نجاح كشف الشلل الرعاش قبل ظهور الأعراض

يعتبر مرض باركنسون، والذي يسمّى أيضا الشلل الرعاش، من أكثر الأمراض المزعجة لكبار السن. وكثيرا ما يتفطن له المرضى في مراحل متقدمة، وهو ما يصعّب عملية العلاج إلى حد كبير.
لندن – تمكن العلماء من رصد إشارة مبكرة تنذر بالإصابة بمرض باركنسون قبل سنوات من ظهور أي أعراض له. وتوصلت الدراسة، التي أجراها باحثون من جامعة كينغز كوليدج في لندن، إلى أن الأضرار التي لحقت بنظام السيروتونين في الدماغ كانت “علامة مميزة” على المرض.
ونقلا عن صحيفة ديلي ميل البريطانية، أشاد الخبراء بالنتائج ووصفوها بأنها “رائعة”، قائلين إنها تساعد على احتواء “فجوة كبرى” في التعرف على الحالة المرضية.
ويقبع باركنسون في الدماغ، طوال سنين طويلة، قبل أن يلاحظ المرضى أي أعراض لديهم مثل الارتعاش والحركة البطيئة. وتحديدُ الاضطراب غير القابل للشفاء، مبكرا، يمكن أن يحسن نتائج عملية العلاج للملايين من المرضى.
ويعتبر مرض الشلل الرعاش، وفقا للخدمة الصحية الوطنية في بريطانيا، هو ثاني اضطراب تنكس عصبي شائع بعد مرض الزهايمر.
ويؤثر باركنسون على 148 ألفا في المملكة المتحدة، أي حوالي واحد من 350 من السكان، وحوالي نصف مليون في الولايات المتحدة.
الشلل الرعاش يعد أحد الأمراض شائعة الانتشار بين كبار السن، وتبدأ أعراضه السريرية بالظهور بين 40 و60 عاما
وتقول هيذر ويلسون، الباحثة الرئيسة في الدراسة وهي تقيم في معهد الطب النفسي وعلم النفس وعلم الأعصاب، “وجدنا أن وظيفة السيروتونين كانت علامة ‘مميزة’ على مدى تقدم مرض باركنسون. لقد وجدنا تغييرات يمكن اكتشافها في نظام السيروتونين بين المرضى الذين لم يتم تشخيصهم بعد.
لذلك، يمكن أن يصبح تصوير الدماغ لنظام عمل السيروتونين أداة قيّمة لاكتشاف الأفراد المعرّضين لخطر الإصابة بمرض الشلل الرعاش ومراقبة تقدمهم والمساعدة في تطوير علاجات جديدة”.
والمرضى الذين يعانون من مرض الشلل الرعاش لديهم تراكم البروتين آ- سينوكلاين (ألفا- سينوكلاين) في الدماغ. وفي الوقت الذي لا يوجد فيه سبب واضح لهذا التراكم، والذي قد يعود أحيانا إلى بعض العوامل البيئية، تبيّن أن عددا من الحالات المرضية تسببها طفرات جينية.
الطفرات الجينية للبروتين آ- سينوكلاين “أس.أن.سي.آي” نادرة، لكن المرضى الذين يحملونها يكاد يكون من المؤكد أن يصابوا بالشلل الرعاش خلال حياتهم. وهذا يجعلهم مجموعة مثالية لدراسة تسلسل الأحداث البيولوجية التي تؤدي إلى مرض باركنسون.
وتم العثور على الطفرة الجينية “أس.أن.سي.آي” لأول مرة في قرى بشمال بيلوبونيس في اليونان ويمكن العثور عليها أيضا لدى الأشخاص الذين هاجروا إلى المناطق القريبة في إيطاليا.
واكتشف العلماء في المعهد القومي لبحوث الجينوم البشري في المعاهد الوطنية للصحة الجين المتحور في عام 1997 من خلال دراسة الحمض النووي للعائلات.
وحددت كينغز كوليدج 14 حاملة لعينات الجين المتحور تم نقلها من اليونان وإيطاليا إلى لندن على مدار عامين. ويقول الباحثون إن 7 عينات منها لم يبدأ ظهور أي أعراض لمرض باركنسون عليها بعد.
وأخضع الأكاديميون حاملات الطفرة الوراثية إلى نوع خاص من مسح الدماغ الذي يصور السيروتونين الكيميائي في المخ. ثم تمت مقارنة بيانات الاختبار بنتائج 65 مريضا يعانون من الشلل الرعاش غير الوراثي و25 متطوعا صحيا.
ووجدت النتائج أن نظام السيروتونين يشهد اختلالا لدى الأشخاص الذين يعانون من مرض باركنسون قبل ظهور الأعراض التي تؤثر على الحركة.
وتعد هذه الدراسة، التي نُشرت في “ذو لانست نورولوجي”، هي الأولى التي يتم فيها ربط المراحل الأولى من مرض باركنسون بالسيروتونين، وهي تتحدى الدراسات الأخرى التي تشير إلى حدوث تغييرات في نظام الدوبامين قبل أي شيء آخر.
وقال البروفيسور ماريوس بوليتيس، مؤلف مشارك في الدراسة، “كان يعتقد أن مرض الشلل الرعاش يحدث بسبب تلف نظام الدوبامين. لكننا نظهر أن التغييرات التي تطرأ على نظام السيروتونين تأتي أولا، حيث تحدث قبل سنوات عديدة من بدء ظهور الأعراض للمرضى”.
وقال توم فولتيني، أستاذ علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلس والذي لم يشارك في الدراسة، “هذا اكتشاف رائع. في الوقت الحالي، نحن نستخدم الأعراض السريرية (فقدان الإحساس بالرائحة وغيرها) كأول دلائل تتعلق بالظهور السريري لمرض باركنسون”.
ومن المأمول أن تؤدي النتائج إلى أدوات فحص جديدة لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للخطر. لكن التصوير الدماغي الذي يتم باستخدام التصوير المقطعي غالي الثمن ويصعب تنفيذه.
وأشار الباحثون إلى أن هناك حاجة إلى المزيد من البحث حول تقنيات المسح لجعلها أقل تكلفة ومباشرة لاستخدامها كأدوات فحص.
المرض يسبب تصلب العضلات وبطء الحركة والهزات واضطرابات النوم والتعب المزمن وضعف نوعية الحياة
وقال الدكتور بيكي بورت، مدير الأبحاث في باركنسونز بالمملكة المتحدة، “هذه واحدة من أولى الدراسات التي تشير إلى أن التغييرات في إشارات السيروتونين قد تكون نتيجة مبكرة لباركنسون. اكتشاف التغييرات التي تحدث في الدماغ في هذه المراحل المبكرة يمثل فجوة كبرى في أبحاث باركنسون في الوقت الحالي”.
وكشفت منظمة الصحة العالمية، في أحدث إحصائية لها، عن أن نحو 7 ملايين شخص حول العالم يعانون من مرض الشلل الرعاش، وقالت إنه يعد أحد الأمراض شائعة الانتشار بين كبار السن، وتبدأ أعراضه السريرية بالظهور بين 40 و60 عاما.
ويرى العلماء أن العامل الوراثي يلعب دورا في نقل المرض لمصابين جدد، كما يستهدف الرجال بنسبة أكبر من النساء، وفقا للإحصاءات الطبية. ويصبح الشخص الذي يتعرض للمواد السامة، كمواد قتل الأعشاب والمبيدات الحشرية، أكثر عرضة للإصابة بالمرض في ظل تعرض الجسم المستمر لتلك المواد.
ويسبب المرض تصلّب العضلات وبطء الحركة والهزات واضطرابات النوم والتعب المزمن وضعف نوعية الحياة ويمكن أن يؤدي إلى إعاقة شديدة. وهو حالة عصبية متقدمة تدمّر الخلايا في جزء المخ الذي تتحكم في الحركة.
ومن المعروف أن المصابين يعانون من نقص في إمدادات الدوبامين لأن الخلايا العصبية التي تسببت في ذلك قد ماتت. ولا يوجد حاليا أي علاج ولا طريقة لإيقاف تقدم المرض ولكن هناك المئات من التجارب العلمية جارية لمحاولة تغيير ذلك. ويذكر أن المرض كان قد أودى بحياة أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي في عام 2016.
ونظرا لأن سبب مرض باركنسون غير معروف، فإن الطرق التي تساعد للوقاية منه لا تزال هي أيضا غامضة.
وقد أظهرت بعض البحوث، وفق موقع مايو كلينك الأميركي، أن ممارسة التمارين الرياضية الهوائية قد تُقلل من خطر مرض باركنسون. كما أظهرت دراسات أخرى أن الأشخاص الذين يتناولون الكافيين، الذي يوجد في القهوة والشاي، قليلا ما يُصابون بمرض باركنسون مقارنة بأولئك الذين لا يشربونه. ومع ذلك لا يزال غير مؤكد ما إذا كان الكافيين يحمي فعلا من الإصابة بداء باركنسون، أم أن الأمر يتعلق بشيء آخر. فلا توجد أدلة كافية حاليا لاقتراح تناول المشروبات الغنية بالكافيين للحماية من المرض.
ويذكر أن تسمية المرض ترتبط باسم الدكتور البريطاني جيمس باركنسون الذي اكتشفه عام 1817.
ما هو السيروتونين
السيروتونين، المعروف أيضا باسم 5 هيدروكسي تريبتامين، هو ناقل عصبي لمادة كيميائية تنقل نبضات العصب بين الخلايا العصبية أو الأعصاب، المعروفة باسم المشبك.
إنه يلعب دورا مهمّا في تنظيم التعلم والمزاج والنوم ويساعد على التحكم في الأوعية الدموية.
كما تم ربط هذا الناقل بالقلق والصداع النصفي والتقيؤ والشهية.
السيروتونين هو المادة الكيميائية التي يمكن أن تعزز مشاعر تدني احترام الذات وكذلك الشعور بعدم الانتماء.
وباعتباره ناقلا عصبيا، فبمجرد وصول الجزيء الأول عبر المشبك، تتوقف الخلية عن قبول أي مواد كيميائية أو إشارات أخرى بمجرد اكتمال العملية، تتم إعادة امتصاص السيروتونين المتبقية في الخلايا العصبية الأصلية.
المواد الكيميائية والأجهزة اللوحية، مثل “بروزاك”، تعالج الاكتئاب عن طريق إيقاف الخلية عن العمل وعدم قبول السيروتونين. وعن طريق الحفاظ على السبل مفتوحة لمرور الناقلات العصبية، يزيد السيروتونين قوة الإشارة ومدتها. وتعزز هذه العملية منسوب السعادة على الأقل من الناحية النظرية.