نجاح المدربين الأجانب في مصر رهين استقرار الأندية والمنتخب

يظل الاستقرار الفني لأيّ ناد في كرة قدم مرتبطا بالثقة التي يمنحها مسؤولو هذا الفريق أو ذاك للمدرب ودرجة الصبر والانتظار لتحقيق النتائج. هذه المقاربة تكاد تنتفي في الدوري المصري الذي عرف على مدار السنوات القليلة الماضية بتواتر عدد المدربين الأجانب الناشطين فيه وتدوير الوجوه سواء بالنسبة إلى قطبي الكرة المصرية (الأهلي والزمالك) أو المنتخب الأول. لكن ما أقدم عليه الأهلي مؤخرا بتجديد عقد مدربه بيتسو موسيماني لموسمين إضافيين مثل تحولا كبيرا، لكنه تحول إيجابي قياسا بالاستقرار الفني الذي عرفه فريق القلعة الحمراء منذ تولي الجنوب أفريقي قيادته الفنية.
القاهرة - يمثل تجديد النادي الأهلي المصري عقد مدربه الجنوب أفريقي بيتسو موسيماني لمدة عامين إضافيين الوحيد لمدير فني أجنبي لفريق كرة القدم منذ عهد البرتغالي مانويل خوسيه قبل أكثر من عشر سنوات، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول قدرة المدربين الأجانب على تحقيق نجاحات مع الأندية والمنتخب الأول في مصر خصوصا مع توافد جنسيات مختلفة على إدارة فرق كرة القدم في البلاد.
وشهدت مرحلة تجديد عقد المدرب الجنوب أفريقي شدا وجذبا بين إدارة الأهلي وموسيماني، وبدا أن الفريق أمام تجربة لا تتكرر كثيرا مع أنه حقق غالبية بطولاته عبر مدربين أجانب، غير أن سمة التغييرات المتتالية ظلت مهيمنة على المدربين جراء عدم قدرتهم على تحقيق جميع أهداف الفريق صاحب الشعبية الكبيرة في مصر.
وأقال فريق الزمالك قبل أيام مدربه الفرنسي باتريس كارتيرون بعد أن حقق بطولة الدوري العام الماضي، لكنه أخفق في بطولة دوري أبطال أفريقيا وتسببت نتائجه المخيبة للآمال في اقتراب الفريق من توديع البطولة العام الجاري ليُعيد الفريق “الأبيض” مدربه البرتغالي السابق جوسفالدو فيريرا الذي قاد أول مباراة مع الفريق الجمعة أمام فريق الوداد البيضاوي المغربي في مسابقة دوري أبطال أفريقيا لكرة القدم.
وقررت إدارة فريق الإسماعيلي أخيرا فسخ تعاقدها مع المدرب الأرجنتيني خوان براون بالتراضي بين الطرفين بعد ثلاثة أشهر من توليه المسؤولية، وخاض معه إحدى عشرة مباراة في بطولات مختلفة عانى فيها الفريق من تراجع كبير في النتائج بالدوري المصري، ولم يحقق أيّ فوز في ست مباريات متتالية.
استقرار الأندية
رغم تعرض رئيس الأهلي لانتقادات بعد اختيار موسيماني لكن الأيام سرعان ما أثبتت صواب رأي الخطيب واختياره
بالنظر إلى تجارب المدربين الأجانب فإن مشكلات فسخ التعاقدات والبقاء لفترات قصيرة وعدم القدرة على الانسجام مع أوضاع الرياضة المصرية سائدة وإن تعددت التجارب، ما يجعل نجاحاتهم تتوقف على مدى استقرار الهيئات والأندية التي تعاني غالبا من مشكلات إدارية تنعكس على نتائج فرق كرة القدم.
وتتفوق المنظومة الإدارية للأهلي على غيرها من منظومات الأندية الأخرى في مصر وتتخطى أحيانا إدارة المنتخب الوطني الأول، ولديه تجارب أجنبية ناجحة على نحو أكبر بفعل البيئة التي توفرها مجالس الإدارات المتعاقبة ودائما ما تكون على علاقة بكرة القدم.
ويرتبط الأمر أيضا بالوضع المادي الذي يكون حاسما في الاستجابة لمطالب المدربين وتحقيق حالة من الاستقرار لعناصر الفريق قد لا تتوفر في أندية أخرى.
ومنذ قدوم موسيماني بدا أن الأهلي يسير بخطوات ثابتة عززها حصد القطب الأول لكرة القدم المصرية للعديد من الألقاب تتقدمها ثنائية دوري أبطال أفريقيا وبرونزيتا كأس العالم للأندية في النسختين الأخيرتين.
وتعاقد الأهلي مع الجنوب أفريقي قبل خمسة عشر شهرا فقط نجح خلالها في إعادة الفريق الأحمر إلى الخارطة القارية بل والعالمية أيضا من بوابة مونديال الأندية بعد غياب سبع سنوات عن منصات التتويج الأفريقية.
وكان التعاقد مع موسيماني اختيارا غير مألوف من جانب رئيس النادي محمود الخطيب الذي قرر الاستعانة لأول مرة بمدرب من بلد أفريقي لتدريب “الأحمر” بعدما كانت المدارس الأوروبية واللاتينية هي المفضلة للنادي.
وكشف الخطيب في تصريح سابق أنه شعر بالقلق بعد رحيل المدرب السابق رينيه فايلر، وقال النجم السباق للأهلي “دوري الأبطال كانت غائبة عنا لمدة سبع سنوات وكنا نرغب في التتويج بها، فتشاورت مع لجنة التخطيط قبل اختيار بديل لفايلر”.
وأوضح رئيس الأهلي أن “خبرات موسيماني الأفريقية جعلته البديل الأنسب لفايلر، ورأيت أنه يحب الأهلي من حديثه معي أثناء رحلة جنوب أفريقيا وقلت حينها لفايلر احذر من هذا الرجل، وطه إسماعيل كان له دور كبير في اختياره”.
اختيار صائب

ورغم تعرض رئيس الأهلي لانتقادات بعد اختيار الجنوب أفريقي لكن سرعان ما أثبتت الأيام صواب رأي الخطيب واختياره الذي كان بمثابة الرهان.
واعترف موسيماني في تصريحات سابقة فقال “قرار الخطيب بالتعاقد معي في ذلك التوقيت لم يكن سهلا فكل الأسماء التي سبقتني هنا كانت كبيرة”.
أيام قليلة كانت فاصلة بين التعاقد مع موسيماني ومعانقة المجد مع الأهلي بعدما نجح في استكمال مشوار الفريق بدوري أبطال أفريقيا وحصد اللقب في النهاية على حساب الزمالك ثم توّج ببطولة كأس مصر.
وأكد الناقد الرياضي محمد الليثي أن الأرقام التي حققها المدرب الجنوب أفريقي في المواجهات الكبيرة هي التي حسمت قرار تجديده مع الأهلي، وأن اتباع إدارته سياسة تقوم على محاسبة المدربين وفقا لما حققوه من نتائج في نهاية الموسم الكروي وليس وفقا لنتائج المباريات منفردة يسهم في نجاح المدربين الأجانب في منظومته بخلاف أندية أخرى تلجأ إلى تغيير المدرب بعد التعثر في أربع أو خمس مباريات.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مشكلات المدربين الأجانب مع الأندية العربية عموما تتعلق بعدم انتهاج سياسات احترافية في إدارة ملف كرة القدم، ودائما ما تكون للجنسيات الأجنبية خطط طويلة المدى والعمل على فكرة التطور التدريجي في الأداء بينما بعض عقود التدريب الموقعة مع هؤلاء تكون لمدة عام أو عامين وقد لا تستمر.
وأشار الليثي إلى أن نوعية المدربين الذين يجري استقطابهم للدوري المصري وغالبا من الدرجة الثالثة أو الثانية باستثناء بعض الأسماء التي تعاقد معها فريقا الأهلي والزمالك مؤخرا ويصنفون كمستوى “ب” مثلما هو الحال بالنسبة إلى الهولندي مارتن يول، والسويسري رينيه فايلر وأخيرا البرتغالي جوسفالدو فيريرا، ولذلك تأتي النتائج مخيبة لعدم كفاءة المدرب وإخفاقه في إحداث تطور على مستوى العوامل البدنية والفنية للاعبين.
وما يدعم هذه الفكرة من وجهة نظر بعض خبراء كرة القدم أن الأمر لا يهمّ فقط الأندية المصرية بل يكاد يكون مماثلا لبعض الأندية العربية الأخرى في منطقة شمال أفريقيا على غرار تونس والجزائر باستثناء الدوريات الخليجية، وهو ما يرجعه المحللون إلى قدرة هذه البطولات على الإنفاق من أجل تحقيق نتائج كبيرة.
إخفاقات ونجاحات

يتفق العديد من النقاد الرياضيين على أن أندية القمة في الدوري المصري (الأهلي والزمالك) أكثر قدرة على الاستفادة من المدربين الأجانب من المنتخب الذي تكون مبارياته على فترات متباعدة ويحتاج فيها اللاعبون إلى قدر من التعامل النفسي والتأقلم واللعب على أوتار الانتماء والوطنية لمنتخبهم عكس الأندية، بالتالي فإن إخفاقات المدربين الأجانب مع المنتخب المصري تفوق كثيرا فشلهم مع الأندية.
ومن بين 23 مدربا أجنبيا تولوا إدارة المنتخب المصري، وآخرهم البرتغالي كارلوس كيروش المدير الفني الحالي للفراعنة، حقق مدربان فقط من الأجانب بطولتي أمم أفريقيا مع منتخب مصر من مجموعة سبع بطولات حصدها، الأولى مع المجري جوزيف تيتكوس عام 1959 وأقيمت في مصر والثانية كانت مع الويلزي مايك سميث في العام 1986 واستضافتها القاهرة أيضا.
وكان فشل المكسيكي خافيير أغيري مع المنتخب المصري في بطولة الأمم الأفريقية التي استضافتها مصر في العام 2019 سببا في تلميح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى عدم الاستعانة بالخبرات الأجنبية في تدريب المنتخبات، قائلا في ذلك الحين “مش هنجيب (لن نستقطب) مدربين أجانب تاني (مرة أخرى)، النتيجة واحدة”، غير أن إخفاقات المصري حسام البدري دفعت إلى الاستعانة بكارلوس كيروش.
مزاج الجماهير
أكد رئيس رابطة النقاد الرياضيين في مصر حسن خلف الله أن نجاح الأجانب في أيّ بلد يتطلب أن يكون المدرب لديه شخصية قوية تسيطر على اللاعبين الذين يفتقرون أحيانا إلى العقلية الاحترافية. فالظروف المواتية لنجاح المدربين تتوفر بشكل أكبر في الأندية مقارنة بالمنتخبات التي تكون تجمعاتها على فترات متباعدة، إلى جانب قرارات الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بعدم السماح بانضمام اللاعبين الدوليين سوى قبل المباريات الودية بثلاثة أيام وتمتد لأسبوع بالنسبة إلى المباريات الرسمية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن سوء اختيار الإدارات المصرية للمدرّبين يعد أحد أسباب الإخفاق في ظل سيطرة وكلاء اللاعبين على سوق الانتقالات، وفي أحيان كثيرة يكون الاختيار نتيجة لأهواء أشخاص بعينهم لهم صلاحية اتخاذ القرار داخل الأندية والمنتخبات، علاوة على عدم توفير الأجواء الصحية التي تساعد المدربين على النجاح، ما يسهم في عدم انسجام العديد منهم مع اللاعبين والإدارات أيضا.
وتؤكد سياسة التدوير التي تظهر واضحة في استعانة بعض الأندية بمدربين وإقالتهم ثم الاستعانة بهم مرة أخرى عدم وجود معايير واضحة في عملية الاختيار، مثل حالة فيريرا في الزمالك الآن وخوسيه في الأهلي من قبل.
كما أن متخذي قرار تحديد الاسم النهائي قد لا يملكون خبرات كافية في ملف كرة القدم ويعطون أولوية للتكيف مع أمزجة الجمهور، ودائما ما يحظى رئيس النادي بسطوة فرض قراراته على الجميع بمفرده أو بالتنسيق مع بعض وكلاء اللاعبين.