نذر أزمة في الكويت ظاهرها التعيينات وباطنها صراع على الصلاحيات

الكويت - أثارت التعيينات التي قامت بها الحكومة الكويتية مؤخرا في عدد من المناصب القيادية موجة رفض من قبل نواب، اعتبروا تلك التعيينات “باراشوتية” ولا تخضع لمعايير الكفاءة.
وتثير ردود الفعل النيابية مخاوف من أزمة جديدة بين الحكومة والنواب، بعد الضجة التي أحدثها مشروع قانون أعدته الحكومة لتنظيم الإعلام، والذي أظهر مدى هشاشة الهدنة القائمة بين الطرفين.
وكان رئيس الوزراء الكويتي الشيخ أحمد نواف أحمد الجابر الصباح قد أعفى المئات من المسؤولين الكبار، في عهد حكومته السابقة، على أمل استعادة الجهاز الحكومي لحيويته بعد حالة الترهل التي أصابته طيلة السنوات الماضية.
وبدأت الحكومة الجديدة مؤخرا في سد الشغورات التي خلفتها تلك الإعفاءات، لكن النواب يرون أن التعيينات لم تقطع مع السابق وكرست “مبدأ كسب الولاءات على حساب الكفاءات”.
وحذر نواب في تصريحات لصحيفة “القبس” المحلية مما أسموه “استمرار العبث في التعيين بالمناصب القيادية”، مؤكدين أن التعيينات “الباراشوتية” تصب في خانة العبث الإداري، “واستمرار الترضيات والتنفيع، ما يظلم الكويتيين المجتهدين، ويحبط المتميزين”.
وقال النائب مهلهل المضف إن غياب العدالة، والتعدي على حقوق الكفاءات، يدل على استمرار نهج الفساد، وظلم الكفاءات الوطنية وأصحاب الخبرات.
وأشار إلى أن بعض القرارات التي أصدرها مجلس الوزراء، أخيرا، بشأن تسكين شواغر في جهات الدولة خالفت المعايير، وتم تعيين بعض القياديين دون مراعاة لمعايير الكفاءة والعدالة الوظيفية، مؤكدا أن الكفاءات الكويتية تشعر بالإحباط، بسبب تهميش المتميزين وإقصاء المجتهدين، وعلى النقيض من ذلك يتم تعيين الأدنى في الكفاءة والتخصصات والشهادات الدراسية.
واعتبر المضف أن هذا العبث في التعيينات يجعل من خطة الإصلاح مجرد “حبر على ورق”، لافتا إلى أن بعض التعيينات في المناصب القيادية، لسد المناصب الشاغرة تدل على عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ويتم اتخاذ قرارات التعيين بلا معايير موضوعية على حساب الكفاءات المستحقة لهذه المناصب.
وأوضح أن التعيينات الباراشوتية تعتبر كسرا للقوانين وتعديا على حقوق الكوادر الكويتية المستحقة والأولى بشغل هذه المناصب، وهناك قياديون تم تعيينهم من خارج الجهات على حساب الموظفين المتميزين الذين يمتلكون خبرات إدارية وعملية في بعض الجهات الحكومية.
وقال النائب شعيب علي شعبان إن التعيين في المناصب القيادية على أساس المجاملات والترضيات مرفوض، لكونه يظلم الكفاءات الوطنية، مشددا على ضرورة إعطاء الفرصة لأصحاب الخبرات ووقف هذا النهج في التعيينات والذي يقوم على أسس غير موضوعية.
وأكد شعبان أن استمرار المحسوبيات في التعيينات تكريس للفساد الإداري ويتناقض مع الإصلاح المنشود، مطالبا رئيس الوزراء بوقف هذا النهج وتعيين الرجل المناسب في المكان المناسب، فضلا عن إعطاء الفرصة للكفاءات الشابة وتمكينها من المناصب القيادية وصنع القرار. وجدد المطالبة بوقف العبث في التعيينات بالمناصب القيادية، لافتا إلى أن ما يحدث من تمكين غير الأكفاء يدل على استمرار التخبط وعدم الجدية في التغيير والإصلاح.
ويرى مراقبون أن صلاحية التعيين تعود حصرا إلى الحكومة، وأن دور النائب هو مراقبة الأداء وإصدار تقييم بعد ذلك، لكن ما يجري هو أن نواب مجلس الأمة في الكويت يحاولون مزاحمة السلطة التنفيذية في صلاحياتها، وهو الإشكال الذي يعوق أي إمكانية لهدنة مطولة بين الجانبين.
ويشير المراقبون إلى أن هناك أطرافا، بينها نواب، تعمل على إبقاء حكومة الشيخ أحمد النواف تحت الضغط، وإضعافها حتى تكون لها اليد الطولى في رسم السياسات وصولا إلى التدخل في التعيينات.
وقال النائب فايز الجمهور “كنا متفائلين بعهد جديد لنهضة وطن بالكفاءات وأهل الخبرة والاختصاص، خصوصا بعد ما آلت إليه الأمور من انتكاسة في إدارات ومؤسسات الدولة، بسبب التعيينات ‘الباراشوتية’ والمحسوبية، لكن ما نراه اليوم من بعض الوزراء من تعيينات للقياديين أمر محبط”.
ووجه الجمهور سؤالا إلى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة عن عدد القياديين الذين تم تعيينهم من دون مراعاة شرط التخصص ومن دون اجتياز الاختبار.
وتوجه الجمهور بسؤال برلماني: هل هناك من تم تعيينهم في الوظائف القيادية بالجهات الحكومية والوزارات من دون مراعاة ضوابط وشروط التعيين؟
وتابع “كم عدد القياديين الذين تم تعيينهم من دون مراعاة شرط التخصص ومن دون اجتياز الاختبار؟ وكم عدد القياديين المعينين من خارج الجهات للعمل داخل جهات أخرى غير جهات عملهم؟ وكم عدد القياديين المعينين الذين لم يسبق لهم العمل في أي جهة حكومية؟”.
ولا يخفي الكويتيون قلقهم من تصاعد موجة الانتقادات في الفترة الأخيرة من النواب تجاه الحكومة، وهو ما قد يعني عودة التجاذبات في الكويت، في الوقت الذي يتطلعون فيه إلى انطلاقة جديدة.
وكانت الصراعات بين الحكومات المتعاقبة ومجلس الأمة، على مدار السنوات الماضية قد أعاقت تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى تخلف الدولة العضو في منظمة أوبك عن ركب محيطها الخليجي الثري، والذي نجح في تحقيق أشواط متقدمة لاسيما في مسار تنويع الاقتصاد.