نتنياهو يتجنب استدراجه لفخ غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم الليكود بنيامين نتنياهو نجح على ما يبدو في تجنب سيناريو حرب لم يكن يريده في قطاع غزة، رغم الضغوط المكثفة لخصومه، والتي على ما يبدو باتت تأتي بنتائج عكسية وهو ما ترجمته استطلاعات الرأي الأخيرة.
غزة - يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محاولات خصومه الدفع به لشن عملية عسكرية في قطاع غزة، لإدراكه بأن الهدف الأساسي من قبل هؤلاء ليس “معاقبة” حركة حماس بقدر ماهو الزج به في معركة لا يمكن التكهن بمآلاتها، وهو الذي يستعد لاستحقاق انتخابي مصيري لم يعد يفصل عنه سوى أيام قليلة.
ويحاول نتنياهو المناورة لتفادي سيناريو حرب في غزة عبر توجيه التهديدات المتكررة للتسويق الداخلي وإرضاء قاعدته اليمينية من جهة، وسعيه خلف الكواليس لاتفاق تهدئة مع القطاع في ظل عدم رغبة الفصائل الفلسطينية أيضا في تصعيد الوضع من جهة ثانية.
وتلعب كل من مصر والأمم المتحدة دور الوساطة بين حكومة نتنياهو والفصائل الفلسطينية، ويرى مراقبون أن التقدم المسجل حاليا لا يعود فقط إلى الوسيطين بل الأساس إلى رغبة كلا طرفي الصراع في تفادي خوض قتال.
وترجم التقدم في المفاوضات في تخفيف إسرائيل الاثنين القيود المفروضة على الصيادين قبالة القطاع المحاصر بتوسيع مساحة الصيد لـ15 ميلا بحريا في البحر الأبيض المتوسط، وهي أكبر مساحة تسمح إسرائيل بالوصول إليها منذ سنوات.
وقالت وحدة وزارة الدفاع الإسرائيلية التي تشرف على المعابر “تم توسيع منطقة الصيد في قطاع غزة إلى حد أقصى يبلغ 15 ميلا بحريا” (28 كيلو مترا).
وصرح مسؤول في حركة حماس بالقول إن “توسيع مساحة الصيد هو من الخطوات الأولى التي يتم تنفيذها من جانب الاحتلال في إطار التفاهمات التي توصل إليها الوفد الأمني المصري”.
وأضاف “نتوقع وصول الوفد خلال يومين لإطلاعنا على نتائج مناقشاته مع الاحتلال للجداول الزمنية لتطبيق التفاهمات”.
توسيع مساحة الصيد هي من الخطوات الأولى التي يتم تنفيذها في إطار التفاهمات التي تم التوصل إليها
وسبق خطوة توسيع مساحة الصيد للغزيين، فتح معبر كرم أبوسالم التجاري الذي كانت أغلقته إسرائيل الأسبوع الماضي على خلفية التوتر الذي جرى عقب إطلاق صاروخ من جنوب القطاع استهدف تل أبيب وأدى إلى إصابة 7 إسرائيليين بجروح متفاوتة.
ويرى البعض أن استجابة إسرائيل لمطالب الفصائل الفلسطينية لا يمكن ربط دوافعها فقط برغبة نتنياهو في تجنب الحرب قبيل الانتخابات العامة، بل إن هناك توجها إسرائيليا مخططا له لتخفيف وطأة الحصار على القطاع، وذلك في سياق تهيئة الأرضية لخطة السلام الأميركية أو “صفقة القرن” كما يحلو للكثيرين تسميتها، ويشير هؤلاء إلى أن الانتخابات سرعت في الاستجابة لمطالب تحسين وضع سكان غزة، بيد أنه لا يمكن اعتبار أن الاستحقاق هو السبب الجوهري.
وسبق وأن وضع نتنياهو في اختبار صعب بين المجازفة بالقيام بعملية عسكرية أو الركون للتهدئة، ليفضل الخيار الأخير على غرار ما حدث في نوفمبر الماضي، حينما رفض الضغوط التي تطالبه بشن حرب شاملة في القطاع على خلفية إطلاق الفصائل لأكثر من 400 صاروخ.
وأدى موقف نتنياهو آنذاك إلى تقديم وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان استقالته والانسحاب من الائتلاف الحكومي في 14 نوفمبر.
ويرى مراقبون أنه بدا واضحا لخصوم نتنياهو في الانتخابات أن الأخير لن ينجر لصدام مع الفصائل الفلسطينية بيد أنهم يأملون في أن يؤدي هذا الضغط إلى التأثير على الأقل على الرأي العام المحلي، وحتى هذا الأمر بات مشكوكا فيه في ضوء استطلاعات الرأي الأخيرة.
واتهم وزير التعليم وزعيم حزب “اليمين الجديد”، نفتالي بينيت، إسرائيل، قاصدا نتنياهو، بالتخلي عن مستوطني الجنوب (المستوطنات المتاخمة للقطاع).
وقال بينيت في مقطع مصور نشره عبر حسابه على تويتر إنه عندما يصبح وزيرا للدفاع، لن يتم التعامل مع سكان الجنوب (المستوطنين) على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية. كما طالب، نتنياهو، بعقد اجتماع للكابنيت لإصدار قرار بالقضاء على حركة حماس في القطاع.
وهاجم ليبرمان، نتنياهو أيضا، ووصف في مقطع فيديو دعائي نشره على حسابه بموقع تويتر وقف إطلاق النار (غير المتفق عليه رسميا، لكنه تحقق عمليا إثر التصعيد الأخير مع الفصائل الفلسطينية في غزة) بأنه “ليس إلا تدميرا تاما لقدرات الردع الإسرائيلية، واستسلاما للإرهاب”.
ويقول المحلل في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، “إن نتنياهو يفضل التعرض لانتقادات منافسيه، التي تظهر استطلاعات عدم تأثيرها عليه بشكل سلبي، على المخاطرة بخوض حرب في غزة، لا يعلم نتائجها”.

واعتبر منصور أن التعزيزات العسكرية الحالية مرتبطة بالمسيرات الفلسطينية المخطط لها، السبت، لإحياء الذكرى السنوية الأولى لانطلاق مسيرات العودة في غزة، والذكرى الثالثة والأربعين لـ”يوم الأرض”.
وأضاف المحلل “تحسبا لأي تطور على خلفية المواجهات، يُبقي نتنياهو احتمالية التصعيد الذي قد يتحول إلى مواجهة عسكرية قائمة، ويستعد له، لكنه في الوقت نفسه، يبذل جهده من أجل تجنبه”.
وأظهر استطلاع نشرت نتائجه القناة الإسرائيلية الثانية عشرة، الاثنين، مؤشرات عن انقلاب في مواقف الرأي العام لصالح حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، وارتفاع عدد المقاعد التي سيحصل عليها، مقابل تراجع قوة تحالف “أبيض أزرق” برئاسة الجنرال بيني غانتس.
وهذه المرة الأولى منذ أسابيع التي يحصل فيها الليكود على 31 مقعدا، مقابل 30 مقعدا لتحالف الجنرال غانتس، الذي كان يتفوق على الليكود بمقعدين إلى 3 مقاعد.
ويشير الاستطلاع إلى تعزّز معسكر اليمين المؤيد لائتلاف حكومي برئاسة نتنياهو، ليصل إلى 66 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست.
ويأتي هذا الاستطلاع قبل أسبوع فقط من الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها الثلاثاء المقبل.
وجاء نشر الاستطلاع بعد أن كشف تحقيق مشترك لـ“يديعوت أحرونوت” و“نيويورك تايمز” الأميركية، نشر الاثنين أيضا، أن الليكود شكل جيشا من الذباب الإلكتروني قام بتفعيله في الانتخابات وبث أكثر من 130 ألف رسالة إلى نحو 2.5 مليون إسرائيلي.