نذر أزمة مالية تهدد العراق بفعل تقلص أسعار النفط

ترجيح اتساع عجز موازنة 2025 من مستويات 2024 البالغة 48.8 مليار دولار.
الأربعاء 2024/09/11
أين دولارات النفط؟

تعكس مخاوف العراق من أن توازناته المالية في 2025 ستتأثر بشكل كبير إذا استمرت عائدات النفط بالتراجع بفعل تقلص أسعار الخام نتيجة ضبابية آفاق الاقتصاد العالمي، أن الحكومة عليها الاستعداد لمواجهة إكراهات تبدو في غنى عنها لمواصلة إصلاحاتها البطيئة.

بغداد- تعطي تلميحات كبار المسؤولين في العراق من أن بلدهم سيواجه أزمة مالية خلال العام المقبل بفعل تقلص أسعار النفط، دليلا على مدى إدمان البلد على إيرادات الخام، وأنه لم يتمكن حتى الآن من إحداث اختراق في مسار تنويع مصادر الدخل.

وحذّر مظهر صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني من أن البلد، الذي مرّ بأزمات كثيرة على مدى أكثر من أربعة عقود، سيواجه أزمة في موازنة العام المقبل بسبب انخفاض أسعار النفط، المصدر الرئيسي للعوائد. وقال صالح في مقابلة مع وكالة رويترز في وقت متأخر الاثنين الماضي “لا نتوقع مشكلات كبيرة في عام 2024، لكننا نحتاج إلى انضباط مالي أكثر صرامة في عام 2025”.

ويعتمد العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد السعودية، بشكل كبير على النفط الخام. ويشكل قطاع الوقود الأحفوري الغالبية العظمى من عائدات التصدير ونحو 90 في المئة من إيرادات الدولة.

ويجعل هذا الاعتماد الكبير على النفط البلد بشكل خاص عرضة لتقلبات أسعار الخام العالمية. وقد تكبد الخام مزيدا من الخسائر بعد صدور تقرير لأوبك الثلاثاء، خفضت فيه المنظمة توقعاتها للطلب هذا العام من 2.11 مليون برميل يوميا إلى 2.03 مليون سابقا.

297

مليار دولار الناتج المحلي الإجمالي المتوقع هذا العام مع نسبة نمو قدرها 1.2 في المئة

ونزل خام برنت عن 71 دولارا للبرميل، ليكون غير بعيد عن أدنى مستوياته منذ مارس 2023، كما خسرت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.2 في المئة لتصل إلى 67.89 دولار للبرميل.

ومع ذلك، رفع العراق موازنته في 2024 حتى بعد حجم إنفاق قياسي في العام الماضي، عندما تم تعيين أكثر من نصف مليون موظف جديد في القطاع العام المتخم بالفعل، وبدأت عملية تحديث للبنية التحتية على مستوى البلاد تتطلب أموالا ضخمة.

وذكر صالح أن الموازنة الحالية ارتفعت إلى نحو 211 تريليون دينار (161 مليار دولار) من 199 تريليون دينار (153 مليار دولار) في عام 2023 مع عجز متوقع قدره 64 تريليون دينار (48.85 مليار دولار). وبنت الحكومة الموازنة على سعر يبلغ 70 دولارا لبرميل النفط في 2024، أي أقل بنحو ستة دولارات من متوسط السعر المرجح هذا العام.

وينتج العراق بموجب اتفاق تحالف أوبك+ 4 ملايين برميل يوميا، رغم أنه رفع الإنتاج إلى 4.25 مليون برميل يوميا خلال يوليو الماضي، وفقا لتقرير سابق لأوبك، والمعتمد على المصادر الثانوية.

واعتبر صالح أن صرف الرواتب ومعاشات التقاعد في مواعيدها لا يزال على رأس الأولويات. وقال “ستصرف الحكومة الرواتب حتى لو كلفها ذلك كل شيء.. الرواتب مقدسة في العراق”. وتكلف الرواتب ومعاشات التقاعد قرابة 90 تريليون دينار (69 مليار دولار)، أي أكثر من 40 في المئة من الموازنة، وهي عامل رئيسي للاستقرار الاجتماعي في البلاد.

ولطالما شدد صندوق النقد الدولي على أن العراق في حاجة ملحة إلى إجراء إصلاحات هيكلية حقيقية، والقيام بضبط مالي قويّ والعمل على تنويع العوائد للحفاظ على الهوامش المالية الوقائية، بما يعزز نمو الناتج المحلي الإجمالي.

وبحسب الصندوق سيعود الاقتصاد العراقي للنمو في العام الحالي بنسبة 1.4 في المئة مقابل انكماش بنسبة 2.2 في المئة خلال العام 2023، على أن يقفز معدل النمو في العام المقبل إلى 5.3 في المئة.

ومن المتوقع أن يحتل العراق مرتبة متأخرة في نمو اقتصاده لعام 2024، حيث سيأتي في المركز 12 عربيا، و121 عالميا بين 189 بلدا يتم تصنيفها، حيث يرتبط تراجع التنمية بالسياسات النقدية وتصدير النفط.

مظهر صالح: نحتاج إلى انضباط مالي أكثر صرامة في عام 2025
مظهر صالح: نحتاج إلى انضباط مالي أكثر صرامة في عام 2025

وتشير التقديرات الدولية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سيبلغ في 2024 أكثر من 297 مليار دولار مع نصيب دخل للفرد يبلغ قرابة 5880 دولارا. ويرى مستشار السوداني أنه يمكن التركيز في تطوير البنية التحتية على المشاريع الأكثر إستراتيجية، مثل أعمال الطرق والجسور الرئيسية في العاصمة بغداد، إذا وجدت الدولة نفسها في أزمة مالية.

وقال إن “العراق يحاول تحسين وضعه المالي من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية عن طريق تحسين تحصيل الضرائب، لكنه لا يدرس فرض أيّ ضرائب جديدة”.

وحرم الاقتصاد الموازي البلد من مصادر تمويل بالمليارات من الدولارات كان يمكن تخصيصها للمدارس والمستشفيات والخدمات العامة الأخرى التي تعاني من التدهور والإهمال. وقدر صالح أن بلده يخسر ما يصل إلى عشرة مليارات دولار سنويا بسبب التهرب الضريبي والمشاكل المتعلقة بالجمارك.

وفعليا، تكافح الحكومة من أجل تسريع معالجة تشوهات النظام الضريبي، الذي يعد من بين الأسوأ في المنطقة العربية، أملا في جعله ملائما من حيث تحقيق العدالة الجبائية، وفي الوقت نفسه جذب المستثمرين.

وقبل أيام كشف رئيس اللجنة العليا للإصلاح الضريبي عبدالحسين العنبكي عن خطة من ثلاثة محاور، مع اتخاذ إجراءات تسهيلية تخص الإدارة الضريبية، وكذلك إعفاء غرامات سابقة لشرائح كثيرة لاستعادة ثقة المكلفين بدفع الضريبة.

وتعكس المخاوف بشأن موازنة 2025 تحديات تواجه سوق النفط العالمية، فالأسعار تتخذ اتجاها نزوليا منذ منتصف عام 2022 مع انخفاض خام برنت من أكثر من 120 دولارا للبرميل إلى أقل من 75 دولارا في الأيام القليلة الماضية. ويرجع هذا الانخفاض إلى حد كبير إلى ضعف الطلب العالمي، وخاصة من الصين أكبر مستورد للنفط في العالم بسبب تباطؤ نموها الاقتصادي.

وقلّصت أوبك توقعاتها لنمو الطلب الصيني إلى 650 ألف برميل يوميا في 2024 من 700 ألف برميل يوميا. وأكدت أن استخدام النفط في ثاني أكبر اقتصاد في العالم يواجه معوقات نتيجة صعوبات اقتصادية والانتقال نحو استخدام أنواع وقود أقل تلويثا للبيئة.

ورغم المؤشرات المتشائمة، استطاع العراق الحفاظ على جدارته الائتمانية في تقرير أصدرته وكالة ستاندرد آند بورز مؤخرا عند درجة بي/بي- مع نظرة مستقبلية مستقرة.

11