ندوة في لندن: آشور حضارة مهمشة وثقافة وأرض مهدورة

الباحث العراقي الآشوري نينب لامسو يؤكد أن المطالبة بالمساواة كانت مطروحة لدى الآشوريين، وأن الديانة الآشورية كانت قريبة من التوحيد.
الثلاثاء 2019/03/12
الآشوريون كانوا أهل ثقافة وأدب، ومكتبة آشور بانيبال من أقدم المكتبات

لندن - في أمسية السبت 9 مارس 2019، استضاف ديوان الشَّذر الثَّقافي بأكتن غرب لندن الباحث العراقي الآشوري نينب لامسو، الذي سلط الضوء على الحضارة الآشورية كتاريخ وثقافة ولغة ومجتمع، في الماضي والحاضر، بدءا من ظهور الآشوريين في نينوى، حيث عاصمتهم التاريخية، التي تعرضت إلى احتلال داعش، الذي دام فيها نحو ثلاث سنوات، وما نتج عنه من نزوح جماعي وخراب للبنية الاجتماعية، فقد أصبحت مدينة الموصل يبابا، ولا كأنّها أم الربيعين، التي تحوي آثار حضارة عريقة في تاريخ العراق والمنطقة.

تحدث نينب لامسو بداية عن الديانة الآشورية، أي عبادة الإله آسور، والتي تميّزت عن الحضارات التي سبقتها بعبادة هذا الإله، الذي يبدو أنه واحد، والأصل في التسمية الآشورية نسبة إلى هذا الإله، أما التسمية بالآشورية، فهو التقارب بين السين والشين، وعلى وجه الخصوص في اللغة العربية.

اعتبر المتحدث الوجود الآشوري في العراق عريقا، وأن الكثير من سكان العراق هم في الأصل أسريين أو آشوريين، حيث أوضح أن ثلاثة أرباع الشعب العراقي هم من ذلك الأصل، وهذا لا تؤيده النزوحات التي وردت إلى العراق من الجزيرة العربية، والموجات البشرية التي تداخلت مع المجتمع العراقي، فالأرض خصبة والمياه غزيرة، لذا كان العراق قبلة للعديد من الأقوام.

تحدث المحاضر عن الموقف من المرأة عند الآشوريين، كاشفا أنه في عدد من الرُّقم الطينية تبين أنا هناك نقاشا بين المرأة والرجل، يفيد منه أن المطالبة بالمساواة كانت مطروحة، لكنه لم يشر إلى أن الآشوريين القدماء كان يفرضون النقاب على النساء، وأن مواد في الأحكام الآشورية تظهر فيها عقوبة مشددة على النساء، وأن هناك مادة فيها تُعاقب الأمة (غير الحرة) التي ترتدي النقاب، وهي إشارة واضحة إلى التمييز الطبقي في المجتمع الآشوري.

تحدث المحاضر عن وضع الآشوريين ما قبل قيام الدولة العراقية الحديثة، فالأراضي كانت متداخلة، والقاطنون بماردين التركية كان لهم امتداد داخل الأراضي العراقية، المعروفة حدودها حاليا، وكذلك الحال في ديار بكر أو ما صار ضمن الأراضي السورية والإيرانية، فمن الصعب عزل الآشوريين على أساس تعيين الحدود الذي حصل بعد الحرب العالمية الأولى.

تسمية الكنيسة الآشورية بالنسطورية غير صحيحة، واسمها كنيسة "المشرق"، والتي اتخذت من تعاليم نسطور تمييزا لها عن الكنيسة الكاثوليكية أو الملكية الرومية

تُظهر الرُّقم الطينية أن الآشوريين كانوا أهل ثقافة وأدب، صحيح أن التأثر كان موجودا بالحضارات التي سبقتهم، لكن مكتبة آشور بانيبال، وهي من أقدم المكتبات التاريخية، قد زخرت بالنصوص الثقافية والتاريخية، المنقوشة على الرُّقم الطينية. وتحدث المحاضر عن وجود ثقافة آشورية بمعزل عن الآرامية، فليس هناك من تشابه بين الثقافتين، وكان هذا بمثابة رد على من اعتقد من الحضور بأن الآرامية هي الثقافة السائدة آنذاك.

أما عن تبني الآشوريين للمسيحية، فحسب لامسو، فإن الديانة الآشورية كانت قريبة من التوحيد، لذا لم يجد الآشوريون من إشكال في تبني المسيحية، وما يتعلق بابن الإله المقدس، وهذا ما تبنته المسيحية في السيد المسيح المولود بقدرة الإله بلا أب. وقال المحاضر إن تسمية الكنيسة الآشورية بالنسطورية غير صحيحة، وهي تسمية مبطّنة ضد هذه الكنيسة، إنما اسم الكنيسة هو كنيسة “المشرق”، والتي اتخذت من تعاليم نسطور تمييزا لها عن الكنيسة الكاثوليكية أو الملكية الرومية.

إلا أن الإشكال في النظر إلى الحضارات القديمة، ككل، على أنها كانت مثالية، من دون ربطها بالفترة التاريخية، أي بزمنها، فمثلا لو نظرنا في شريعة حمورابي لوجدنا أحكام القتل على النساء والعبيد كثيرة، بينما ننظر اليوم إلى زمن هذا الملك على أنه كان مثاليا، هكذا حاول المتحدث تقديم الحضارة الآشورية، من دون أن يتطرق إلى تأثير المسيحية فيها، أي أن الآشوريين الحاليين غلبت عليهم الأخلاق المسيحية، والتي فيها مساحة من الانفتاح في ما يخص المرأة مثلا.

أثارت المحاضرة نقاشا جدّيا من قبل الحاضرين، في ما يخص الحروب الداخلية التي عصفت بالدولة الآشورية، التي تميّزت عن الأكدية مع وجود صلات، فعلى سبيل المثال إن سرجون الأول كان أكديا، بينما سرجون الثاني كان آشوريا، وهذه إشارة على وجود ارتباط بين الأكدية والآشورية أو السريانية كلغتين. كذلك أشار المحاضر إلى وجود مفردات آشورية أو سريانية داخل اللغة العربية، مشيرا إلى الظلم الاجتماعي الذي تعرضت له لغتهم، فلا وجود لتدريس لهذه اللغة في المناطق ذات الكثافة الآشورية، خلال تاريخ الدولة العراقية.

أما عن الوضع الحالي، فقد بيّن المحاضر الاستيلاء أو الاستحواذ من قبل الجماعات الكردية على قرى آشورية، من دون أن يلفت ذلك اهتمام الدولة العراقية أو المنظمات الدولية، لهذا وبسبب المضايقات هجر الكثير من الآشوريين قراهم التاريخية، مع وجود من تصعب عليه الهجرة، ومن خلال الأفلام الوثائقية القصيرة جدا، ظهر من ارتبط بأرضه حتى أنه سمّى الأشجار بأسماء أولاده المهاجرين، وجعل له شجيرات كرمز لأحفاده، يتحدث مع الأشجار كل صباح خلال عنايته بها، وكذلك الحال مع امرأة عجوز ظلت رابضة في قريتها، ولا تريد مغادرتها، على الرغم من الظلم الاجتماعي الذي يقع عليها.

هذا ويذكر أن ديوان الشذر الثقافي الذي يراعاه الدكتور سعد الشذر، والمقام في قسم من داره منذ أواخر العام الماضي، شهد عدة ندوات لباحثين ومهتمين عرب وعراقيين، ومن من تقاليد الديوان ألا تكون محاضرة تقليدية، إنما المحاضر يكون جزءا من الحاضرين، وبالإمكان مقاطعتهم والتدخل، وليس هناك مقدم للمحاضر ولا منصة، وليس هناك موعد منتظم للجلسات التي تُعقد عادة في الشهر مرتين، يوم السبت، فهذا يعتمد على وجود موضوع ثقافي ملفت. ولم يعن ديوان الشذر بالشأن السياسي ولا ما من شأنه أن يثير العصبية والطائفية، إنه ديوان لكنه بروح وتقاليد مجلس، يشبه المجالس التي حفلت ومازالت تحفل بها بغداد.

15