نذر أزمة جديدة في لبنان: تلويح بالعصيان ردا على مشروع موازنة العام 2024

قوى سياسية وفعاليات اقتصادية تصف المشروع بـ"الفضيحة".
السبت 2023/11/25
خيارات لا تعكس رؤية إصلاحية

يثير مشروع الموازنة للعام 2024 جدلا واسعا في لبنان وسط اتهامات لحكومة تصريف الأعمال بالسعي لتدمير آخر أعمدة اقتصاد البلاد، فيما لا يبدو أن الأخيرة في وارد الإصغاء للتحذيرات معتبرة أن ما يجري لا يعدو كونه تهويلا للكسب الشعبوي.

بيروت - تلوح بوادر أزمة جديدة في لبنان في علاقة بمشروع موازنة العام 2024، وسط تهديد قوى سياسية وفعاليات اقتصادية بالدعوة إلى العصيان، في حال تم السير في المشروع بشكله الراهن الذي تضمن المزيد من الأعباء الضريبية على المواطنين والقطاعات الاقتصادية.

وتنكب لجنة المال والموازنة في مجلس النواب اللبناني على مناقشة بنود مشروع الموازنة الذي أحالته حكومة تصريف الأعمال في وقت سابق إلى المجلس. وألغت اللجنة النيابية عددا من البنود من بينها الضرائب المفروضة على الأجور والرواتب، وعدلت أخرى، لكن أوساطا نيابية وسياسية ترى بأن المشروع يحتوي على الكثير من الألغام، وذهب بعضها إلى حد وصفه بـ”الفضيحة”.

وقال النائب عن كتلة الجمهورية القوية زياد الحواط، الجمعة، إن “مشروع موازنة 2024 فضيحة في هذه الظروف الكارثية لجهة خلوّه من أي بند إصلاحي وتضمينه ضرائب من شأنها القضاء على القطاع الخاص والعاملين فيه الذين يكافحون للبقاء على قيد الحياة”، معتبرا أن “مشروع الموازنة هو رصاصة الرحمة التي تطلقها الحكومة على هذا القطاع بعدما اغتالت القطاع العام بالهدر والسرقة والتوظيف العشوائي”.

زياد الحواط: مشروع موازنة 2024 فضيحة في هذه الظروف الكارثية
زياد الحواط: مشروع موازنة 2024 فضيحة في هذه الظروف الكارثية

وأضاف الحواط “عوض التفكير بجيوب الناس كان الأجدى التفكير بسلة إصلاحات وتفعيل الإدارة بدءاً بفتح الدوائر العقارية في جبل لبنان التي يعتبر إقفالها جريمة موصوفة تحرم الخزينة الفارغة من المليارات، ونحن نتابع الموضوع منذ سبعة أشهر وقد نصل إلى دعوة أهلنا إلى العصيان إذا استمر الاستخفاف بمصالح الناس”.

وكان اللبنانيون يأملون في أن يراعي مشروع الموازنة الوضع القائم في البلاد، وأن يجري طرح رؤية جديدة تعيد إنعاش اقتصاد البلاد المنهك، ليصطدموا بحفاظها على ذات التمشي سواء لجهة عدم ترشيد النفقات أو زيادة الضرائب على المواطنين والقطاع الخاص.

وقامت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية بدرس مشروع موازنة العام 2024 الذي أحالته وزارة المالية بداية سبتمبر، وأقرّت الحكومة المشروع ضمن المهل الدستورية وقدمته إلى مجلس النواب، مسجّلة بذلك سابقة منذ العام 2002.

وقد أدخل حرص حكومة تصريف الأعمال على المهل الدستورية بشأن عرض المشروع حالة ارتياح في النفوس، قبل أن تتكشف بنود المشروع، وتثير الكثير من الجدل.

وقالت العضو في لجنة المال والموازنة النائب غادة أيّوب إن “الأرقام الواردة في مشروع قانون الموازنة وهمية ومبنية على تقديرات غير واقعية أو جدّية وغير إصلاحية”. مشيرة إلى أنه “تمّ في الموازنة ضمن الواردات إدراج بند اكتتاب سندات خزينة، وسألت من سيكتتب سندات خزينة؟”.

وأوضحت أيوب في تصريحات صحفية أن “الحكومة ليس لديها مصدر للتمويل، لذلك راحت تفرض ضرائب على الاقتصاد الشرعي، الرواتب والأجور وعلى المؤسسات المنهكة بدل إعطائها تحفيزات. فلم لا تلجأ الحكومة في الموازنة إلى الحدّ من التهرّب الضريبي على سبيل المثال، ووقف الاقتصاد غير الشرعي المقدّر بنسبة 60 في المئة من إجمالي الاقتصاد”، لافتة إلى أن “الحكومة في الموازنة لم تتّخذ أي إجراءات سوى التوجّه نحو الاقتصاد الشرعي، أي نحو الملتزمين ضريبياً لسحب المزيد من المال منهم”.

العديد من الهيئات الاقتصادية أعربت عن اعتراضها الشديد على بنود الموازنة، وأبدت استعدادها للتصعيد والذهاب إلى حد العصيان

وقالت إن “مشروع قانون موازنة 2024 لا يلحظ بأي مكان تداعيات الحرب على غزة وتداعياتها على لبنان، وإذا كان العجز اليوم 17 ألف مليار ليرة، كيف ستُسدّد التعويضات على المنازل الموجودة في الجنوب والمواطنين والنازحين ضمن خطة الطوارئ؟ وفق تلك المعادلة أصبحت الموازنة وهمية بامتياز”.

وأعربت العديد من الهيئات الاقتصادية بدورها عن اعتراضها الشديد على بنود الموازنة، وأبدت استعدادها للتصعيد والذهاب إلى حد العصيان في حال أصرت الحكومة على تمريرها، معتبرة أن الموازنة استهدفت بشكل خاص عمود الاقتصاد اللبناني وهو القطاع الخاص.

ولفت رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير إلى أن “القطاع الخاص كان يحمي لبنان من الانهيار”، كاشفا أن “الموازنة لم ترسل للهيئات الاقتصادية من أجل إبداء الرأي فيها”.

وقال شقير إن “الموازنة اعتبرت أن سلعة سعرها دولار على الـ1500، اليوم أصبح 89000، تريد أن تضع ضريبة على 87500 ليرة لأنها اعتبرتها ربحا وهذا يعتبر جنونا”، مضيفاً “الموازنة تدميريّة وواضح جدًّا أن الرهان على الانهيار الكبير الذي انتظروه في السابق سيحصل اليوم”. وأعلن أنه “إذا أقرت هذه الموازنة سنتخذ قراراً بالعصيان ونتوقف عن دفع كل الرسوم للدولة”. وشدد على “أننا لن نتنازل عن حقوق المودعين، لأن هذا جنى عمرهم ويجب أن يقبضوه”، معتبراً أنه “معيب أن نتحدث عن تجديد أو عدم تجديد لقائد الجيش، ويجب أن يكون هذا الأمر من المسلّمات”.

ويمر لبنان منذ العام 2019 بوضع اقتصادي ومالي صعب ترجم في انهيار الليرة اللبنانية بشكل غير مسبوق، واضطرار المصرف المركزي إلى حجز أموال المودعين.

Thumbnail

وكان من المفترض أن يحفز الوضع القوى السياسية على تنفيذ إصلاحات تعيد تصويب الوضع المالي والاقتصادي لكن لا تزال الأمور تسير على نفس الوتيرة.

ودافع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل عن الموازنة المقدمة، معتبرا أنه “في الوقت الذي تجري فيه مناقشات بناءة وقيّمة لموازنة العام 2024 في لجنة المال والموازنة، تخرج بين الحين والآخر أصوات منها ما بُني على أسس علمية وواقعية، ومنها خلاف ذلك لا يمكن وضعها إلا في إطار الكسب الشعبوي ليس إلا”.

وقال الخليل إن مشروع موازنة 2024 يصب في خطة التعافي الموضوعة من قبل الحكومة، وهي استكمال لمسار التصحيح الذي بدأ مع إقرار موازنة 2022 والإجراءات المواتية التي أقرّتها المالية العامة، والتي أنتجت اليوم استقرارا ماليا ونقديا وثباتا في سعر الصرف، كما لجمت التقلبات الحادة في وتيرة التضخم والتدهور في الأوضاع المعيشية التي عانى منها المواطنون على مدى أكثر من ثلاث سنوات.

واعتبر وزير المال اللبناني أن التهويل الحاصل بشأن الموازنة “يعيدنا إلى ما سبق تطبيق الدولار الجمركي، وقد ظهر اليوم أن تطبيق الدولار الجمركي لم ينعكس سلبا على الأسعار ولم يرفعها بالشكل الكارثي الذي تنبّأ له البعض، بل إنه ساهم إلى حد كبير في إعادة الانتظام المالي وتمكين المالية العامة، وتأمين الاستقرار النقدي”.

2