"نتفليكس" تطلق أول مسلسل مقتبس من رواية "مئة عام من العزلة"

المسلسل أحد أكثر المشاريع السمعية والبصرية طموحا في تاريخ أميركا اللاتينية.
الجمعة 2024/04/19
سيرة عائلة وأشهر قرية خيالية في العالم

رواية “مئة عام من العزلة” تحفة فنية وأهم ما أنتجه الأدب اللاتيني، وقد صنعت مجد كاتبها الراحل غابرييل غارسيا ماركيز، مكرسة اسمه واحدا من أعظم الأدباء. وإن تهافت المنتجون والمخرجون على الكاتب لاقتباس روايته فإنه كان يرفض مشترطا تقديمها باللغة الإسبانية ومتعللا بصعوبة تحويلها إلى صورة، إلى أن نجحت نتفليكس في شراء حقوقها لتطلق مسلسلا ينتظر الجميع عرضه.

بوغوتا - تعرض منصة نتفليكس هذه السنة مسلسلا مقتبسا من رواية “مئة عام من العزلة” للكاتب الكولومبي الحائز على جائزة نوبل غابرييل غارسيا ماركيز بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لوفاته التي حلّت الأربعاء السابع عشر من أبريل.

وأوردت منصة البث التدفقي عبر شبكة إكس إعلانا جاء فيه “في مدينة ماكوندو الأسطورية، تواجه عائلة بوينديا حبا مستحيلا وماضيها ولعنة تدينها. يصل المسلسل ‘مئة عام من العزلة’ المقتبس من تحفة غابرييل غارسيا ماركيز إلى نتفليكس هذه السنة”.

رواية صعبة التضاريس

رواية ماركيز توفر مساحات تصويرية مهمة يمكن للمخرجين الاعتماد عليها لكنها من ناحية أخرى صعبة التفاصيل
رواية ماركيز توفر مساحات تصويرية مهمة يمكن للمخرجين الاعتماد عليها لكنها من ناحية أخرى صعبة التفاصيل

لم تحدد نتفليكس موعدا لعرض المسلسل في هذا الإعلان القصير الذي يتزامن مع الذكرى العاشرة لوفاة الكاتب الكولومبي في مقر إقامته بالمكسيك. وكان قد أُعلن عن الاقتباس التلفزيوني عام 2019، لكن المشاهد الأولى لم تُعرض إلا اليوم.

ونُشرت رواية “مئة عام من العزلة” في الثلاثين من مايو 1967، وتتناول في عشرين فصلا قصة قرية ماكوندو المستوحاة من قرية المؤلف الأصلية في شمال كولومبيا، وعائلة بوينديا على مدى سبعة أجيال، مازجة بين الخيال والواقع مرسخة أسلوبا أدبيا سينال انتشارا واسعا في شتى أنحاء العالم هو “الواقعية السحرية” وقلب عالم الأدب بشكل جذري مستفيدا من الإرث السردي العالمي وخاصة منه العربي القديم.

وتنتقل العائلة، التي تتابع الرواية حياة أفرادها ومن يتقاطعون معهم، من حالة براءة الطفولة مرورا بكل مراحل الرجولة والأنوثة والانحطاط، حتى تجرف ريح قوية في نهاية الرواية آخر فرد من أفراد العائلة بسبب خطيئة زواج غير مرغوب فيه.

وقد عالج ماركيز القصة معالجة ساخرة، مع وجود بعض التلميحات الهزلية التي تتراوح بين العطف والقسوة. ويقول النقّاد عن الرواية “إن ماكوندو قرية وهمية أنتجتها مخيلة ماركيز، لكنها في الحقيقة ليست سوى تعبير عن أي بقعة من بقع كولومبيا، أو أميركا اللاتينية، أو أي بقعة من بقاع العالم الثالث، وهي رمز لأي جماعة صغيرة واقعة تحت رحمة قوى تاريخية خارج نطاق سيطرتها وفهمها وإدراكها”. وطُبعت من الرواية في البداية ثمانية آلاف نسخة، ترجمت إلى 46 لغة وبيعت منها نحو 50 مليون نسخة في مختلف أنحاء العالم.

وتمثل الرواية التي نالت شهرة عالمية كبيرة انعكاسا للواقع السياسي والاجتماعي والتاريخي في أميركا اللاتينية، وخصوصا بلاد الكاتب، كولومبيا، وقد أثبت الواقع والتاريخ، وكذلك التفاعل الوجداني مع الرواية أن “ماكوندو”، هذه البلدة المتخيلة، تشبه شعوب العالم الثالث إلى حد التماهي، وهو ما يبشر بالإقبال الكبير الذي سيحظى به العمل الدرامي حتى خارج أميركا اللاتينية.

وتكاد لا تنفصل عوالم ماركيز التي نسجها في روايته عن عالمه الخاص المغلّف بالسحر، والذي يتصل فيه الخيال بالواقع إلى أن يشكل هوية مكان وأحداث وشخصيات لا يمكن للقارئ أن يشكك في حقيقة وجودها.

ليست لـ”مئة عام من العزلة” قصة واحدة وواضحة، تُروى أو تلخص أو تُختصر، فهي مجموعة خيوط تتشابك، وتتلون، وتنمو، وتطول وتقصر لتشكل نسيجا روائيا فاتنا، لكنها لا تنهك مقتفي أثرها إلا بالمزيد من الإمتاع، ذلك أن نسّاجها، ماركيز، يتدخل في اللحظة المناسبة مثل ساحر حقيقي، ليفك لغزا أو يزيد من الأمر التباسا وغرابة في بناء سردي يحبس الأنفاس ويخطف الألباب.

ومع هذه الرواية تكرست تجربة غابرييل غارسيا ماركيز، المولود في مدينة أراكاتاكا عام 1927 والذي بدأ حياته المهنية كصحافي في مدينة كارتاهينا الكاريبية، رمزا للواقعية السحرية في أميركا اللاتينية، وهي الحركة التي أحدثت ثورة في أدب اللغة الإسبانية في القرن العشرين.

رهان صعب

للل

توفر الرواية مساحات تصويرية مهمة يمكن للمخرجين الاعتماد عليها في اقتباسها إلى عمل درامي، لكنها من ناحية أخرى صعبة التضاريس إذ ليست قصة تقليدية بالمرة، وهو ما يجعل من إنتاجها وتجسديها تحديا كبيرا. وكان الكاتب يعارض دائما تحويل تحفته الفنية إلى عمل للتلفزيون أو السينما، إذ كان يرى أنه لن يكون معبرا بأمانة عن روحية الكتاب.

وبعد رحيله حظي المسلسل بمباركة ورثة حقوق الكاتب الراحل، وتولت إخراجه الكولومبية لورا مورا الحائزة على جائزة “الصدفة الذهبية” في مهرجان سان سيباستيان السينمائي عام 2022، والأرجنتيني أليكس غارسيا لوبيز.

ووصفت نتفليكس مسلسل “مئة عام من العزلة” بأنه “أحد أكثر المشاريع السمعية والبصرية طموحا في تاريخ أميركا اللاتينية”، مشيرة إلى أن “أفضل الفنانين والفنيين من كولومبيا وبلدان أخرى” شاركوا في تنفيذه، و”صوّر بالكامل بالإسبانية وفي كولومبيا، وبدعم من عائلة غابرييل غارسيا ماركيز”.

وحصلت نتفليكس على حقوق تحويل الرواية إلى الشاشات منذ سنة 2019، وقالت في بيان سابق لها، إن ابني الكاتب الكولومبي الراحل رودريغو غارسيا وغونزالو غارسيا بارتشا “سيعملان كمنتجين تنفيذيين في المسلسل الذي سيصوّر بشكل أساسي في كولومبيا”.

وقال رودريغو غارسيا بدوره في تصريح سابق “والدنا كان مترددا في بيع الحقوق لسنوات طويلة حيث يعتبر أنه لا يمكن تحويل رواية إلى عمل سينمائي ضمن القيود الزمنية لفيلم روائي طويل، أو أن إنتاجه بلغة غير إسبانية لن يفي حق الرواية، أما في ‘العصر الذهبي’ الراهن للمسلسلات التلفزيونية ومع تطور الكتابة وجودة الإخراج، وتقبل الجماهير في كافة أنحاء العالم للبرامج بلغات أجنبية، فإن التوقيت مناسب جدا لإنتاجه”.

عشاق الأدب اللاتيني ينتظرون عرض المسلسل المقتبس عن الرواية والذي لم تحدد “نتفليكس” موعدا لعرضه هذا العام
عشاق الأدب اللاتيني ينتظرون عرض المسلسل المقتبس عن الرواية والذي لم تحدد “نتفليكس” موعدا لعرضه هذا العام

وأضاف ابن الروائي أن والده تلقى العديد من العروض على مر السنين لتحويل الكتاب إلى عمل سينمائي، لكنه كان يرفض العروض خوفا من ظلم الرواية وعدم القدرة على ترجمتها بصريا في فيلم أو حتى اثنين، رغم أن العديد من كتبه الأقصر قد تم تحويلها إلى أفلام. سبب آخر كان يكمن وراء رفض العروض الكثيرة هو التزام ماركيز برواية القصة باللغة الإسبانية حصرا لذا كانت الكثير من العروض غير قابلة للبحث حتى.

وتابع “كنت أسمع النقاش حول بيع حقوق ‘مئة عام من العزلة’ من عدمه منذ أن كنت في الثامنة من عمري. لم يكن قرارا بسيطا بالنسبة إلينا. يبدو الأمر وكأن فصلا عظيما قد بدأ وأغلق معه فصل طويل مضى”.

ويبين سبب الموافقة على بيع حقوق العمل بأنه “خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، حققت المسلسلات قفزة كبيرة في المستوى والمكانة، وكانت نتفليكس من أوائل الذين أثبتوا أن الناس باتوا اليوم أكثر استعدادا من أي وقت مضى لرؤية سلسلة يتم إنتاجها بلغات أجنبية مع ترجمة. كل هذا كان يبدو مشكلة لم تعد موجودة”.

وينتظر عشاق الأدب اللاتيني المسلسل الجديد الذي يبدو تحديا في العمل على رواية أيقونية رافقت أجيالا متعاقبة من القراء والأدباء في شتى أرجاء الأرض، وهو ما يضع منتجيه أمام رهان صعب.

13