأبو الطفل.

وفي يوليو الماضي، أنتجت ليبيا العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) نحو 1.18 مليون برميل من النفط يوميا.

وتمكنت ليبيا من تحقيق إيرادات نفطية أقل بنهاية 2023 في ظل تراجع الأسعار والاضطرابات التي شهدها القطاع سواء تعلقت بشلل الإنتاج أو تلك المتعلقة بالتصدير إلى الأسواق العالمية بسبب الخلافات وإغلاق الحقول.

وكشفت بيانات نشرها المركزي مطلع هذا العام أن إيرادات البلد من مبيعات النفط الخام بلغت 20.7 مليار دولار خلال العام الماضي.

ويقل هذا المبلغ عن 22.1 مليار دولار تم تسجيلها في 2022، الذي شهد ارتفاعات هي الأعلى على الأسعار منذ 2008، عند متوسط 98 دولارا للبرميل، مقارنة مع 81 دولارا في 2023.

وكانت الإيرادات النفطية التي حققها البلد، الذي يتمتع بإعفاء تخفيضات الإنتاج ضمن تحالف أوبك+ في العام 2022 هي الأعلى في ست سنوات.

التخفيضات شملت حقل السرير، الذي ينتج 145 ألف برميل يوميا، وحقل الشرارة الذي ينتج حوالي 300 ألف برميل يوميا

وتصدرت ليبيا قائمة البلدان الأفريقية المصدرة للنفط في عام 2023، بواقع 1.19 مليون برميل، وذلك حسبما أفادت مؤسسة النفط في وقت سابق من أغسطس الجاري استنادا لبيانات أوبك.

وأوضحت المؤسسة أن نيجيريا جاءت بالمرتبة الثانية بنحو 1.18 مليون برميل، وفي المرتبة الثالثة أنغولا بأكثر من مليون برميل يوميا، ثم الجزائر بحوالي 973 ألفا، تليها مصر بقرابة 453 ألفا، والكونغو 271) ألفا، والغابون بنحو 223 ألف برميل يوميا.

ويأتي تقدم ليبيا رغم الظروف التي تعيشها البلاد، وتأثيرات الخلافات السياسية المستمرة بين الفرقاء على صناعة النفط جراء إغلاق حقول الإنتاج الرئيسية كورقة ضغط في الملفات الخلافية.

ويعتبر النفط المصدر الرئيسي للدخل، لكن القطاع عانى خلال السنوات الماضية جراء تعرض الحقول والموانئ النفطية إلى هجمات مسلحة، بالإضافة إلى إغلاقها أكثر من مرة من قبل محتجين.

كما أن تراجع الأسعار لعب دورا في تسجيل هذه الإيرادات الضعيفة، والتي تكشف مرة أخرى أن الانقسام السياسي بين حكومة الدبيبة تدير شؤون الدولة من العاصمة طرابلس وحكومة مكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، يدير شؤون المنطقة الشرقية.

وسبق أن صرح سهيل بوشيحة وكيل وزارة الاقتصاد والتجارة في حكومة الوحدة قائلا إن “اقتصاد بلاده يتخذ طابعا ريعيا يعتمد بشكل أساسي على إنتاج النفط، وبالتالي استفاد من عودة انتظام الأسعار بعد الأزمة الصحية”.

ولفت إلى أن هذا الاستقرار في أسواق الطاقة يدعم الاقتصاد الليبي، والذي من المتوقع أن يتراوح نموه بين 4.5 و8 في المئة خلال 2024.

ويرى محللون أن تحقيق البلد لأهدافه واستعادة القطاع زخمه سيتطلب المزيد من الاستقرار السياسي وتهيئة كافة الظروف وخاصة فيما يتعلق بمناخ الأعمال.

10