نجاحات الدعم السريع تفرض على البرهان الظهور لتهدئة المخاوف

الخرطوم - تفقّد رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول عبد الفتاح البرهان السبت القوات في الخطوط الأمامية بولاية سنار في وسط السودان، في مسعى لتهدئة مخاوف أنصاره بعد الحديث عن تقدم قوات الدعم السريع في منطقة إستراتيجية نحو الشرق.
وقالت القوات المسلحة السودانية، في بيان نشرته على صفحتها بموقع فيسبوك، إن البرهان “يتناول مع القوات وجبة الطعام وسط معنويات عالية وإصرار قوي على تحرير السودان كله”. وكانت معارك دامية بين الجيش وقوات الدعم السريع اندلعت على تخوم ولاية سنار الشمالية، وهو ما أدى إلى حالة من الهلع بين سكان عاصمة الولاية قبل أن تعلن حكومتها المحلية عودة الأوضاع إلى طبيعتها بعد “دحر” قوة حاولت التسلل إلى المدينة عبر مدخلها الغربي.
ونشرت منصات محسوبة على الدعم السريع مقاطع فيديو ومعلومات عن دخول القوات إلى سنار. وتأتي هذه التطورات بعد إعلان قوات الدعم السريع السيطرة على منطقة جبل موية الإستراتيجية الواقعة على الطريق الرابط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض.
غير أن مصادر عسكرية في الجيش السوداني قالت إنهم يحاصرون قوات الدعم السريع التي انتشرت في بعض قرى جبل موية منذ مساء الاثنين الماضي، واحتمت بالمواطنين واستخدمتهم دروعا بشرية ولم يعد أمامهم إلا “الاستسلام أو الفناء”. وكشفت المصادر أن قوات الدعم السريع تستهدف عزل ولايتي سنار والنيل الأبيض مع شرق السودان والموانئ بالبحر الأحمر، وتعقيد مهمة الجيش في السيطرة على ولاية الجزيرة بتعطيل المحور الغربي الزاحف نحو مدينة ود مدني عاصمة الولاية.
وتقع مدينة سنار في الجزء الجنوبي من وسط السودان، وتعتبر حلقة الوصل الرئيسية التي تربط بين عدد من المدن الإستراتيجية في شرق البلاد وغربها وجنوبها لوقوعها على الطريق الرئيسي الرابط بين مدينة سنار وعدد من المدن في ولايتي النيل الأبيض والجزيرة، كما تشكل عمقا مهما لمناطق ولايات كردفان لربطها مع ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.
وأدى تقدم قوات الدعم السريع نحو ولاية سنار في جنوب شرق السودان إلى تراشق بين مؤيديها وبين داعمي قوات الجيش، وتسابق كل طرف لإثبات تفوقه على الآخر عسكريا، وهي واحدة من المعارك التي حظيت بتجاذبات كثيرة، فالاقتراب من سنار يعني أن منطقة شرق السودان التي اتخذها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان مقرا له وتدير منها الحكومة شؤونها، قد تسقط في يد الدعم السريع قريبا.
وأعلنت قوات الدعم السريع فرض سيطرتها على جبل موية في جنوب شرق البلاد، الواقع على الطريق الحيوي بين ولايتي سنار والنيل الأزرق، ودارت معارك عنيفة مع قوات الجيش على أبواب مدينة سنار، تركزت عند منطقة “كبري العرب” على بعد كيلومترات قليلة من المدخل الرئيسي للمدينة.
ويهدف التشويش الذي تقوم به جماعات وشخصيات موالية للجيش إلى التقليل من أهمية التقدم العسكري لقوات الدعم السريع، وينطوي على إنكار للواقع الذي تعيشه عناصره من تشتت وتشرذم في أماكن عديدة، فقد أنكر هؤلاء من قبل سقوط ولاية الجزيرة والسيطرة على ود مدني ووعدوا بتحرير الولاية، لكن شيئا من ذلك لم يحدث حتى الآن.
ويشير الوصول إلى مشارف سنار، من دون السيطرة على الولاية، إلى خلل في توازن القوى بين الجيش والدعم السريع، فالأول لا يتوقف عن إطلاق تصريحات وتهديدات ووعود بلا مضامين حقيقية، بينما الثانية تتقدم بثبات، ولم تدخل منطقة وتخرج منها بسهولة، ما يعزز القناعات بأن وصول قواتها إلى سنار وما حولها يمكن أن يفتح الطريق أمام المزيد من التقدم.
ويعدّ غياب قيادات الجيش الكبيرة عن الاشتباك مع معارك سنار دليلا على الارتباك الذي تعانيه عناصره في الميدان، وأن تعدد المعارك على أكثر من جبهة بدأ يسبب متاعب لها، كما أن ما سمّي بالمقاومة الشعبية والميليشيات الإسلامية التي قيل إنها تدعم الجيش لم تفلح في إنقاذه، وتتعرض لهزائم مضنية أمام تقدم الدعم السريع.
ولن تكون السيطرة على ولاية الجزيرة بداية لانهيار ولايات أخرى في الشرق، فالقضارف وكسلا وبورتسودان، بعيدة عن الدعم السريع إذا استمر القتال بنفس الوتيرة، وهو ما يضاعف من المأزق الميداني الذي يواجهه الجيش.
◙ التشويش الذي تقوم به جماعات وشخصيات موالية للجيش يهدف إلى التقليل من أهمية التقدم العسكري لقوات الدعم السريع وينطوي على إنكار للواقع الذي تعيشه عناصره
وقد سدت تصوراته السياسية المعلنة بعض المنافذ أمام العودة إلى مفاوضات جدة، والتزامه الصمت وعدم التعليق على المبادرة الأفريقية التي طرحت أخيرا وترمي لعقد لقاء بين البرهان وقائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) يوحي بأن المؤسسة العسكرية لا تعرف كيف تقاتل ولا تعرف أيضا كيف تفاوض.
وقال عميد معهد الدراسات الإستراتيجية بجامعة أم درمان صلاح الدين الدومة في تصريح سابق لـ”العرب” إن تقدم الدعم السريع بالقرب من سنار ليس جديداً وإن المحصلة النهائية لخارطة السيطرة الآن بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب تشير إلى سيطرة الدعم على 13 ولاية من بين 18 ولاية، وأن سقوط باقي الولايات قد يكون مسألة وقت.
وتشير قراءة الوضع العسكري بتجرد على الساحة الآن في السودان إلى هذا التقدم في ظل استمرار عناصر الإسلاميين المسيطرين على القرار داخل الجيش والكذب المفرط من قبلهم لوصف ما يدور على أرض الواقع من تطورات عسكرية.
وأضاف الدومة في تصريح لـ”العرب” أن سقوط جبل موية مقدمة عملية لسقوط باقي الولايات، وما تبقى من أجزاء بعض الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش حتى الآن، وأن الحلول باتت تنحصر بين الذهاب إلى مفاوضات جدة أو القبول بالمبادرة الأفريقية أو تفعيل البند السابع من جانب مجلس الأمن الذي يخوّل التدخل العسكري.
ولفت إلى أن الخيار الأول شبه معدوم في ظل رفض الجيش الاعتراف بهزائمه المتتالية واستمراره في الحرب، أما الثاني فلا يزال يكتنفه قدر من الغموض، بينما يبدو أن الثالث سوف يصبح هو الأكثر واقعية في الوقت الحالي.