نتنياهو يلوح بإنهاء مفاوضات غزة ويتهم قطر باللعب على الجانبين

القدس/الدوحة – صعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لهجته تجاه دولة قطر، الشريك المصري في الوساطة الهادفة إلى التوصل لهدنة في غزة وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، متهما إياها بتبني "ازدواجية في الأقوال والأفعال" والتلاعب بالمفاوضات بما يخدم مصالح الحركة الفلسطينية التي تستضيف قياداتها.
وكتب نتنياهو على منصة اكس "حان الوقت لكي تتوقف قطر عن اللعب على الجانبين بحديثها المزدوج وتقرر ما إذا كانت إلى جانب الحضارة أم إلى جانب وحشية حماس".
وأضاف "اسرائيل ستنتصر في هذه الحرب المشروعة بوسائل مشروعة"، في إشارة واضحة إلى وضع حد لأي مفاوضات.
وقد قوبلت هذه التصريحات الإسرائيلية برفض قاطع من الدوحة، حيث وصفها المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، بأنها "تحريضية" وتفتقر إلى "أدنى مستويات المسؤولية السياسية والأخلاقية".
وانتقد الأنصاري بشدة تصوير الصراع في غزة على أنه صراع بين "الحضارة والوحشية"، معتبرا أن هذا الخطاب "يعيد إلى الأذهان خطابات أنظمة عبر التاريخ استخدمت شعارات زائفة لتبرير جرائمها بحق المدنيين الأبرياء".
ويأتي هذا التلاسن العلني في ظل جمود يلف جهود الوسطاء المصريين والقطريين الرامية إلى استعادة وقف إطلاق النار في قطاع غزة. فبينما يتبادل الطرفان الاتهامات بتحمل مسؤولية عدم إحراز تقدم في المفاوضات، لا تبدي إسرائيل ولا حماس أي استعداد للتنازل عن مطالبهما الأساسية.
وتصر إسرائيل، التي تطالب بعودة 59 رهينة لا يزالون محتجزين في غزة، على ضرورة نزع سلاح حماس وإبعادها عن أي دور في حكم القطاع في المستقبل، وهو شرط ترفضه حماس.
من جهتها، تصر حماس على ضرورة وقف القتال نهائيا وانسحاب القوات الإسرائيلية كشرط للتوصل إلى اتفاق يقضي بإطلاق سراح بقية الرهائن.
وتكتنف جهود الوساطة القطرية لإطلاق سراح الرهائن في غزة وإرساء هدنة تساؤلات متزايدة حول مدى حياد الدوحة، وذلك في ضوء عدة عوامل تثير شكوكا حول تعاملها المتوازن في هذا الملف الحساس.
فمنذ عام 2012، تستضيف قطر قيادات سياسية بارزة لحركة حماس في الدوحة، وهو ما يمنحها نفوذا مباشرا وقنوات اتصال مفتوحة مع الحركة التي تسيطر على قطاع غزة.
وقد تعزز هذا الدور مع إقامة رئيس المكتب السياسي السابق لحماس، إسماعيل هنية، في الدوحة حتى اغتياله الغام الماضي، مما يرسخ صورة عن علاقة وثيقة تتجاوز دور الوسيط التقليدي.
وعلاوة على ذلك، تعتبر قطر من أبرز الداعمين الماليين والسياسيين لحركة حماس، وهو دعم مستمر منذ سنوات. وهذا الدعم المالي، الذي يهدف ظاهرياً إلى تخفيف الأوضاع الإنسانية في غزة، يرى فيه البعض نفوذا قطريا يمكن استغلاله في المفاوضات، ويثير تساؤلات حول مدى قدرة الدوحة على الضغط على حماس لتقديم تنازلات حقيقية.
وقد تجسدت هذه الشكوك في اتهامات مباشرة وجهتها إسرائيل وبعض الأطراف الإقليمية لقطر بالتحيز لصالح حماس في المفاوضات.
وتذهب هذه الاتهامات إلى حد الزعم بأن الدوحة تسعى لتحقيق أفضل صفقة ممكنة للحركة، حتى لو كان ذلك على حساب الأسرى الآخرين أو على حساب التوصل إلى حلول جذرية للصراع. وقد عبرت إسرائيل عن استيائها من "اللعب على الجانبين" الذي تمارسه قطر، حيث تظهر في العلن كوسيط نزيه بينما يُنظر إليها في الخفاء على أنها منحازة لحماس.
وتشير تقارير أخرى إلى محاولات قطرية للتأثير على الرأي العام والسياسيين الأميركيين، وهو ما يراه البعض محاولة للضغط على الإدارة الأميركية لدفعها نحو تبني مواقف أكثر تساهلا مع حماس والضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات أكبر.
ورغم الاتهامات المتزايدة، تصر قطر على أنها تقوم بدور الوسيط بنزاهة ومسؤولية، مؤكدة أن استضافتها لقيادات حماس تهدف فقط إلى تسهيل عملية التواصل وإيجاد حلول عملية للأزمة الإنسانية والأمنية في قطاع غزة.
وتنفي الدوحة بشدة أي محاولة لعرقلة المفاوضات أو التحيز لطرف دون آخر، مشددة على التزامها بتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
وفي معرض دفاعه عن دور بلاده، تساءل الأنصاري في منشوره على منصة إكس "عما إذا كان إطلاق سراح 138 رهينة قد تحقق من خلال العمليات العسكرية أم من خلال جهود الوساطة، التي قال إنها "تُنتقد اليوم وتُستهدف ظلما".
وأشار أيضا إلى الوضع الإنساني المتردي في غزة قائلا إن الشعب الفلسطيني هناك "يعاني من حصار خانق وتجويع ممنهج وحرمان من الدواء والمأوى إلى استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح للضغط والابتزاز السياسي".
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية الجمعة أن مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي وافق على خطط لعملية موسعة في قطاع غزة، مما يزيد من المؤشرات على عدم إحراز أي تقدم في المحاولات الرامية لوقف القتال وإعادة الرهائن المحتجزين لدى حماس.
وبدأت اسرائيل باستدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط استعدادا لتوسيع هجومها في قطاع غزة، بحسب ما نقلت وسائل إعلام اسرائيلية مساء السبت.
ولم يؤكد متحدث عسكري اتصلت به وكالة فرانس برس هذه المعلومات أو ينفها.
وكان الجيش الإسرائيلي استأنف هجومه على قطاع غزة في 18 مارس، منهيا هدنة استمرت شهرين مع حماس في الحرب التي اندلعت ردا على هجوم غير مسبوق شنته الحركة الإسلامية الفلسطينية على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.
وتقول حكومة نتنياهو إن الضغط العسكري هو السبيل الوحيد لإجبار حماس على إطلاق سراح الرهائن.
لكن منتدى عائلات الرهائن، المنظمة الإسرائيلية الرئيسية لأقارب المحتجزين، حذّر من أن "أي تصعيد للقتال من شأنه أن يعرّض الرهائن (...) لخطر مباشر".
وأضاف المنتدى في بيان "بالنسبة للغالبية العظمى من الإسرائيليين فإن عودة الرهائن هي أولوية أخلاقية قصوى للدولة"، معتبرا أنه لا يزال من الممكن "التوصل إلى اتفاق من شأنه انقاذ الأرواح ومنع المزيد من الخسائر البشرية".
أتاحت الهدنة في قطاع غزة الإفراج عن 33 رهينة، من بينهم ثمانية فارقوا الحياة، مقابل إطلاق سراح نحو 1800 فلسطيني تحتجزهم إسرائيل.
ومنذ 18 مارس، يقصف الجيش الاسرائيلي قطاع غزة يوميا، وقد استعاد السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي التي كان قد انسحب منها.
وبعد التحسن الذي طرأ خلال الهدنة، أصبح الوضع الإنساني لنحو 2.4 مليون فلسطيني في القطاع خطيراً مرة أخرى.
وبدأ الجيش الاسرائيلي بإرسال أوامر تعبئة الى عناصر الاحتياط، تمهيدا لاستدعاء عشرات الآلاف منهم بهدف توسيع نطاق هجومه على حماس في قطاع غزة، بحسب مراسلين عسكريين لوسائل إعلامية اسرائيلية عدة.
وأوردت المعلومات التي نقلها أيضا العديد من المراسلين العسكريين، بينهم مراسل إذاعة الجيش، أنه سيتم إرسال هؤلاء للحلول محل جنود ينتشرون في انحاء البلاد وفي الضفة الغربية المحتلة، بحيث يتاح إرسال هؤلاء الجنود للقتال في قطاع غزة.
وقد تلقى أقارب صحافيين في وكالة فرانس برس أمر تعبئة (تساف 8).
وبحسب التلفزيون الاسرائيلي الرسمي، من المقرر أن يجتمع مجلس الوزراء الأمني لإسرائيل الأحد لبحث الموافقة على توسيع الهجوم العسكري على غزة.
وأسفر هجوم حماس عن مقتل 1218 شخصا على الجانب الإسرائيلي، معظمهم مدنيون، بحسب حصيلة تستند إلى أرقام رسمية. ومن بين 251 شخصا اختُطفوا في ذلك اليوم، لا يزال 58 شخصا محتجزين في غزة، بينهم 34 شخصا أعلن الجيش الإسرائيلي مقتلهم.
وردا على ذلك، تعهدت إسرائيل القضاء على حماس التي تسلّمت السلطة في غزة في عام 2007، وشنت حملة جوية ضخمة وهجوما بريا، ما تسبب بدمار واسع في القطاع الضيق وأسفر عن مقتل 52495 شخصا على الأقل، معظمهم من المدنيين، وفقا لأرقام من وزارة الصحة في حماس تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.
وجاء نبأ استدعاء جنود الاحتياط بعد أن نشرت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت مقطع فيديو يظهر رجلا ممددا وقد لف رأسه وذراعه اليسرى بضمادات مع بقع بنّية عليها.
ويظهر الرجل في الفيديو، متحدثا باللغة العبرية بلكنة روسية، ويقدم نفسه على أنه "السجين الرقم 24"، ويلمح إلى أنه أصيب في قصف إسرائيلي.
وحددت وكالة فرانس برس، ومعها معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية، هوية الرهينة على أنه مكسيم هيركين الذي يتم نهاية هذا الشهر عامه السابع والثلاثين، ولكن من دون أن تتوافر وسائل للتحقق من حاله الصحية.
ونشرت عائلته بيانا طلبت فيه من وسائل الإعلام عدم عرض فيديو حماس.
ومساء السبت، تجمع آلاف الإسرائيليين مجددا حاملين صور الرهائن في تل أبيب للمطالبة بأن تتخذ حكومتهم إجراءات لتأمين إطلاق سراحهم.
وقالت أرونا ماسكيل البالغة 64 عاما لوكالة فرانس برس "نحن هنا لأننا نريد أن يعود الرهائن إلى الوطن، ولا نعتقد أن الحرب في غزة اليوم لا يزال لها أي مبرر".
وقال الناطق باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل لوكالة فرانس برس إن 11 فلسطينيا قتلوا فجر السبت في "قصف منزل عائلة البيرم في خان يونس (جنوب)".
وأشار إلى أن من بين القتلى الثمانية الذين حُددت هويتهم، وجميعهم من عائلة واحدة، فتاة وطفلا يبلغان عاما واحدا، بالإضافة إلى طفل رضيع لم يتخطَّ عمره الشهر.
وأكد الجيش الإسرائيلي الغارة، قائلا إنها استهدفت "إرهابيا من حماس"، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
واستخدم عناصر إنقاذ ومدنيون مصابيح يدوية للبحث بين الأنقاض لانتشال الضحايا، بحسب لقطات وثّقها مصورو وكالة فرانس برس. وقد غادر أحدهم حاملا جثة طفل صغير.
وتحاصر إسرائيل نحو 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة، وتمنع منذ الثاني من مارس دخول أي مساعدات إنسانية ترتدي أهمية حيوية بالنسبة للسكان الذين يعانون وضعا إنسانيا كارثيا ويواجهون خطر المجاعة بحسب الأمم المتحدة.