نجيب محفوظ وذكريات نوبل

غياب "المحلية الكاملة" سبب عدم تتويج العرب بالجائزة الأدبية العالمية.
الأحد 2021/12/12
مصر لم ترشح محفوظ لنوبل

في الحادي عشر من ديسمبر حلّت الذكرى مئة وعشرة لميلاد الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، العربي الوحيد الذي نال جائزة نوبل للآداب، والتي جعلته أكثر الكتاب العرب مقروئية في مختلف أنحاء العالم والأكثر تأثيرا في أجيال لاحقة من الكتاب والقراء. في هذا المقال استعادة لأجواء تتويج محفوظ بنوبل وما بعد تتويجه بها.

عاد نجيب محفوظ من مكتبه بجريدة “الأهرام” ظهر الخميس الثالث عشر من أكتوبر 1988 إلى بيته. تناول غداءه، وذهب إلى النوم. جاءت زوجته على غير عادتها توقظه في لهفة، وهي تقول: انهض يا نجيب، “الأهرام” اتصلوا بك يقولون إنك حصلت على نوبل.

 كانت دهشته بالغة أولا لأنه لم يكن مرشحا، وثانيا لأن أية جهة أدبية سواء في مصر أو خارجها لم يسبق لها أن فاتحته في أمر هذا الترشيح. قال لزوجته: كفي عن المزاح، وأجّلي الكذبة لأول أبريل. وفجأة رن جرس الهاتف في حوالي الساعة الثانية ظهرا، وكان المتحدث هو محمد باشا الكاتب الصحافي بـ”الأهرام”، ثم سلامة أحمد سلامة، مدير التحرير الذي بادره بالتهنئة: مبروك عليك الجائزة.

الحصول على نوبل

العقاد ولويس عوض وطه حسين كلهم توقعوا أن أدب محفوظ سينال العالمية، وهو ما تحقق بتتويجه بنوبل

جلس نجيب محفوظ ما بين مصدق ومكذب، فهل فاز حقا بجائزة نوبل؟ وقبل أن يلتقط أنفاسه رن جرس الباب، ودخل خواجة ضخم وزوجته، سأله محفوظ: من أنت؟ قال: أنا سفير السويد لارس أولاف بريليوت. عندئذ أدرك أنها حقيقة. جاءا ليقدما له هدية عبارة عن زهرية كبيرة على شكل كأس بلّورية. لقد تحققت نبوءة العقاد بعد سنوات، فقد تنبأ له بالفوز بجائزة نوبل عام 1963 في حديث تلفزيوني مع أماني ناشد.

كان العقاد يتكلم عن أديب أميركي حصل على جائزة نوبل، (ربما كان جون شتاينبيك). قال العقاد إن عندنا كاتبا يستحقها أكثر منه، وهو أحسن منه (وذكر اسم نجيب محفوظ). ولكن قبلها توقع لويس عوض حصول محفوظ على الجائزة وكان ذلك في حفل عيد ميلاده الخمسيني بـ”الأهرام” (1961) وقال لنجيب محفوظ “أتوقع حصولك على جائزة نوبل في السنوات العشر المقبلة”. بينما قال طه حسين عن أدب محفوظ بأنه سيكون له شأن كبير في المستقبل.جلس نجيب محفوظ ما بين مصدق ومكذب، فهل فاز حقا بجائزة نوبل؟ وقبل أن يلتقط أنفاسه رن جرس الباب، ودخل خواجة ضخم وزوجته، سأله محفوظ: من أنت؟ قال: أنا سفير السويد لارس أولاف بريليوت. عندئذ أدرك أنها حقيقة. جاءا ليقدما له هدية عبارة عن زهرية كبيرة على شكل كأس بلّورية. لقد تحققت نبوءة العقاد بعد سنوات، فقد تنبأ له بالفوز بجائزة نوبل عام 1963 في حديث تلفزيوني مع أماني ناشد.

قابل نجيب محفوظ السفير السويدي بالبيجامة، وفوقها الروب دي شامبر (الذي قالت زوجته إنه دخل التاريخ، وهي تتذكر دائما أنه كان روبا صيفيا خفيفا لونه أحمر، وفيه ورود). وكان محفوظ آكلا قبلها بصلا، عملا بنصيحة توفيق الحكيم أنه يخفِّض السكر! وكانت زوجته بملابس المطبخ، وظلت بالملابس نفسها يومين كاملين، لأن الأغراب احتلوا البيت كله طوال هذين اليومين، وكان من الصعب تغيير حتى الملابس، إلى درجة أن زوجته وبنتيه قلن له يومها: إلى الإسكندرية واهربْ من كل هذا.

وتتردد أسئلة نوبل كثيرا في حوارات نجيب محفوظ الصحافية، سواء قبل الحصول عليها، وبالتأكيد بعد الحصول عليها.

قبل حصوله على نوبل يسأله نبيه البرجي (“الدستور” الأردنية 1977): لماذا لم تقترب جائزة نوبل منك، أو من العرب بشكل عام؟

حين منحت نوبل لمحفوظ انتقلت الجائزة من عالم المنشقين والسياسة إلى عالم الأدب والثقافة والجدارة والاستحقاق

فيجيب نجيب محفوظ قائلا: قد تستغرب إذا قلت لك بأني غير عاتب على لجنة نوبل لأنها لم تنتق حتى الآن أي اسم عربي، فمن الواضح أن جغرافية الأدب العربي لا تزال محدودة، والأعمال العربية ليست مقروءة على شكل واسع، بالنظر لانخفاض نسبة القراء العرب، وهذا العامل يؤخذ بعين الاعتبار لدى منح الجائزة.قبل حصوله على نوبل يسأله نبيه البرجي (“الدستور” الأردنية 1977): لماذا لم تقترب جائزة نوبل منك، أو من العرب بشكل عام؟

فيعلق البرجي: لقد منحت جائزة نوبل إلى طاغور الهندي، وهو شاعر كان يطفو فوق أوقيانوس من الأمية! ويرد محفوظ: هذا صحيح، لكن طاغور كان بالنسبة إلى القارئ الغربي بمثابة “قارب الإنقاذ” فالغرب كان في شبه انسحاق، وكان من الضروري أن يبحث عن الأدب الذي يعبر عن النقيض، أي عن الجانب الميتافيزيقي من الحياة. وهذا العامل هو الذي جعل اللجنة تختار طاغور لتمنحه جائزتها.

ويرد البرجي: لكن أعمالك ترجمت أيضا إلى لغات عالمية، وهي تطرح حالات بشرية فذة، وهذا بنظري هو الذي يؤخذ بعين الاعتبار، وليس المعدل الرقمي للقراء. فيجيب محفوظ: لا .. إنك لا تستطيع أن تغفل عامل الانتشار المباشر، ثم أننا، وكما تعلم، نعيش تحت الحضارة السائدة، أي أننا لم نصبح بعد في مستوى هذه الحضارة، وهذا ما يجعل أعمالنا خاضعة للبقاء خارج الاختيار. أضيف إلى ذلك أن العامل السياسي يلعب دورا جوهريا لدى انتقاء الكاتب من قبل اللجنة، ونحن لا نزال ظلا سياسيا، كأن لا دخل لنا في رسم سياسة العالم أو حتى في رسم سياستنا الخاصة.

ولكن البرجي لا يقتنع كثيرا بتلك الأسباب التي تجعل لجنة نوبل تتجاهل الكلمة العربية كليا، وإن لم تكن الجائزة هي المقياس المطلق للتفوق الإبداعي.

ويسأله أحمد فرحات (“الكفاح العربي” 1983): أستاذ نجيب.. في كل مرة يدق فيها ناقوس جائزة نوبل، نتصور مباشرة أنها ستكون من نصيبك أو من نصيب كاتب عربي آخر. ما تعليقك؟

 ويعلق نجيب محفوظ قائلا: أولا .. إن الأديب لا يرشح نفسه لهذه الجائزة. ثمة جهة رسمية (وزارة ثقافة أو إعلام أو تربية) ترشحه باسم الدولة. ومصر لم ترشحني رسميا لنيل هذه الجائزة العالمية. لم ترشح إلا اثنين هما: طه حسين، وتوفيق الحكيم. ثانيا: ثمة نظرة أتمنى أن تفهم بشكل موضوعي، وبعيدا عن التشنجات العاطفية، وهي أن أدبنا لم يصل بعد إلى “المحلية الكاملة”، وأعني بـ”المحلية الكاملة” عملية وصولنا إلى أدب عربي أصيل مئة في المئة، وإلى جمهور عريض من القراء يعد بالملايين، وإلى ازدهار ثقافي واسع. وعندما يتحقق ذلك يحق لنا أن نتطلع إلى الأدب العالمي. أما ونحن في هذه الحال التي تعلمها من الأمية، أمية الملايين وأمية المتعلمين، وقضايا خنق الفكر وحجز الكتاب والحجر على الكلمة، فكيف نتطلع إلى الأدب العالمي؟ وما جدوى ذلك؟ وهذا تماما يذكرني بموقفنا السياسي عندما كان يجب علينا أن نحارب التخلف والفقر والجهل والمرض، وأهملنا ذلك في سبيل أن نقود الثورات العالمية ونحلم بالإمبراطوريات!

ويرد عليه فرحات قائلا: ولكن البعض ممن حصل على جائزة نوبل هو غير جدير بها، وأدبه ليس أصيلا لا في بيئته ولا في غيرها من البيئات.. (ونستون تشرشل، رديارد كبلنغ، عجنون، ساخس، ميلوش، سنجر على سبيل المثال لا الحصر).

ويعلق محفوظ: لا أدري المقاييس والاعتبارات التي تراعى أو تقف وراء منح مثل هذه الجائزة. هل لوزن الأمة السياسي اعتبار؟ هل لنجاح الأديب عن طريق ترجمة آثاره إلى لغات حية دخل في الموضوع؟ حقيقة لا أعلم .. كل ما أقوله إن هذه الجائزة لم ولن تكون من مشاغلي على الإطلاق. ويرى محفوظ أن على المستوى العربي ثمة أدبا عظيما، لكن الحالة الأدبية “وحشة”. ويشدد على ضرورة أن لا نجعل من جائزة نوبل عقدة. فهي ليست معيارا لأهمية هذا الأدب الإنساني أو ذاك. ويقول: من أفدح الأمور أن نتصور أن أدبنا إذا لم يحظ بتقدير أوروبي فهو لم يبلغ بعد المستوى العالمي المطلوب.

الدهشة والأسى

Thumbnail

بعد حصوله على نوبل (1988) يرى جهاد فاضل (“الحوادث” 1988) أن جائزة نوبل للآداب تستعيد اعتبارها. لقد انتقلت هذا العام من عالم الانشقاق والمنشقين والسياسة والأغراض إلى عالم الأدب والثقافة والجدارة والاستحقاق، وإعطاء الجائزة هذا العام لنجيب محفوظ هو تشريف للجائزة قبل أن يكون تشريفا لنجيب محفوظ أو لمصر أو للأدب العربي المعاصر والحديث.

ويؤكد جهاد فاضل أن نجيب محفوظ نال الجائزة دون أن يسعى لها، ولو ذلك السعي البسيط المعقول والمقبول، وقد كان نائما فعلا عندما أيقظته زوجته من قيلولته لتبلغه النبأ السعيد.

وتسأله جريدة “الدستور” الأردنية (1988) عن وقع نبأ فوزه بالجائزة على نفسه، فيجيب محفوظ: كان شعوري مزيجا من الدهشة والأسى.. الدهشة لأنني لم أكن أتوقع الفوز بهذه الجائزة العالمية، والأسى لأنه لم يفز أساتذتي بها من قبلي، وأعني هنا: طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم.

وعندما تسأله “الدستور” عن الكاتب العربي الذي يرشحه للفوز بالجائزة، يجيب: الكاتب السوري حنا مينه.

إن نجيب محفوظ أكد بحصوله على جائزة نوبل للآداب على قدرة ومكانة الأدب العربي على الصعيد الدولي، فرغم تأخر الجائزة ثلاثين عاما إلا أنها جاءت تاليا لا لتتوج رحلة أديبنا الكبير بعد مشوار طويل مع الكلمة فحسب، بل اعترافا بعالمية هذا الأدب الرفيع الذي اعتمد الواقع، ونقل صورة صادقة عن حياة شعبنا وأمتنا.

وتسأله “الدستور”: لو كنت أخذت الجائزة في سن مبكرة، ماذا كنت تصنع؟ فيقول: كنت سأعمل كل ما أعمله الآن.

ويشير المحاور إلى أن “الثلاثية” أهم أعمال محفوظ كما أكدت حيثيات الأكاديمية السويدية، ويسأل: لماذا أثّر هذا العمل بالذات على القراء دون غيره من أعمالك؟ فيجيب كاتبنا: لأنها أقرب إليهم من أي عمل آخر، كما أن إخراجها على الشاشة جعل الذين يعرفونها من الأميين أضعاف أضعاف الذين يعرفونها من المثقفين.

وعن أسباب عدم سفر كاتبنا إلى السويد لاستلام الجائزة، أجاب: عدم سماعي هو السبب، ولك أن تتخيل واحدا لا يسمع وهو في جلسة مع الناس. أما أنتم وكل الذين حولي فهم أهلي ولا أستحي عندما أطالبك بأن تزعق وترفع صوتك حتى أسمعك، ولكن إذا ذهبت إلى السويد وتحدث إليَّ ملك السويد فلم أسمعه، فماذا أقول له؟ هل سأطلب منه أن يزعق؟ وإذا قال لك أحد كلمة تستوجب أن تشكره، فكيف ترد عليه؟ ومع ذلك أنا لم أقرر بعد فما زال الوقت مبكرا. (وفعلا لم يذهب نجيب محفوظ إلى السويد لاستلام الجائزة، وكلّف محمد سلماوي وفتحي العشري للذهاب مع ابنتيه أم كلثوم وفاطمة لاستلامها، وألقى سلماوي كلمة نجيب محفوظ بالعربية في الأكاديمية السويدية، الخميس الثامن من ديسمبر 1988).

وعن ارتباط جائزة نوبل بالشبهات السياسية يوضح محفوظ أن الكثيرين سألوه هذا السؤال، وهو لا يحب أن يتحدث في شيء إلا ويكون على دراية به، وعنده دليل عليه، ويقول: أنا لا أعرف بواطن الأمور، ولكنني آخذ بالظاهر الذي يقول إن المستوى الفني والتوجه للسلام هي شروط لنيل جائزة نوبل، وإذا كان هناك غير ذلك فأنا لا أعرفه. ثم أريد أن أذكر لك شيئا، هل أنا وصي عليهم؟ أنا حقيقة لا أعرف، وإذا كنت تعرف أشياء عن هذا الموضوع فعرفني بها. إنهم أعطوها لأحد الأفارقة، وآخر في أميركا اللاتينية (يقصد جارثيا ماركيز) وقبلها لطاغور الهندي، وما أود أن أؤكده أن الغرب ليس كله عنصريا، والمسألة أنها كانت نزوة شيطانية من ألمانيا الهتلرية وانتهت، ولك أن تناقشني أليست مبادئ هيئة الأمم المتحدة وحقوق الإنسان كلها من الغرب.

ما بعد الجائزة

Thumbnail

عن سر ذيوع جائزة نوبل وانتشارها دون الجوائز العالمية الأخرى يعتقد صاحب “أولاد حارتنا” أن هذا يرجع إلى انتشار الحضارة الغربية وسيادتها، فما يقال عن العالمية وجائزة نوبل لا بد أنه يعني عالمية هذه الحضارة أساسا، وعندما يعطون هذه الجائزة لأحد المنشقين عن الاتحاد السوفييتي فهم لا يغيظون بذلك الاتحاد السوفييتي، وإنما يعطونها لأحد الذين تقارب مع حضارتهم في الأساس. وعندما تسأله “الدستور” ماذا بعد نوبل يا أستاذ نجيب؟ يجيب: ليس للأديب إلا عمله وقارئه والزمن .. هذا ما يفوق أي جائزة.

وبعد عامين من حصوله على نوبل تسأله مجلة “المجلة” (1991) هل تغير إحساسك بالفوز بجائزة نوبل؟ فيقول: طبعا بالنسبة إلى إحساسي بالجائزة بعد مرور عامين عليها، أعتقد أن أي فرحة تصبح عادة، ومع الوقت نسيت أنني حصلت على جائزة حتى لو كانت نوبل. ورغم ذلك فالجائزة تركت بصماتها في جوانب أخرى. فهناك قيم لا تنسى مثل الاعتراف العالمي بمكانة وقيم الثقافة العربية، وأتمنى أن يكون ذلك مجرد مقدمة لانطلاقة حقيقية وأن يكون التجريب الحقيقي هو في كيفية الاستفادة من الفرصة التي أتيحت لنا، فلا بد من إنشاء مؤسسة للترجمة على المستوى العربي لترجمة أهم الأعمال الشعرية والنثرية بشكل جيد وتأييد الترجمة بالدعاية اللازمة وباللقاءات مع كبار الكتاب والنقاد الأجانب.

وعن السلبيات التي تركتها الجائزة على حياة نجيب محفوظ، يقول: الحقيقة أنني ظللت طيلة السنوات الماضية موظفا عند نوبل وجائزته، وكنت أشتاق لليوم الذي أعود فيه إلى نفسي، بعد أن أرهقتني المقابلات والحوارات والمناقشات طوال الفترة الماضية. وأعتقد أنني هذا العام عدت إلى التأمل وإلى حياتي العادية التي غالبا تخلو من الصخب الإعلامي.

ويسأله خالد محمد غازي (“الندوة” 1991): كان من حيثيات فوزك بجائزة نوبل العالمية أوجه تشابه بينك وبين تشارلز ديكنز، فهل ترى أن هذا الشبه كبير بينك وبينه؟ ويرى محفوظ أن ديكنز كاتب عظيم. ولكن تشبيهي به تشبيه غير دقيق، قالوا إن ديكنز كتب عن الحياة في لندن، وأنا كتبت عن الحياة في القاهرة، وأني أرى أن هذا ليس وجه شبه بيني وبينه، فربما يوجد أديب آخر كتب عن فرنسا يجب أن نشبهه بديكنز أو محفوظ!

وعن الضجة التي أثيرت من جديد حول رواية “أولاد حارتنا” بعد فوز محفوظ بنوبل، قال: البعض يتصور أني نلت الجائزة بسببها، وهذا غير حقيقي، لأنه جاء في تقرير اللجنة أنها آخر رواية لي -أي مترجمة إلى الإنجليزية- وكان تركيز لجنة الجائزة على ما أنجزته في تطوير اللغة في الفن الروائي. وأشارت اللجنة إلى “الثلاثية” و”ثرثرة فوق النيل”. وفي رأي آخر أن جائزة نوبل هي جائزة الغرب، فأحدثت فرحة كبيرة نتيجة توجهنا للغرب، فكان الغضب على الجائزة ذاتها أكبر من الغضب على صاحب الجائزة الذي نالها، وكان لا بد من انتقادها كرد فعل على ذلك التوجه.

وعندما تسأله إيمان عيد (“الأنباء” 1992) عن المرشحين من أدباء هذا الجيل لخلافة نجيب محفوظ في الفوز بجائزة نوبل؟ يقول: المرشح المستقبلي لنيل جائزة نوبل يعتمد اختياره على تقدير اللجنة المانحة للجائزة، فنجدها تعطي الجائزة لأدباء تجريبيين أو تقليديين، وفي الماضي أعطتها لصمويل بيكيت رائد المدرسة العبثية في لون جيد ومتميز له. ولدينا نحن الكثير من الأدباء والشعراء مثل بيكيت، ولا أريد الخوض في الأسماء.

ويسأله محمد محمود (“عكاظ” 1993): أين أنت بعد نوبل؟ يجيب: قبيل حصولي على جائزة نوبل أصابني ضعف شديد في السمع والبصر، ومن ثم أصبح اتصالي بالثقافة محدودا، بكل أسف، الآن ألتقط أخبار الثقافة والسياسة من أفواه الأصدقاء عندما ألتقي بهم بعد الظهر من كل يوم. ما أستطيع كتابته الآن مقال أسبوعي، ومن حين لآخر أكتب قصة قصيرة جدا، ومن ناحية القراءة هناك صديق يقرأ عليّ جريدة “الأهرام”. فلم أعد الآن قادرا على القراءة أو المشاهدة أو حتى الاستماع إلى متحدث في ندوة أو محاضرة أو ما شاكل ذلك. أما أعمالي التي كانت مترجمة في نطاق محدود فإنها ترجمت الآن إلى لغات كثيرة تصل إلى نحو 23 لغة، وأصدرتها دور نشر أجنبية عديدة، وهذا جانب إيجابي بعد نوبل.

ويحكي محفوظ عن أطرف المواقف التي حدثت له عقب الفوز بجائزة نوبل (“الأيام” 1995) حيث حكت له شقراء ألمانية أنها أثناء جولتها في أوروبا عقب فوزه بجائزة نوبل لاحظت رواج مبيعات رواياته في السوق الأوروبية، وأن الشباب المصريين من الدارسين في الجامعات الأوروبية قد نسجوا قصص حب ملتهبة مع أوروبيات عن طريق إهداء رواياته لزميلاتهم، واعتُبرت مدخلا لصداقة معهن. ويقول صاحب “الكرنك”: يعني أن فوزي بجائزة نوبل كان فرصة (للبصبصة) في أوروبا.

وعن “الحرافيش” وماذا قدموا بعد مرور سبع سنوات على فوزه بنوبل قال صاحب “الحرافيش”: يكفيني احتفال الحرافيش سواء في الإسكندرية أو القاهرة، وهذا أعظم تكريم لي.

11