نجاح مفاوضات الإطار الدستوري رهين إرادة الفرقاء في ليبيا

القاهرة- انطلقت في القاهرة، الأحد، الجولة الثالثة والأخيرة من مباحثات فرقاء ليبيا المنخرطين ضمن مبادرة أممية لحل أزمة بلادهم عبر إيجاد قاعدة دستورية للانتخابات في أقرب وقت.
وفى ظل إجماع المجتمع الدولي والمؤسسات الليبية على أهمية هذه الجولة كونها تناقش النقاط الخلافية التي لم تتطرق لها جولتان سابقتان يتفاءل الليبيون بنتائجها، بينما يقلل البعض من أهميتها كونها تأتي ضمن مبادرة أممية سبقتها العديد على مدى سنوات دون حل.
وتقود المستشارة الأممية لدي ليبيا ستيفاني ويليامز عبر مبادرة أممية جهود تسوية سياسية في ليبيا تتمثل في تشكيل لجنة من مجلسي النواب والدولة تجتمع في القاهرة منذ الأحد الماضي في جولة ثالثة وأخيرة تنتهي الأحد المقبل لوضع قاعدة دستورية تجرى بناء عليها انتخابات في أقرب وقت ممكن.
وتناقش الجولة الحالية ما تبقى من القاعدة الدستورية المؤدية إلى الانتخابات وهي تمثل ما يقارب الثلاثين في المئة من النقاط الخلافية بعد أن تمكن المجتمعون قبل أسبوعين من حسم سبعين في المئة من تلك القاعدة خلال الجولة الثانية.
وعن أهمية هذه الجولة والمبادرة الأممية المبنية عليها بشكل عام قال المحلل السياسي الليبي طاهر محمد إنها “تمثل الفرصة الأخيرة لحل الأزمة الليبية ويجب عدم إضاعتها”.
وأضاف محمد الذي تحدث بتفاؤل “أنجز المتحاورون أكثر من سبعين في المئة من القاعدة الدستورية خلال جلستين ماضيتين فقط بواقع ستة أيام لكل منها يبشر بقدرتهم على المضي قدما وإنجاز الباقي”.
ورأى أن سر نجاح الأمر “هو في المبادرة الأممية التي جاءت محددة المدد ولم تترك للمتحاورين من طرفي النزاع الليبي الأمور مفتوحة الوقت”. وأشار محمد إلى أن “ضيق وقت لجنة المسار الدستوري في إنجاز تكليفها وضغط الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عليها لهما أثر كبير على إنجاح الاستحقاق الحالي”.
◙ ضيق وقت لجنة المسار الدستوري وضغط المجتمع الدولي عليها لهما أثر كبير على إنجاح الاستحقاق الحالي
كما تكمن أهمية المباحثات الجارية، بحسب محمد، في “كونها جاءت في وقت تعبت فيه جميع الأطراف السياسية المتخاصمة على مدى أعوام من الخصومة، كما أن الشعب لم يعد يحتمل المزيد من تصارعهم لذلك سينجزون هذا الاستحقاق فورا”.
ومضى بالقول “القرارات الأحادية التي اتخذتها كل الأطراف لم تسهم في الحل، فالبلاد تعيش أزمات خانقة اقتصادية ومالية، وبالتالي اقتنع الجميع الآن أن الحل في الوحدة والانتخابات”. كما رد المتحدث على المشككين بقدرة الأمم المتحدة على حل الأزمة الليبية عبر مبادرتها الحالية قائلا “أذكّر أولئك أن ليبيا حصلت على استقلالها عام 1949 بقرار أممي”.
وقال محمد “دولتنا الليبية نشأت أصلا بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 289 في الحادي والعشرين من نوفمبر 1949 الذي قضى بمنح ليبيا استقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 1952 وهو ما تم فعلا في الرابع والعشرين من ديسمبر 1951 وأصبحت ليبيا مستقلة ذات حكم ملكي آنذاك”.
أما في العصر الحديث فقال محمد “للأمم المتحدة والمجتمع الدولي إنجازات أيضا منها تشكيل اللجنة العسكرية المشتركة بين أطراف النزاع (5+5) والتي أتمت وقف إطلاق النار بعد احتراب داخلي بينما تكافح الأمم المتحدة إلى الآن للحفاظ على ذلك الإنجاز”.
وأضاف “هناك أيضا توحيد البنك المركزي المنقسم منذ عام 2014 والذي شارفت خطواته الأخيرة على الانتهاء”. وأردف محمد بالقول إن “ليبيا لا تعيش بمفرها في كوكب الأرض وعلينا أن نقتنع بجدوى المجتمع الدولي في إدارة الأمور التي نتخاصم عليها كحكم محايد”.
وعلى النقيض من ذلك تماما قلل الناشط السياسي الليبي ياسين الحمري من قدرة مباحثات القاهرة بشكل خاص على حل أزمة بلاده ومن قدرة المبادرات الأممية بشكل عام على ذلك.
- ليبيا شهدت سبعة مبعوثين على مدى سنوات بداية من الأردني عبدالإله الخطيب الذي عين في أبريل عام 2011 إلى السلوفاكي يان كوبيش المعين في يناير 2021، جميعهم فشلوا في حل الأزمة الليبية
وأوضح الحمري أن “ما يجري في القاهرة ليس حلا للأزمة بل مجرد تقاسم للسلطة ومشهد مكرر وضمان مواقع للمجلسين في قادم السنوات”. وأضاف “كل ما يحدث في كل حوار هو البحث عن كيفية تقاسم السلطة فقط وليس حلا للمشاكل بين الأطراف المتنازعة”.
ويري الحمري أن المتحاورين في القاهرة “ليسوا ممثلين فعليين لأطراف النزاع الليبي وكلامهم واتفاقهم ومخرجات حوارهم لن تسري على الجميع في ليبيا”.
وأردف “لنكن واضحين من يسيطر على شرق البلاد ليس مجلس النواب بل خليفة حفتر (قائد الجيش)، ومن يسيطر على غرب البلاد ليس مجلس الدولة بل التشكيلات المسلحة”. وأكد الحمري أن “أيّ حوار لا يشرك هذين الطرفين لن تعمم نتائجه على الجميع، وستجد دوما من يعارض تلك النتائج”.
وعن المبادرة الأممية قال الحمري “لو كانت الأمم المتحدة جادة في حل الأزمة الليبية عبر الانتخابات لأثبتت ذلك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي كانت مقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي” (لكن لم تحدث).
وشهدت الفترة التي كان مقررا إجراء الانتخابات فيها، وفق الحمري، “عدة خروقات مثل إغلاق المحكمة في سبها ضد طعون المرشح سيف الإسلام القذافي، والهجوم على المقار الانتخابية في طرابلس وغريان، وتصريحات رئيس مفوضية الانتخابات حول القوة القاهرة التي تمنع الانتخابات”.
وفتحت المفوضية العليا للانتخابات الليبية باب الترشح في الثامن من نوفمبر الماضي، حتى الثاني والعشرين من الشهر نفسه للانتخابات الرئاسية، وحتى السابع من ديسمبر الماضي للانتخابات البرلمانية.
وأضاف الحمري “المجتمع الدولي والأمم المتحدة لم يحركا ساكنا بشأن كل ذلك، في حين أنهما لو اتخذا إجراءات صارمة ضد مرتكبي تلك الأفعال آنذاك لوافق الجميع على الانتخابات وحلت الأزمة الليبية”.
وتساءل الحمري “الأمم المتحدة فشلت على مدى أشهر في حل خلافها وحسم أمر تسمية مبعوث لبعثتها لدى ليبيا فكيف ستنجح في حل الخلاف الليبي”.
وشهدت ليبيا سبعة مبعوثين على مدى سنوات بداية من الأردني عبدالإله الخطيب الذي عين في أبريل عام 2011 إلى السلوفاكي يان كوبيش المعين في يناير 2021. كل أولئك، وفق الحمري، “فشلوا في حل الأزمة الليبية عبر العديد من المبادرات الأممية والدولية بداية من مسارات باريس الثلاثة، مرورا بمؤتمر روما وقمة أبوظبي الأولى والثانية”.
وأضاف “ناهيك عن حوارات القاهرة الماضية ومؤتمرات شرم الشيخ والغردقة المصرية والصخيرات المغربية وجنيف الأول والثاني انتهاء بملتقى الحوار السياسي العام الماضي”.
وعن الحل يقول الحمري إنه “يكمن في إطلاق حوار شامل مع الأطراف الفاعلة من قادة الكتائب بغرب ليبيا والقبائل وجميع الأجسام وحل الخلافات بينها بعدها يكون من السهل على أيّ حكومة تأتي أن تحكم”.
واستدرك “للأسف ما يحدث ليس ذلك بل هو العكس فهم يتفقون على حكومة قبل حل خلافاتهم، بالتالي تصطدم تلك الحكومة بتلك المشاكل وتتعثر جميع مساعي استقرار البلاد وهو ما حدث مع حكومة (فائز) السراج وحكومة (عبدالحميد) الدبيبة بعدها”.
وتشهد ليبيا حالة انقسام سياسي وسط مخاوف من الانزلاق إلى حرب أهلية على خلفية تنصيب مجلس النواب في طبرق فتحي باشاغا رئيسا لحكومة جديدة بدلا من حكومة يرأسها عبدالحميد الدبيبة والذي يرفض تسليم السلطة إلا إلى حكومة تأتي عن طريق برلمان جديد منتخب.
