نتفليكس تحجز مكانها في السوق العربية بإنتاج مخصص لجمهورها

شركة نتفليكس تدرك أهمية الاستثمار في السوق العربية وحجم الإيرادات التي يمكن أن تجنيها بفضل الجمهور العريض، فتوجهت له بمحتوى خاص يلبي اهتماماته، مستفيدة من الاستياء العام من القنوات العربية وخصوصا المصرية المتخمة بالإعلانات.
السبت 2018/07/21
بطء الإنترنت مشكلة تواجه نتفليكس في مصر

محمـد حماد وأيمن محمود

القاهرة - “شاهد أينما كنت.. ألغ وقتما تشاء.. اشترك لمدة شهر مجانا”، هذا ما يطالعه أيُّ زائر في الصفحة الرئيسية لموقع شركة نتفليكس الأميركية، المختصة في عرض المحتوى المرئي الترفيهي عبر شبكة الإنترنت، والتي صعد نجمها في السنوات الأخيرة، لتدخل السوق العربية بإنتاجات مخصصة لها.

وجاء اقتحام نتفليكس بقوة للسوق العربية، في مارس الماضي، بإنتاج برنامج “لايف من بيروت”، وقدمه الفنان اللبناني عادل كرم، الذي وصف إنتاج هذا البرنامج بالخطوة الذكية، مشيدا بنتفليكس باعتبارها أكثر منصة متحررة في تقديم كل أنواع الترفيه، وتراعي جودة المحتوى ووجهات نظر المشاهدين المختلفة.

وتستعد نتفليكس لإطلاق أول إنتاج عربي لها خلال الربع الأخير من العام الحالي وهو مسلسل “جن” التشويقي الخيالي الذي تدور أحداثه حول مراهقين يكتشفون جنيا في مدينة البتراء الأردنية القديمة عبر ست حلقات. ويعد “جن” ثاني إنتاج خالص للشركة بعد فيلم “مادباوند” الذي يجسد صراع العنصرية بولاية مسيسيبي.

عمرو علوبة: التعاملات النقدية تعيق التوسع في انتشار تطبيقات الترفيه
عمرو علوبة: التعاملات النقدية تعيق التوسع في انتشار تطبيقات الترفيه

ويقول باسل غندور، مؤلف مسلسل “جن”، إنه سعيد باستثمارات نتفليكس المتزايدة في المنطقة العربية، واعتبر أن دخولها هذه الساحة نقطة تحول مهمة في مجال الأعمال التلفزيونية والسينمائية، لأنها تمتلك ثقافة ثرية بالحكايات، ما يزيد من متعة المشاهد، خاصة عندما تقدم بالجودة المعهودة عن شركة نتفليكس.

وتحدثت مجلة “هوليوود ريبورتر” عن الدور المنتظر أن تلعبه نتفليكس بعد دخولها المنطقة العربية، لأنها تعد سوقا رائجة تشجعها وغيرها على الاستثمار والمشاركة بقوة في هذا المجال، وهناك أكثر من 400 مليون عربي يقضون في المتوسط 19 ساعة أسبوعيا لمشاهدة المسلسلات العربية.

قرر القائمون على شركة نتفليكس إنتاج أعمال أصلية باللغة العربية، لتسبق بذلك شركات أخرى مثل “ستارز. و”آي فليكس.  عاملة في نفس المجال بمنطقة الشرق الأوسط، لكنها تكتفي ببث المحتوى الأجنبي لسكان المنطقة، في حين أن تقديم نتفليكس للمحتوى العربي يجذب لها نوعا من المشاهدين الذين يريدون رؤية أنفسهم ونماذج مألوفة لهم في مسلسل أو برنامج مبني على أساس نفس ثقافتهم.

يضاف إلى ذلك، أن توقيت دخول نتفليكس إلى المنطقة العربية تزامن مع حركة نشاط غير عادية في مجال السينما والتلفزيون، خاصة في السعودية التي تتمتع باستثمارات ضخمة في مجال الإنتاج الإعلامي بشكل عام.

ففي مارس الماضي سافر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى لوس أنجلس لنقل خبرات هوليوود في مجال الإبداع السينمائي والتلفزيوني إلى السعودية، وعقد عدة صفقات تكلفت واحدة منها فقط بنحو 400 مليون دولار.

وأشار إبراهيم أبوذكري، رئيس اتحاد المنتجين العرب، إلى أن غالبية الدول العربية أطلقت تطبيقات تسمح بمشاهدة الأفلام والمسلسلات عبر الهواتف الذكية، لخطب ودّ شرائح كبيرة في مقدمتها الشباب، حيث ولعت هذه الفئة بالتكنولوجيا وتقنياتها.

وأكد لـ”العرب”، أن انتشار تطبيق  نتفليكس أو غيره من تطبيقات الترفيه لن يؤثر على صناعة السينما على الإطلاق، لأن المتعة مختلفة تماما، وبالتالي لن تنافس تلك التطبيقات دور العرض السينمائية. وضرب مثلا بما يحدث في السوق السعودية التي تستهدف إنشاء 600 دار عرض خلال السنوات العشر المقبلة.

بعد يوم عصيب من العمل الشاق بين أروقة الأرقام، وتقلبات أسعار الأسهم والسندات أتنزه بين صفحات تطبيق  نتفليكس وأشاهد أفلامي المفضلة، لتجديد نشاطي الذهني.. بهذه الكلمات وصف علي عمرو تجربته لـ”العرب” مع خدمة  نتفليكس.

وقال “مقابل الاشتراك الشهري أجد تسليتي دون إهدار وقتي أمام شاشة التلفاز، أجوب القنوات التي تعج بإعلانات مطولة تصيب المشاهدين بالملل، وباتت تخرج أي عمل فني عن مضمونه نتيجة كثرتها وبمعدلات أصبحت غير محتملة”.

وأكد محمد سعيد، رئيس شعبة البرمجيات بجمعية اتصال، لـ”العرب”، إن هناك زيادة متواصلة بالاشتراك في تطبيق  نتفليكس بمصر، لدى فئات الأثرياء والشباب، وساعد التوسع في انتشار أجهزة الهواتف الذكية في انتشار التطبيقات الترفيهية عبر الإنترنت.

وأضاف أن أهم عقبة أمام هذه التطبيقات انتشار عمليات القرصنة، التي تصل في تطبيقات الترفيه حتى الآن إلى نحو 10 بالمئة وتتجاوز حاجز 60 بالمئة بالنسبة للبرمجيات.

ودخلت نتفليكس السوق المصرية من خلال شراء حقوق مسلسل “غراند أوتيل” ليكون بذلك أول مسلسل عربي غير أصلي يعرض على نتفليكس، وبدأ عرض المسلسل على الشبكة في مارس الماضي، بعدة لغات مثل الإنكليزية والفرنسية والإسبانية، ما يشكل نقلة نوعية للدراما المصرية بفتح أسواق جديدة أمامها.

مسلسل "جن" ذو طابع تشويقي خيالي
مسلسل "جن" ذو طابع تشويقي خيالي

واشترى نتفليكس مؤخرا حقوق بث خمسة أعمال فنية مصرية، متاحة الآن على شبكة البث التلفزيوني، وهي مسلسل “غراند أوتيل” وأفلام “أوشن 14. و”يوم للستات” و”أهواك” و”هاتولي راجل”.

وقالت ليلى غويلاني ليارد، المتحدثة باسم نتفليكس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “إن مصر تتمتع بتراث عريق في صناعة السينما، وتعتقد بأن هذه السوق تمتلك مؤهلات قوية، ما يزيد من حماس المسؤولين في الشركة لدخول مرحلة جديدة من الإنتاج المحلي والعالمي الضخم بمشاركة بعض من أفضل المخرجين والممثلين والكتاب في عالم صناعة السينما.

بدوره قال عمرو علوبة، خبير صناعة البرمجيات ورئيس جماعة المهندسين الاستشاريين، لـ”العرب” إن تطبيقات الترفيه تعد استثمار المستقبل، في ظل الانتشار الكبير للتكنولوجيا والهواتف المحمولة.

ويصل عدد مشتركي الهاتف المحمول في مصر نحو 108.8 مليون حتى بداية أبريل الماضي، ووصل عدد مستخدمي الإنترنت نحو 37.2 مليون مستخدم.

وأوضح علوبة أن المشكلة أمام المزيد من التوسع في انتشار تطبيقات الترفيه عبر الإنترنت هو طبيعة السوق المصري التي تستخدم التعاملات النقدية، فيما يتطلب الاشتراك في  نتفليكس أو غيره من تطبيقات الترفيه بطاقات ائتمان، وهذا يحتاج إلى فتح حسابات بالبنوك.

إبراهيم أبوذكرى: انتشار تطبيقات الترفيه مثل نتفليكس لن يؤثر على صناعة السينما
إبراهيم أبوذكرى: انتشار تطبيقات الترفيه مثل نتفليكس لن يؤثر على صناعة السينما

ويصل عدد الحسابات المصرفية بمصر نحو 17 مليون حساب، وفق تقديرات البنك المركزي المصري، وأطلقت القاهرة مبادرة للتضمين المالي وتقوم البنوك من خلالها بفتح حسابات بالمجان للمواطنين لتشجيعهم على إيداع أموالهم بالبنوك.

تعد هشاشة بنية الاتصالات بمصر من أهم معوقات انتشار تطبيقات الترفيه، حيث تعاني القاهرة من بطء شديد في سرعات الإنترنت رغم دخولها الجيل الرابع للاتصالات.

وترى رابطة “جي.أس.أم.إيه” العالمية للاتصالات أن الترددات اللازمة لتكنولوجيا الجيل الرابع لا بد أن تبدأ من 30 ميغاهيرتز وحتى 60 ميغاهيرتز على الأقل.

وتنقسم التحديات أمام نتفليكس في السوق المصرية إلى نوعين؛ الأول، الاقتراب بأكبر قدر ممكن من ذوق ورغبات المشاهدين، ورصد توجهات سوق المشاهدات بدقة. والثاني، المنافسة الشرسة التي قد تواجهها من شركات الإنتاج ومحطات الإنتاج التلفزيوني، وخلق مكانة خاصة وسط هذا الزخم الفني.

للتغلب على معضلة التعرف على رغبات الجمهور، عمدت الشركة إلى الاستفادة من دراسة أجرتها مؤسسة “يوغوف” للأبحاث، واستطلعت خلالها آراء مشاهدين في مصر والسعودية والإمارات، اكتشفت من خلالها أن الجمهور في مصر والسعودية أكثر ميلا إلى مشاهدة الأعمال باللغة العربية، في حين أن الإماراتيين يفضلون بنسبة أكبر الأعمال باللغة الإنكليزية.

أما في ما يتعلق بالمنافسة مع شركات ومنصات إعلامية أخرى، فقد اعترفت نتفليكس العام الماضي بأن أحد أهم التحديات التي تواجهها في السوق العربية هي القنوات المجانية، وعلى عكس المتوقع فإنها لم تعط أهمية كبيرة للمنافسة من قبل منصات معروفة مثل موقع يوتيوب العالمي، وموقع “شاهد بلاس. المملوك لمجموعة قنوات “أم.بي.سي”، وغيرهما من المنصات التي يفترض أنها منافسة.

وسعت نتفليكس إلى سياسة غير تقليدية لمواجهة المنافسة، وعمدت إلى الشراكة مع أحد أشهر الشبكات الموجودة على الساحة.

18