نجوم عرب لكسر هالة العزلة حول طرابلس

تحول استقبال نجوم الفن والإعلام وصانعي المحتوى في العاصمة الليبية طرابلس، إلى قضية رأي عام تختلف حولها المواقف والآراء بين الرفض والتأييد، لاسيما في ظل اعتماد الظاهرة لترويج صورة السلطة السياسية في سياق بروباغندا يتم التخطيط لها وتنفيذها على مستوى عال داخل أجهزة الحكومة.
لا يخفى عن المراقبين أن السلطات الليبية متأثرة بالنموذج الخليجي، وتحاول أن تنسج على منواله انطلاقا من فكرة طالما شغلت مواطنيها منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، وهي المقارنة بين أوضاعهم وأوضاع عرب الخليج وخاصة في الإمارات وقطر من الناحيتين المالية والاقتصادية، فالمواطن الليبي يرى أن بلاده لا تقل ثراء عن دول الخليج العربي ولكنها لا تستفيد من ثروتها ولا توفر لأبنائها ما يحتاجون إليه من الاكتفاء والرخاء وبهجة الحياة، وهذه القناعة كان لها دور مهم في أحداث فبراير قبل 13 عاما، عندما كان معارضو الزعيم الراحل معمر القذافي في المنطقة الشرقية يرفعون في بداية الانتفاضة شعار تحويل بنغازي إلى دبي، وتمكين كل مواطن من فيلا وسيارة وراتب خمسة آلاف دولار شهريا.
يركز المشرفون على استقبال النجوم العرب، جانبا من اهتمامهم على الحالة النفسية للمتلقي المستهدف، وهو عادة ما يكون من فئة الشباب والفتيات ومن طبقة أثرياء ما بعد 2011، ومن سكان المدن الساحلية الكبرى، ومن الواقعين تحت تأثير نجومية عدد من الفنانين العرب وخاصة في الخليج العربي، إلى جانب ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي الذين بات لهم حضور واسع في الساحة الليبية وتم استخدامهم من قبل الفرقاء في الكثير من المواجهات بما في ذلك المواجهات العسكرية.
◙ اعتماد الأساليب الخادعة، باستضافة نجوم عرب مؤثرين وخاصة في صفوف الشباب، يتبين بالخصوص من خلال الحرص على اقتناص تصريحات وشهادات منهم بأنهم قد فوجئوا بمستويات الأمن والأمان
هناك رغبة واضحة في استهداف ما يسمى باحتياجات الدفاع عن النفس من حيث رغبة نسبة مهمة من الليبيين في الإحساس بتجاوز زمن الحروب الأهلية والمواجهات المسلحة وانتشار السلاح والإرهاب وسطوة الميليشيات، ودخول مرحلة استعادة الدولة لسلطتها ومكانتها، وقدرتها على فرض نظامها وخياراتها، وعلى تنظيم التظاهرات الكبرى وإغراء النجوم الكبار بزيارتها والمشاركة فيها.
لم يأت هذا التصور من فراغ، ففي ديسمبر 2022 جرى تنظيم ملتقى صناع المحتوى العرب، ضمن “أيام طرابلس الإعلامية” على هامش البرنامج الختامي لتظاهرة “طرابلس عاصمة الإعلام العربي لعام 2022”، وتحدث صاحب الفكرة وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة وليد اللافي عن الفرق الحاصل اليوم بين مفهوم الإعلام التقليدي والاتصال الحكومي الذي تشهد ليبيا تقدما فيه، معلنا قرب إطلاق حاضنة أعمال تحت مسمى “منصة صناع المحتوى الهادف”، وهو ما تم بالفعل في يوليو 2023 عندما قالت حكومة الوحدة الوطنية إن “المنصة الرقمية الأولى من نوعها في ليبيا تسعى إلى تبني المواهب الشابة في مجال صناعة المحتوى وتحفيزها على نشر محتواها بما يضمن إثراء ورفع جودة المضمون الرقمي المقدم من قبل الشباب الليبي. كما توفر الدعم المالي لصناع المحتوى المسجلين بها، عبر محفظة يتضمنها الحساب الشخصي لكل صانع محتوى هادف”.
اللافت أن هذا الاهتمام بصناع المحتوى وباستقبال نجومهم والتكريم على أعلى مستوى، يتزامن مع تضييق على الناشطين المحليين وملاحقتهم في حال مارسوا حرياتهم السياسية والفكرية والعقائدية سواء في غرب البلاد أو في شرقها، وهو ما جعل البعثة الأممية “تشعر بالقلق إزاء التهديدات والمضايقات، وخطاب الكراهية والعنف، والاعتقال غير القانوني”، وتدعو السلطات الليبية في مختلف المستويات إلى “حماية الحق في حرية الرأي والتعبير، ووضع حد لممارسات الاعتقال والاحتجاز التعسفي واسعة النطاق”.
اشتغل اللافي على فكرة اعتماد مواقع التواصل الاجتماعي في صناعة البروباغندا بما يسهم في الترويج لصورة الحكومة التي واجهت ولا تزال تواجه الكثير من المطبات منذ توليها الحكم في مارس 2021، ثم مع الفشل في تنظيم انتخابات ديسمبر من ذلك العام، وقرار مجلس النواب حجب الثقة عنها، ودعوته إلى تشكيل حكومة جديدة، وعجزها عن تحقيق الأهداف التي تشكلت من أجلها وفي مقدمتها توحيد كافة مؤسسات الدولة، وتورطها في ملفات فساد ثقيلة، واتساع دائرة الخلافات حولها بين الفرقاء الأساسيين في المنطقة الغربية بما في ذلك مدينة مصراتة التي يتحدر منها عبدالحميد الدبيبة.
في 23 ديسمبر الماضي، حل الدبيبة ضيفا على منتدى طرابلس للاتصال الحكومي ضمن أيام طرابلس الإعلامية، ليدلي بجملة من المواقف والرؤى والتصورات والتحاليل للمشهد السياسي العام في البلاد في ضوء جملة المستجدات الحاصلة على أكثر من صعيد. المثير في الأمر أن الحكومة استضافت الإعلامي اللبناني طوني خليفة خصيصا ليحاور رئيسها في حوار مفتوح بعنوان “الحكومة والشعب.. مسؤولية الاتصال”، وهو ما لا يمكن أن نراه في أي بلد آخر بما في ذلك دول الخليج التي تسعى على الدوام إلى تقديم مواطنيها في كل ما يتصل بشؤونها المحلية.
◙ بات واضحا أن هدف سلطات طرابلس من استقبال النجوم العرب هو فك العزلة من حولها، وتقديمها في صورة تعتقد أنها ملائمة للمرحلة
اعتمد اللافي في تنفيذ رؤيته على الإبهار في الصورة التي يتم تقديمها بهدف الترويج لمشروع حكومة الوحدة، وعلى خطاب سياسي يبدو بوضوح أنه يعد في مخبر خاص وعلى أيدي خبراء متخصصين، وكذلك على هالة النجومية من خلال استضافة أسماء بعينها ذات تأثير بالغ على الرأي العام المحلي، ويمكنها إيصال انطباعاتها ليس فقط إلى جمهورها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، وإنما كذلك إلى أصحاب القرار السياسي، لاسيما أن نجوم الفن والمجتمع وصانعي المحتوى البارزين يدخلون القصور والمقار الحكومية ولديهم علاقات واسعة مع أصحاب القرار والنافذين وخاصة من الناحيتين السياسية والاقتصادية.
أصبحت صناعة المحتوى في صدارة الاهتمام من قبل المشرفين على مجال الإعلام والدعاية في حكومة الوحدة الوطنية، وبالتالي فإنها تتقدم على وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والإذاعة والتلفزيون، وذلك لاعتبارات عدة منها، الاهتمام الواسع بين الليبيين بمواقع التواصل الاجتماعي، وتحول الهاتف النقال إلى الجهاز الأكثر اعتمادا في تلقي الأخبار ورصد المواقف ومتابعة الأحداث والتعبير عن وقعها لدى الشارع، والقدرة من خلالها على دراسة توجهات الرأي العام سواء من قبل مؤسسات محلية أو دولية متخصصة.
أشارت دراسات متخصصة إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت في ليبيا ارتفع بنسبة 76.2 في المئة خلال السنوات العشر الماضية، من 877 ألف مستخدم عام 2012 إلى 3.7 مليون مستخدم حتى فبراير 2022، بما يمثل 49.6 في المئة من عدد السكان، وفي حين يعتمد 99.5 في المئة من المستخدمين على الهاتف المحمول، تشير البيانات إلى أن 11.87 مليون شخص متصلون بالإنترنت حتى نهاية العام الماضي، ما يمثل قرابة ضعف عدد السكان، وفق المنصة المتخصصة في عرض البيانات والإحصاءات.
كما أوضحت البيانات أن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في ليبيا وصل إلى 6.4 مليون مستخدم، بما يمثل 91.4 في المئة من عدد السكان، وأن عدد مستخدمي تطبيق تيك توك سجل 62 في المئة لدى الشريحة العمرية من 18 إلى 24 عاما، بينما يمثل 95 في المئة من مستخدمي التطبيق من الفئة العمرية الأقل من 35 عاما، ثلاثة أرباعهم من الذكور، في حين لم تتجاوز نسبة الإناث 25 في المئة من مستخدمي تيك توك.
وبحسب البيانات الصادرة في فبراير 2022، يستخدم 82.6 في المئة من ناشطي التواصل الاجتماعي موقع فيسبوك، أكثرهم من الفئة العمرية من 25 إلى 34 عاما بنسبة 32.4 في المئة من إجمالي عدد مستخدمي الموقع، تليهم الفئة العمرية من 18 إلى 24 عاما بنسبة 26.2 في المئة. في حين يبلغ عدد مستخدمي يوتيوب 11.84 في المئة، وتويتر 2.93 في المئة من رواد التواصل الاجتماعي، و1 في المئة إنستغرام.
◙ المشرفون على استقبال النجوم العرب يركزون جانبا من اهتمامهم على الحالة النفسية للمتلقي المستهدف، وهو عادة ما يكون من فئة الشباب والفتيات ومن طبقة أثرياء ما بعد 2011
وبحسب دراسة محلية نشرت في يوليو 2023، فإن 75 في المئة من مستخدمي الإنترنت يعتمدون على منصات التواصل الاجتماعي في الوصول إلى المعلومات، في حين تشكّل المصادر الرسمية والإخبارية والمصادر الشخصية 25 في المئة من مصادر الحصول على المعلومات، حيث يأتي فيسبوك في مقدمة مصادر البحث وتلقّي المعلومات بنسبة تصل إلى 84.5 في المئة يليه بالتوالي تويتر، تيك توك، يوتيوب، واتساب ثم إنستغرام وسناب شات، كما بينت أن 35.7 في المئة من روّاد المنصات الرقمية هم من يتثبّتون من صحة الأخبار والمعلومات قبل تداولها وإعادة نشرها.
وأظهرت الدراسة أن تدني نسبة عدم التثبت من المصادر والمعلومات يضاعف من خطر وقوع مستخدمي الإنترنت ضحايا التلاعب والفبركة الرقمية، وارتفاع مؤشر الخطر، مشيرة إلى أن 26.2 في المئة من روّاد هذه المنصات يعتمدون على تلقّي المعلومات من الصفحات الشخصية (المدونين والنشطاء والإعلاميين) و54.8 في المئة لا يقومون بالتحقق من المعلومات والأخبار التي تصلهم عبر المنصات الرقمية.
إن اعتماد الأساليب الخادعة، باستضافة نجوم عرب مؤثرين وخاصة في صفوف الشباب، يتبين بالخصوص من خلال الحرص على اقتناص تصريحات وشهادات منهم بأنهم قد فوجئوا بمستويات الأمن والأمان، وبحالة النهضة الشاملة التي تعرفها البلاد، وبأنهم نادمون على الأيام التي انقضت من أعمارهم دون أن يزوروا طرابلس المحروسة، بالإضافة طبعا إلى الإشادة بكرم الشعب الليبي وبقيمة الهدايا التي كانت في انتظارهم، وكذلك من خلال تصويرهم وتقديمهم في إطار لافت من الألوان والأضواء والديكورات الجذابة وفي دائرة اجتماعية تتميز بالثراء والأناقة والذوق الرفيع وبالانفتاح الثقافي واعتماد الماركات العالمية مع إضافة بصمة محلية وهي تصوير الضيف أو الضيفة باللباس التقليدي الليبي لتحقيق انتشار أوسع لحضوره وآرائه في الأوساط الاجتماعية المختلفة وكسب تعاطف أكبر نسبة ممكنة من الشارع مع نظرته لليبيا الجديدة.
بات واضحا أن هدف سلطات طرابلس من استقبال النجوم العرب هو فك العزلة من حولها، وتقديمها في صورة تعتقد أنها ملائمة للمرحلة ومنحها مساحة منها من الدعاية التي لا تختلف عن الإعلان غير المباشرة للسلع الاستهلاكية، بالمقابل لا أحد يفكر في مواهب ليبيا المهيئة لنجومية حقيقية، لأنها قد تحتاج إلى وقت، المهم حاليا هو استغلال الجاهز وفق معايير يحددها صانعو القرار الإعلامي انطلاقا من بيع الصورة: صورة السلطة موشحة بصورة النجم الضيف ولو زيفا.