"نجمة واحدة قد تكفي".. الواقع بين الحقيقة وتأثيرات الذكاء الاصطناعي

مجموعة قصصية لباسمة العنزي تعزف على وتر مشاعر الإنسان.
الجمعة 2025/04/25
قاصة تبحر في عوالم خيالية انطلاقا من الواقع

"نجمة واحدة قد تكفي،" هذا ما تؤكده الكاتبة الكويتية باسمة العنزي عبر مجموعتها القصصية الجديدة التي تقص فيها حكايات فردية لكنها مرتبطة بمجتمعاتها وأشد التغييرات الطارئة عليها وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي وأبرز تأثيراته في كل مناحي الحياة.

تستشرف الكاتبة الروائية الكويتية باسمة العنزي، من خلال ما تتضمنه مجموعتها القصصية “نجمة واحدة قد تكفي”، الكثير من المشاعر الإنسانية، التي تبدو في مساراتها قريبة من النبض الواقعي، وذلك بفضل مناوشتها الحثيثة لقضايا تتعلق بالإنسان في حلّه وترحاله، خاصة تلك التي تجري أحداثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ونبدأ من العنوان “نجمة واحدة قد تكفي”، والذي يكشف ما نحن مقبلون عليه من قراءة قصص، ذات طابع حسي متفاعل مع حزمة من المشاعر الخلاقة، تلك التي تغلب عليه أحاسيس الغبن أو التهميش أو الحزن، أو حتى الفرح والأمل، ومن ثم فإن العنوان يسير في ثلاثة اتجاهات؛ الأول تمثله مفردة “نجمة” دلالة على الأمل والتجدّد والظهور والتأمل، ثم نأتي للاتجاه الثاني “واحدة”، كتفسير للاغتراب والوحدة، ويعقبهما الاتجاه الثالث الذي يتمثل في عبارة “قد تكفي”، وذلك دلالة على الرفض والتمرد.

وبالتالي فإننا نسير في قراءة القصص الأخرى من المجموعة على هذا الطريق، الذي يحتوي على ثلاثة اتجاهات، من خلال رؤى متناسقة مع الواقع المرير -سواء الحقيقي أو الافتراضي- كشفاً وتحليلاً؛ حيث إنَّ المُتأملِّ لتداعيات النّصوص الإبداعية التي اجتمعت في عقدٍ أدبي ملهم لدى الكاتبة باسمة العنزي، خلال مجموعتها القصصية “نجمة واحدة قد تكفي” -والتي ضمَّت عشر قصص- يلمس بشكلٍ جليٍّ الفجوة الحياتية بين الواقع والمأمول، الاستسلام والرفض، الفرح والغضب، الظاهر والخفي، وبين ما هو كائنٌ وما يجب أن يكون؛ إذ تسعى العنزي عبر قصصها لمعالجة الواقع، سواء أكان حقيقياً أم افتراضياً، إضافة إلى استجلاء المستقبل وقراءة طالعه، من خلال تسليط الضوء على مشاكل وقضايا وإرهاصات وتأملات تخصّ أفراد أي مجتمع.

الأديبة استثمرت الواقع بمُجرياته وأشكاله العصرية والعالم الافتراضي ومظاهر الحداثة ومواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي
الأديبة استثمرت الواقع بمُجرياته وأشكاله العصرية والعالم الافتراضي ومظاهر الحداثة ومواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي

وقد ركزت المؤلفة في عدد من قصصها على أثر الذكاء الاصطناعي وسيطرته على سوق العمل؛ الأمر الذي أدَّى إلى الاستغناء عن الأيدي العاملة، وبالتالي ظهور مشكلة البطالة، والتقاعد المبكِّر، وغير ذلك من المواقف التي تعترض مسيرة الإنسان في سعيه إلى الرزق.

لقد أسهبت الكاتبة من خلال تقانات السَّرد القصصي في وصف الشخصيات، سواء من الداخل أو الخارج (الشكل أو المضمون)، فنجدها في القصة الأولى “امرأة كل سبت” تغرق في وصف هيئة المرأة ونشاطها، وما يجول في عقلها من أفكار، ثمَّ تنتقل إلى عنصر المفاجأة، لتصدم القارئ في نهاية النَّص بموت تلك المرأة، رغم اتِّساع رقعة الأحلام والمهام التي كانت قائمة عليها، حتى غدت في النهاية مجرد خبر في صفحة الوفيات على حامل صحف معدني عند مدخل السُّوبر ماركت، فتتجلى المفارقة بين أحلامها الكبيرة ومساعيها العظيمة وخبر موتها الضَّئيل، ورغم أن القصة جاءت في سرد واقعي إلا أنها تضمنت اتجاهاً رمزياً يعبّر عن معنى الحياة التي لا ضمانات لاستمرارها، ففي أي وقت قد تنقطع حبال وصلها، وتغدو لا شيء على الإطلاق.

وترسم لنا المؤلفة بريشة كلماتها في قصة “نجمة واحدة قد تكفي” صورة لرجل مولع بتقييم الخدمات المقدّمة له وغير المقدّمة، حتى أنه يشارك أصدقاءه عبر الإنترنت تقييمه، وتسلط القصة الضوء على الحالة النفسية للشخصية، والصراع بين الواقع الحقيقي والآخر الافتراضي، حيث تتبدى الرؤية الحياتية في هذه القصة ممزوجة بعناصر إنسانية شتى تتعلق بملاحقتنا للحياة التي تمرّ أمامنا بناسها ومحتوياتها.

ويتكشَّف بوضوحٍ الصراع النفسي في قصة “الغائبون”، والتي تقوم على مفارقة الأحداث بين ما هو كائن معيش وبين ما يجب أن يكون سواء من منظور العقل أو الشخصية، وتستعرض القصة حالات عديدة لطلبة يفتقدون أحد والديهم أو كليهما، سواء بالموت أو الانفصال، في حفل ختام العام الدراسي وتكريم الطلبة المتفوقين، من خلال مرثية إنسانية تتحاور فيها الأحداث الحزينة مع تجليات إنسانية مؤلمة.

أما في قصة “ستارة مثقوبة” فتتناول مفارقة عبثية، بين نصائح الأم التي تستعرضها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخدعة المظاهر التي تسعى لإقناع متابعيها بها عبر صفحات فيسبوك، وبين الواقع الحقيقي الذي تعيشه الأسرة، وانفصال الأم عاطفيًا عن أبنائها، وجهلها لما يدور في حياتهم، وغرق الأبناء في مشكلات شتَّى، مقابل غرق الأم في دوامة التكنولوجيا، وسحر العالم الافتراضي.

 كما تتعرض قصة “حقائق شائكة” للجوانب المظلمة التي تخلّفها مأساة البطالة وأثرها في حياة الشباب والمجتمع، وهو الأمر نفسه الذي تعالجه قصة “عزيزي العميل” التي تُنبِّهنا إلى مخاطر البطالة، وأثر توظيف الذكاء الاصطناعي والروبوتات في العمل، الأمر الذي أدَّى إلى الاستغناء على الأيدي العاملة واستبدالها بالآلة، وتسعى الأديبة من خلال هذه القصة لدقِّ الأجراس، والتنبيه إلى الآثار السلبية للذكاء الاصطناعي، والتي قد تنحدر بالشباب إلى البطالة وعدم توفُّر فرص للعمل. أمَّا قصة “عدَّاءة الغرف”، فهي تتناول شخصية امرأة تسعى لتجميل الواقع، ومن ثم ترتدي قناع الأميرة ديانا، لتصبح معروفة بلقب “أميرة ويلز الصحراوية”، وهي تعمل على إظهار الواقع بصورة أجمل، بعيدًا عن مخاوف العائلة وتقاليدها وعاداتها، وبالتالي انسربت تلك الفتاة في أحلامها المتخيّلة إلى درجة إغفال واقعها.

العنزي تسعى عبر قصصها لمعالجة الواقع، سواء أكان حقيقيا أم افتراضيا، إضافة إلى استجلاء المستقبل وقراءة طالعه

ثم تأتي لنا قصة “هناك إجابة لكلِّ شيء” لتقدِّم صورة استعراضية لحياة فتاة على منصات التواصل الاجتماعي، ورغبتها في التملك، وإظهار الثراء الفاحش لمتابعيها، مقابل حياة فتاة أخرى تعمل موظفة سكرتارية تمضي نهار عملها في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، وتعيش حياة ملأى بالتوتر، بعد تقاعد والدها عن العمل، ومتطلبات الأبناء “العصرية”، والأجهزة الحديثة، ثم تنتقل بنا إلى حالة مجتمعية يمكن أن نطلق عليها “العقوق الإلكتروني” وتتمثل في حذف الفتاة الفقيرة لحساب والدها وإلغاء صداقتها به، وذلك بعد قبولها لصداقة الفتاة الثَّرية على منصّات التواصل الاجتماعي، ما يعكس فتور العواطف واختفاء وهجها في دهاليز الواقع الافتراضي.

ثم تنتقل بنا العنزي عبر صفحات قصة “ولم يتوقف أحد” إلى تسليط الضوء على تدهور الحالة الصحية لفتاة خلال الجائحة أثناء وجودها في سيارتها، وغيابها عن الوعي، حتى ظنَّها الجميع أنها قد فارقت الحياة، دون أن يتوقَّف أحد منهم للتأكُّد من ذلك، أو تقديم خدمات الإسعاف الأولي لها، ثم أخيرًا محاولة أحد الأشخاص إنقاذها، وعودة التنفُّس إليها، ومن ثمَّ المضيِّ في طريقه غريبًا لا يعرفها، كأنَّهما لم يلتقيا من قبل، وذلك دلالة على انقطاع التواصل الإنساني بين الناس، وفتور المشاعر، في ظل ما تفرزه وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت من مشاعر معلبة، لا تتناسب مع حياة الإنسان وتركيبته النفسية.

وتنتهي بنا الكاتبة إلى قصة “استدامة”، التي تتناول شكل الإعمار والحضارة والأجهزة الذكية، ومظاهر التطور الحضاري، والطاقة الشمسية، والمباني صديقة البيئة عبر استخدام الطاقة المتجددة، واستعراض كل هذه المنجزات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وهذه القصة ربما تُظهر الجوانب الإيجابية للواقع الافتراضي عبر الإنترنت، التي يجب أن نسعى إليها برؤية جادة تنشد التطوير وخدمة أمّنا الأرض، بما يفيد استدامة عناصرها، والتخفيف من تبديد مواردها.

لقد استثمرت الأديبة باسمة العنزي الواقع بمُجرياته وأشكاله العصرية والعالم الافتراضي ومظاهر الحداثة ومواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، لتصدر مجموعتها القصصية عبر عشر لوحات، ومعالجة أثر استخدام هذه التقنيات الحديثة في حياتنا، رغم إيجابياتها، إلا أنَّ لها انعكاسات سلبية كبيرة وواضحة وآثارا وخيمة على المجتمع، فغدت الوسائل الحديثة معولًا هادمًا للعلاقات الاجتماعية داخل الأسرة، وتمكين البطالة من الشباب والأيدي العاملة، والحالة المجتمعية عامة، وهي تحمل رسالة واضحة تدقُّ من خلالها الأديبة جدران الخزَّان، لتنبِّه للكارثة التي تفتك بأساسات المجتمع، وتلتهم صورته الجميلة.

13