"نداء القنيطرة".. الصحافيون المغاربة يطالبون بالتمييز بينهم وبين المؤثرين

الفيدرالية المغربية للإعلام تؤكد أن الصحافة المغربية تواجه تحديات جدية بسبب تنامي سلوكيات التشهير، والابتزاز، وترويج الإشاعات والأخبار الزائفة.
الثلاثاء 2025/04/22
الإعلام سلاح

الرباط - طالبت الفيدرالية المغربية للإعلام بـ"وضع إطار قانوني رادع ضمن قانون الصحافة"، يمنع تسلل غير المؤهلين إلى الميدان.

وعبّر أعضاء الفيدرالية في بيان صدر تحت عنوان "نداء القنيطرة" عقب انعقاد اجتماعهم العام بمدينة القنيطرة الذي خُصّص لتدارس الأوضاع الراهنة التي يعرفها قطاع الإعلام والصحافة في المغرب، عن قلقهم العميق إزاء الانزلاقات الخطيرة التي أصبحت تشوب الممارسة الإعلامية، مؤكدين أن الصحافة المغربية تواجه تحديات جدية بسبب تنامي سلوكيات التشهير، والابتزاز، وترويج الإشاعات والأخبار الزائفة، والمس بالحياة الخاصة للمواطنين، ما اعتبروه انحرافا يهدد رسالتها النبيلة.

وأكدت الفيدرالية، في بيانها، أن هذه الممارسات غير المهنية تنتشر في ظل فراغ قانوني أو قصور في تفعيل النصوص القائمة، مطالبة بـ”وضع إطار قانوني رادع ضمن قانون الصحافة”، يمنع تسلل غير المؤهلين إلى الميدان، كما دعت إلى عدم منح بطاقة الصحافة أو الاستفادة من الدعم العمومي لغير المتوفرين على الكفاءة المهنية والمؤهلات التعليمية المطلوبة.

كما طالبت الهيئة المهنية بـ”التمييز بوضوح بين الصحافيين المهنيين، ومن يمارسون التأثير على منصات التواصل الاجتماعي دون مرجعية مهنية”، معتبرة أن هذا الخلط يُسيء إلى صورة القطاع ويفقده مصداقيته.

وأعرب أعضاء الفيدرالية عن وعيهم بضرورة تحصين المكتسبات الحقوقية التي راكمها المغرب في مجال حرية التعبير والصحافة، مع التأكيد على أن هذه المكتسبات أُفرغت من مضمونها في الكثير من الأحيان بفعل استغلالها من طرف جهات دخيلة تستغل غياب شروط التأهيل والتكوين.

"نداء القنيطرة" طالب بضرورة وضع إطار قانوني يمكن من مواجهة التجاوزات المهنية المتكررة

وانطلاقا من هذا التشخيص، أطلقت الفيدرالية المغربية للإعلام حزمة من المطالب والإجراءات العاجلة، تضمنها “نداء القنيطرة”، في مقدمتها ضرورة وضع إطار قانوني رادع داخل قانون الصحافة والنشر، يمكن من مواجهة التجاوزات المهنية المتكررة، وعدم فتح أبواب الممارسة المهنية أو منح بطاقة الصحافة والدعم العمومي لغير المؤهلين مهنيا وتعليميا، والتمييز المهني الصارم بين مهنة الصحافي وصانع المحتوى (يوتيوبر أو “مؤثر”)، الذي لا يخضع لقواعد المهنة نفسها، وإلزام الممارسين قانونيا ونظاميا باحترام أخلاقيات المهنة وضوابطها على النحو الذي يساهم في تخليق القطاع، ودعوة السلطات المختصة، وعلى رأسها وزارة الاتصال، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، رئاسة النيابة العامة والمجلس الوطني للصحافة، المُمثل حاليا باللجنة المؤقتة، إلى تحمّل مسؤولياتها الكاملة في مواجهة الانفلات المهني وتقويم الممارسة.

وفي الجانب التطويري، اقترحت الفيدرالية المغربية للإعلام إطلاق برنامج مشترك مع الوزارة الوصية على القطاع في مجال التكوين المهني والتقني في الصحافة، مع التركيز على تأهيل الصحافيين في مجال اللغات الحية، وتحديث مهاراتهم في تقنيات الرقمنة والذكاء الاصطناعي.

وأكد أعضاء الفيدرالية أن التكوين والتحديث التكنولوجي ركيزتان أساسيتان للنهوض بجودة الصحافة المغربية، خاصة في ظل التحولات الرقمية السريعة التي يعرفها المجال الإعلامي على الصعيد العالمي، إذ تضمن “نداء القنيطرة” عددا من المبادرات الإستراتيجية التي تهدف إلى إرساء صحافة مسؤولة ومهنية، من أبرزها إطلاق جائزة دولية للصحافة تعكس انخراط الفيدرالية في الدينامية العالمية للتميز المهني، وتنظيم منتدى دولي سنوي للإعلام يكون فضاءً للتبادل وتقاسم الخبرات والانفتاح على التجارب الدولية، وإصدار تقرير سنوي لرصد الانحرافات المهنية والممارسات غير الأخلاقية التي تشوب القطاع، وإحداث هيئة مغربية مختصة بالإعلام الخارجي تعنى بتسويق صورة المغرب دوليًا، من خلال خطاب مهني منفتح ومتزن.

وفي ما يتعلق بالتحديات المالية التي تواجه الصحافة الوطنية، خصوصا الرقمية منها، دعت الفيدرالية إلى توافق التمثيليات المهنية بشأن الدعم العمومي وآليات توزيعه في المستقبل، بما يحقق العدالة والشفافية، وإشراك المهنيين في الحوار مع شركات التواصل الاجتماعي الدولية، تحت مظلة جامعة الدول العربية، من أجل الدفاع عن قضايا المهنة وضمان العائد الإشهاري العادل لكل المؤسسات الإعلامية المغربية.

أعضاء الفيدرالية أكدوا أن التكوين والتحديث التكنولوجي ركيزتان أساسيتان للنهوض بجودة الصحافة المغربية

واختُتمت أشغال الجمع العام للفيدرالية بالتأكيد على أن “نداء القنيطرة” يشكل لحظة مفصلية في مسار الدفاع عن مهنة الصحافة في المغرب، ويمثّل تعبيرا صادقا عن الغيرة المهنية والرغبة الجماعية في إعادة الاعتبار للصحافة المغربية، كسلطة رابعة تسعى إلى الحقيقة وتخدم المصلحة العامة في إطار من المسؤولية والالتزام المهني.

واعتبر الباحث الجامعي كريم بوخصاص أن الإعلام المغربي يواجه تحدي “الفوضى على مستوى التنظيم”، وذلك بسبب “صعوبة التمييز بين ممارسي المهنة المتمثلين لأدوارها والمتطفلين”، وسط إغراق القطاع بمتدخلين “غير نظاميين”، مشددا على أن هذا الوضع يفرض ضرورة التنظيم، وذلك شريطة ألا يتحول الوضع إلى “فوضى مزاجية” تهدد سلامة المهنة.

وسبق أن قال بوخصاص خلال ندوة وطنية نظمتها الفيدرالية المغربية لناشري الصحف في أبريل الجاري إن الإعلام اليوم يواجه “أزمة وجودية” تطال هوية العاملين فيه، وطبيعة الوسائط والمصطلحات والمضامين، في ظل “تداخل فوضوي للمحتوى”.

وأضاف بوخصاص أن “الصحافة لم تعد كما كانت”، إذ تداخلت فيها مفاهيم الصحافي المهني، والحر، والعرضي، والمؤثر، والمتطفل، والموجه، والمزيف، والمشبوه، مشيرا إلى أن “الجانب التجاري غلب بشكل كبير على الجانب القيمي في المؤسسات الإعلامية.”

وأمام هذه التحديات، أبرز المتحدث أن “الإعلام تحول من أداة للتبليغ والتنوير إلى وسيلة للتزييف والتهييج والتمييع والدعاية والعدوانية والتطرف، وبات يُستخدم للتحكم في السلوك والقرارات حتى في أقوى الدول”، لافتا إلى أننا بتنا نعيش “حالة جهنمية” يُستعمل فيها الإعلام كـ”سلاح فتاك ضد الدول”.

كما شدد على أن “التنظيم الذاتي هو أفضل وسيلة لتكريس استقلالية الصحافة”، محذرا من “الاستهتار” بالمقاصد السياسية والقانونية التي ينبغي أن تؤطرها الدولة وتحتكم إليها. كما أكد أن التنظيم الذاتي يهم القضايا الداخلية للمهنة، خاصة ما يتعلق باحترام القوانين والأخلاقيات، وليس الانشغال بقضايا مثل الدعم وغيره.

ومن جملة التوصيات أيضا، يضيف المتحدث، العمل على إرجاع المجلس الوطني للصحافة إلى وضعيته الطبيعية، مع السعي إلى النهوض بعمله، محذرا من “تكريس المؤقت أو استدامته، لما يمثله ذلك من ضرب لفلسفة التنظيم الذاتي.”

5