"نجلاء بودن المرأة اللطيفة" تقاضي صحافيا بسبب مقال

التحقيق مع صحافي بموجب المرسوم 54 بتهمة نشر أخبار كاذبة سابقة أولى تثير جدلا إعلاميا في تونس.
الخميس 2022/11/17
المرأة اللطيفة

يشهد الوسط الإعلامي في تونس جدلا واسعا بعد قرار إحالة مدير موقع “بزنس نيوز” على التحقيق القضائي وفقا للمرسوم رقم 54 الخاص بـمكافحة الجرائم الإلكترونية المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصالات، بعدما ادّعت عليه وزيرة العدل ليلى جفال بسبب نشره مقالا تحليليا حول الحصيلة السيئة لأداء حكومة نجلاء بودن.

تونس - أثار التحقيق مع مدير موقع إلكتروني بموجب المرسوم رقم 54 الصادر في السادس عشر من سبتمبر الماضي المتعلق بالأخبار الكاذبة، على خلفية مقال تحليلي نقدي للحصيلة السلبية لحكومة نجلاء بودن جدلا إعلاميا واسعا.

واستعرض مقال باللغة الفرنسية بعنوان “نجلاء بودن، المرأة اللطيفة” في “موقع بيزنس نيوز” وهو ممضى باسم رؤوف بن هادي، الإجراءات التي قامت بها رئيسة الحكومة نجلاء بودن، المعينة قبل عام. ويسرد “الحقائق” ويعلق عليها ويبرز جمودا سياسيا وقبل كل شيء “تدهورا للوضع في تونس حيث أصبحت الحياة اليومية بين الندرة وارتفاع تكاليف المعيشة، لا تطاق”.

قد يكتفي الموقف بكونه عبثيا، باستثناء أن القانون المعمول به يمكن في أي وقت أن يجرم ممارسة الصحافة

لكن يبدو أن هذا التحليل قد أزعج الحكومة وتم استدعاء مدير الموقع الإلكتروني بيزنس نيوز عقب شكوى من وزيرة العدل ليلى جفال.

وهذه هي المرة الأولى التي تتم فيها ملاحقة وسيلة إعلامية بموجب المرسوم رقم 54 منذ إصداره. وينص هذا النص على عقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة كبيرة على أي شخص “يستخدم شبكات الاتصال وأنظمة المعلومات عمدا لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال معلومات كاذبة أو إشاعات كاذبة”. وتضاعف العقوبة إذا كانت هذه “المعلومات الكاذبة” تستهدف مسؤولي الدولة، حسب الأمر التنفيذي. ويمنح القاضي سلطة تقديرية بشأن الملاحقات القضائية المحتملة.

وقالت نقابة الصحافيين التونسيين إن وزيرة العدل ليلى جفال تقدمت بشكوى ضد مدير موقع “بزنس نيوز” نزار بهلول، متهمة إياه بـ”نشر أخبار غير صحيحة وثلب (شتم) رئيسة الحكومة بودن والادعاء بالباطل”.

وأضافت أن بهلول “يتابع وفق المادة 24 من مرسوم 54 الصادر في سبتمبر الماضي، والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال بتهمة نشر أخبار غير صحيحة وثلب رئيسة الحكومة والادعاء بالباطل وما له من تأثير على الأمن العام بغاية المساس بأمن الدولة”.

وأردفت النقابة في بيان أن بهلول “يواجه تهما قد تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات، على خلفية مقال تحليلي نقدي للحصيلة السلبية لحكومة بودن خلال فترة حكمها”.

واستدعي مدير الموقع بهلول الاثنين واستمعت إليه فرقة مكافحة الجريمة في القرجاني بتونس العاصمة. وقال بهلول إن الأسئلة تتعلق بمحتوى المقال والمصطلحات المستخدمة، مضيفا أنه لا يعرف ما إذا كانت القضية قد أغلقت أم لا.

وأوضح رئيس تحرير الموقع مروان عاشوري أنّه خلال التحقيق “استنتجنا أن بعض التعابير أزعجت رئيسة الحكومة”، لافتا إلى أنّ ظروف التحقيق كانت طيبة والأعوان تعاملوا بطريقة محترمة ومتحضرة مع مدير موقع ”بيزنس نيوز” الذي لم يتعرض لأي تضييقات.

ولم يمنع ذلك سماع بهلول ثلاث ساعات، ثم انتظار ساعة أخرى لقرار النائب العام بالإفراج عنه أم لا.

مراقبون يرون أنه من حق بودن أو أي مسؤول حكومي آخر مقاضاة الصحافي الذي يقول إن سياساتها "ستؤدي إلى انفجار اجتماعي"

وأضاف رئيس تحرير الموقع أنه لن يتمّ سحب المقال المذكور من الموقع لأنه لا يتضمّن أيّ إساءة لشخص رئيسة الحكومة “والمقال تضمّن قراءة تحليلية للوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وطريقة إدارة حكومة بودن للأوضاع في تونس”.

وبدا الصحافيون الآن في مرمى نيران الحكومة. وقد ينتهي الموقف بكونه عبثيا، باستثناء أن القانون المعمول به يمكن في أي وقت ووفقا للتفسيرات أن يجرم ممارسة الصحافة.

ونتيجة لذلك، فإن الصحافيون ليسوا مطمئنين ويحبسون أنفاسهم، معتمدين على موقف حازم من النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين حتى لا يصبح هذا الحادث سابقة مؤسفة تتكرر.

ويقول مراقبون إن التحقيق مع الصحافي جاء قبل يومين من القمة الفرنكوفونية التي ستعقد في جربة يومي التاسع عشر والعشرين من نوفمبر، ما سيجعل ضيوف تونس يؤكدون على ضرورة الحفاظ على الحريات في تونس، وهو المكسب الملموس الوحيد بعد ثورة الرابع عشر من يناير 2011.

واعتبرت نقابة الصحافيين أن “دعوة بهلول للاستماع من قبل فرقة أمنية الاثنين تعد ضربا ممنهجا لجوهر حرية الصحافة، ومحاولة فاشلة لترهيب الصحافيين العاملين في الفضاء الرقمي، ومحاولة مشبوهة لضرب النقاش العام البناء حول مؤشرات فشل سياسات الحكومة الحالية في إدارة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد”. ودعت النقابة وزيرة العدل “إلى السحب الفوري للشكوى باعتبارها وصمة عار في جبين الحكومة التونسية في معالجتها لملف قطاع الإعلام”.

وأفاد هشام السنوسي عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، أن “بهلول كتب مقالة انتقد فيها الحكومة وهذا من صميم عمله، وإذا كانت هناك خروقات فهناك مرسوم خاص بالعمل الصحافي وهو المرسوم 115، ولا بد من الرجوع إليه، لكن اليوم تم الرجوع للمرسوم 54 وهو يشمل تعلاّت قاسية جدّا”.

هشام السنونسي: بهلول كتب مقالة انتقد فيها الحكومة وهذا من صميم عمله
هشام السنونسي: بهلول كتب مقالة انتقد فيها الحكومة وهذا من صميم عمله

 وأضاف لـ”العرب”، “الذهاب لهذه المراسيم والتخلي عن القوانين الخاصة بالعمل الصحافي، هو بالتأكيد فيه تهديد لحرية الصحافة، والسياسة المعتمدة الآن من قبل السلطة قد تضعها في مواجهة مع الصحافيين وهذا ليس في صالح تونس”.

والاثنين نفى الرئيس التونسي قيس سعيد، عقب لقاء جمعه بوزير الداخلية توفيق شرف الدّين “الادعاءات الكاذبة” المتعلقة بـ”التضييق” على الحريات في بلاده.

وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية، أن سعيد “فنّد (كذّب) الادعاءات المتعلقة بالتضييق على الحريات، فلو كان هناك بالفعل تضييق لتمّت محاكمة البعض من أجل التحريض على الاقتتال والدعوات إلى تغيير هيئة الحكم”.

وقال مراقبون إنه من حق بودن أو أي مسؤول حكومي آخر مقاضاة الصحافي الذي يقول إن سياساتها “ستؤدي إلى انفجار اجتماعي”.

من جانبها، عبرت الجامعة التونسية لمديري الصحف عن استغرابها الشديد، معتبرة “أن هذه الممارسة التي تضرب في العمق حرية التعبير والصحافة، تندرج في إطار الضغوط والتضييقات والحملات الممنهجة التي يقع شنها على مديري المؤسسات الإعلامية وعلى الصحافيين بسبب مقالات تحليلية أو إنتاجات صحافية عبروا فيها بكل حرية عن آرائهم أو انتقدوا فيها السلطة الحاكمة، وتشهر مساندتها المطلقة للزميل بهلول ومساعديه ضد أي إجراء تعسفي قد يطالهم”.

وذكرت الجامعة أن مقاضاة الصحافيين العاملين في الصحافة المكتوبة الورقية منها والرقمية لا تتم إلا عبر المرسوم عدد 115 المؤرخ في الثاني من نوفمبر 2011 وأن محاولة منع أي منهم من التعبير عن رأيه، إنما تدخل في خانة حصار الشعب التونسي وحجب المعلومات والآراء المخالفة عنه والتراجع المكشوف عن مكسب حرية التعبير والصحافة.

وذكر بيان الجامعة أيضا بأن أعضاء من الحكومة سبق أن صرحوا بأن المرسوم عدد 54 لا يهم عمل الصحافيين، غير “أننا تفاجأنا به يترك جانبا عصابات القذف والشتم ونشر الأخبار الزائفة وهتك الأعراض وسلب الأموال ويتوجه لضرب حرية الصحافة وبسرعة قصوى في حين تنام قضايا أخرى لسنوات في الرفوف”.

16