نتفليكس تقوّض أركان صناعة الأفلام التقليدية

أوجدت منصة نتفليكس لنفسها مكانا في أوساط السينما الأميركية وسحبت اعتراف هوليوود بأفلامها ونالت جوائز عديدة رغم العدد القياسي من الأعمال المتنافسة على جوائز أوسكار، بينما تخشى الشركات المنتجة التقليدية من النمو الهائل لنتفليكس.
نيويورك - دخلت نتفليكس قطاع السينما من بابه الواسع وفرضت نفسها على المهرجانات العالمية في العواصم الكبرى، وحصدت عددا كبيرا من الجوائز مقابل القليل من التنازلات بعروض محدودة في الصالات التقليدية. لكن نهج هذه المجموعة لا يزال يثير الانقسامات والانتقادات.
واعترفت هوليوود للمرّة الأولى بمكانة نتفليكس في قطاع السينما مع حصد المنصة 15 ترشيحا لجوائز أوسكار منها ترشيح “روما” في الفئة الرئيسية لأفضل فيلم.
وبالإضافة إلى العدد القياسي من الأعمال المتنافسة على جوائز أوسكار التي تولّت نتفليكس إنتاجها، انضمت المجموعة الثلاثاء إلى الجمعية الأميركية النافذة للسينما “أم. بي.أي.أي”، في خطوة جديدة تدلّ على الموقع الذي احتلّته في هذا القطاع.
وبالرغم من هذا الاعتراف، لم تشرع هوليوود بعد أبوابها لنتفليكس التي لقيت استحسانا في مهرجاني تورنتو (8 أفلام مرشحة) والبندقية حيث نال “روما” جائزة الأسد الذهبي.
وإثر الإعلان عن الترشيحات الثلاثاء، كشفت شركتا “أيه.أم.سي” و“ريغال” لدور السينما اللتين تهيمنان على السوق بلا منازع أنهما لن تعرضا “روما” في إطار البرنامج الخاص بحفل أوسكار.
وأوضحت “أيه.أم.سي” أنه لم يتسن لها عرض “روما” عند صدوره لأن نتفليكس لم تمنحها رخصة لهذا الغرض، وهي قررت بالتالي الإحجام عن عرضه.
وفي الإجمال، بُثّ “روما” في 900 صالة سينما في العالم، ليصبح الفيلم الأكثر عرضا في الصالات من إنتاج نتفليكس، حتى لو لم تكشف المجموعة عن عائداته على شباك التذاكر.
واكتفت المجموعة بالقول في رسالة إلى المستثمرين “الناس يعشقون الأفلام.. سواء أكان في منازلهم أم في قاعات العرض”.
نتفليكس بذلت جهودا للامتثال لقواعد السينما التقليدية إلا أنها لم تقم سوى بتكييفات بسيطة لم تؤثر على نموذجها
ولم تكتف نتفليكس بعرض فيلمها الأخير في الصالات لتمتثل للمعايير المعمول بها في القطاع، بل إنها أطلقت حملة تسويق واسعة النطاق، بحسب ما أفاد موقع “فاست كومباني”، تضمنت عرض مقتطفات إعلانية من عملها هذا على المحطات التقليدية.
وكانت المجموعة قد وسّعت منذ زمن طويل نطاق إنتاجاتها التي لم تعد تقتصر على المسلسلات، وباتت تستعين بخدمات كبار المخرجين، من أمثال كوارون وسكورسيزي وسودربرغ والأخوين كوين، مستقطبة عددا متزايدا من نجوم هوليوود.
وصحيح أن نتفليكس بذلت جهودا إضافية للامتثال لقواعد اللعبة في قطاع السينما التقليدي، إلا أنها لم تقم سوى بتكييفات بسيطة لم تؤثر بتاتا على نموذجها الاقتصادي.
وهي لم تنتظر مثلا سوى ثلاثة أسابيع بعد بدء عرض “روما” في صالات السينما لتطرح عملها هذا على المنصّة، أي أنها لم تحترم القواعد التي تفرضها شركات تشغيل قاعات السينما مع مهلة تحدّدها بتسعين يوما قبل عرض العمل مجددا.
وحتّى في أوساط الأكاديمية الأميركية لفنون السينما وعلومها القيّمة على جوائز أوسكار، لا تزال نسبة كبيرة من الأعضاء تعتبر أن التصويت لصالح فيلم روما، يصبّ في مصلحة نتفليكس، بحسب ما كشفت نيكول لابورت من موقع “فاست كومباني” المتخصص في هذا المجال.
وهي توضح “بمعنى آخر، هو التصويت لصالح شركة يقوّض نموذجها للبثّ التدفقي أركان صناعة الأفلام التقليدية”.
وأشار أسواث داموداران، الأستاذ المحاضر في كلية ستيرن للأعمال التابعة لجامعة نيويورك والقائم على أبحاث حول نموذج نتفليكس إلى أن هذه الأخيرة “لا تريد الالتحاق بركب شركات السينما بل بقطاع الاشتراكات”، موضحا أنها “ترفع الأسعار في مجال الإنتاج والمحتويات وتدفع باللاعبين الآخرين خارجا”.
وبحسب محللين، فقد تنفق المجموعة 15 مليار دولار على إنتاجات العام 2019، أي أكثر بكثير من كلّ ما أنفقته أستوديوهات هوليوود.
ولم يخف داموداران قلقه “من هذا النموذج الاقتصادي بسبب المبالغ الطائلة المخصصة للمحتويات”، مؤكدا أن مستقبل الشركة ليس في خطر بل المسألة تقضي بمعرفة “كيفية حفاظها على هذا الزخم الإنتاجي”.
وإلى جانب الإنفاق الكبير على الأعمال السينمائية والدراما، تقدم نتفليكس خدمات مبتكرة لمستخدميها، حيث تعمل على تغيير الطريقة التي نشاهد بها التلفزيون، وقدمت طريقة جديدة تماما لمشاهدة المحتوى أطلقت عليها اسم “التلفزيون التفاعلي”.
وعرض موقع نتفليكس مؤخرا، فيلما يحدد المشاهد مسار أحداثه، كما يضع نهاية الفيلم بنفسه بعدد من النقرات على اختيارات ظهرت أثناء المشاهدة. ويحمل الفيلم اسم “بلاك ميرور: باندرسناتش”، وتدور أحداثه في الثمانينات، ويروي قصة شاب عينته شركة تكنولوجية لتحويل رواية خيالية إلى لعبة فيديو.
ويستطيع المشاهد اتخاذ قرارات الشخصية الرئيسية في الفيلم، بالضغط على عدة خيارات ستظهر في مواقف محددة أثناء الفيلم.
ووفق ما ذكر موقع “بي.بي.سي”، فإن الاحتمالات المعقدة تمنح تريليون قصة مختلفة في الفيلم، ممكن أن تتكون وفقا لكل مستخدم.
وقالت شركة نتفليكس إن الطريقة التفاعلية للفيلم تعمل على جميع أجهزة التلفزيون الحديثة التي تملك تطبيق نتفليكس، وكذلك على أغلب الكمبيوترات وأجهزة الألعاب مثل “بلاي ستيشن”.
ويذكر أن عروض من أمثال “بيرد بوكس”، ساعدت شركة نتفليكس في الخروج من عام 2018 بأكثر من 139 مليون مشترك، مضيفة 8.8 مليون عضو في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2018.
وأرفقت نتفليكس بيان نتائجها السنوية بأرقام مفصلّة عن قاعدة مشتركيها أظهرت أن “بيرد بوكس” الذي تؤدي بطولته ساندرا بولوك الحائزة على جائزة أوسكار قد شوهد من قبل 80 مليون أسرة، أي 58 بالمئة من إجمالي المشتركين في خدمتها.
وقالت نتفليكس إن النمو جاء انعكاسا لنجاح برامجها الأصلية. ويقول إداريون إن مواد نتفليكس الأصلية تمثل الآن “الغالبية العظمى” من أكثر عروضها شعبية.
وأضاف “مشاهدو التلفزيون في الولايات المتحدة أيضا ينفقون حوالي 10 بالمئة من وقتهم على نتفليكس”.