نتائج الانتخابات البرلمانية تفرض إيقاعها على الحكومة الأردنية الجديدة

فضل رئيس الوزراء الأردني المكلف جعفر حسان تشكيل حكومة موسعة، لدوافع تبدو مفهومة خصوصا بعد نجاح الإسلاميين في ضمان كتلة نيابية وازنة، وقادرة على تعقيد مهمة الحكومة الجديدة، وعدم فسح المجال لها للعمل بأريحية.
عمان - فرضت الانتخابات النيابية التي جرت في الأردن خلال وقت سابق من الشهر الجاري، وفازت فيها الحركة الإسلامية بمعظم المقاعد الحزبية، إيقاعها على اختيارات رئيس الحكومة المكلف جعفر حسان في ما يتعلق بالتركيبة الحكومية وخلفية الوزراء.
واختار حسان، الذي كان مديرا لمكتب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قبل تكليفه برئاسة الوزراء، أن يشكل حكومة موسعة تضم اثنين وثلاثين وزيرا من خلفيات ومشارب مختلفة، من بينهم وزراء ونواب سابقون وأعيان وسياسيون عشائريون.
كما جرى إشراك قوى حزبية بتولي وزير الإعلام السابق محمد المومني حقيبة الاتصال الحكومي من بوابة حزبه “الميثاق” الذي خاض الانتخابات النيابية، وحاز على ما لا يقل عن 30 مقعدا، وأيضا النائب السابق خالد البكار من بوابة حزبه “تقدّم”، الذي حصد عددا من المقاعد في البرلمان الجديد، حيث تم منحه حقيبة العمل. وضم التشكيل الحكومي أيضا وزراء كانوا أعضاء في أحزاب أخرى، في خطوة تمهيدية لتشكيل حكومات حزبية مستقبلا.
ولم يطرأ تغيير على بعض الحقائب السيادية مثل وزارة الشؤون الخارجية وشؤون المغتربين التي ظلت بيد الوزير أيمن الصفدي، الذي احتفظ أيضا بمنصبه كنائب لرئيس الوزراء، مع استحداث منصب وزير دولة للشؤون الخارجية، والذي تولته نانسي نمروقة، وبدا أن الغرض من ذلك توسيع قاعدة مشاركة المرأة في الحكومة. واحتفظ وزير الداخلية مازن الفراية بحقيبته، فيما رحل عن الفريق الحكومي وزير المالية محمد العسعس ليحل محله عبدالحكيم الشبلي الذي شغل موقع الأمين العام سابقا لوزارة المالية.
ويرى متابعون أن حسان خالف في التشكيل الحكومي، الذي أدى الأربعاء اليمين الدستورية أمام الملك عبدالله الثاني، ما نصت عليه وثيقتا الإصلاح الإداري والتمكين الاقتصادي، لاسيما في علاقة بتشكيل حكومات “رشيقة”، عبر دمج الوزارات القريبة من بعضها البعض. ويقول المتابعون إن الخيارات التي تبناها رئيس الحكومة مفهومة من حيث السياق، خصوصا بعد نجاح حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، في تحقيق نتائج مهمة في الانتخابات.
ويوضح المتابعون أن حسان أراد من توسيع عدد الممثلين في الحكومة خلق قاعدة سياسية وعشائرية عريضة تكون داعمة للحكومة، في ظل برلمان يحضر فيه الإسلاميون بقوة. وفاز حزب جبهة العمل الإسلامي بـ31 مقعدا، وهو أكبر عدد شغله الإخوان في الأردن منذ إحياء الحياة البرلمانية في عام 1989 بعد عقود من الأحكام العرفية، ما جعلهم أكبر تجمع سياسي في البرلمان.
◙ جعفر حسان أراد من توسيع عدد الممثلين في الحكومة خلق قاعدة سياسية وعشائرية عريضة تكون داعمة للحكومة
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون إنه على الرغم من أن التشكيلة الجديدة للبرلمان المؤلف من 138 مقعدا تحتفظ بأغلبية موالية للحكومة، فإن المعارضة الأكثر صراحة التي يقودها حزب جبهة العمل الإسلامي من شأنها أن تشكل معضلة حقيقية لحكومة حسان، لاسيما في علاقة بتمرير عدد من مشاريع القوانين الحيوية.
وسارع حزب جبهة العمل الإسلامي إلى مهاجمة حكومة جعفر حسان بمجرد الإعلان عن تشكيلها وأدائها اليمين، وقال الحزب في بيان إن “هذه التشكيلة الحكومية جاءت مخيبة للآمال ولم تحقق الطموحات ولم تعزز نتائج الانتخابات أو البناء على رؤى التحديث السياسي وأنها تكرس ذات النهج السابق الذي أوصل البلاد إلى ما تمر به من تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية”.
وأضاف الحزب أن “ما جرى هو أقرب ما يكون للتعديل الوزاري مع بقاء 14 وزيرا من الحكومة السابقة بما في ذلك بعض وزراء التأزيم ومن سبق لهم تولي الوزارة في حكومات سابقة وأثبتت التجربة فشلهم في إدارة الملفات التي يديرونها، مما يكرس استمرار نهج تشكيل الحكومات السابقة وبما لا يتوافق مع الحديث عن التحديث السياسي ولا يتلاءم مع المزاج العام الشعبي الذي كان يتطلع إلى مرحلة جديدة من تشكيل الحكومات على أساس الكفاءة والقدرة على معالجة ما تسببت به الحكومات السابقة من أزمات في مختلف القطاعات”.
ورأى الحزب أنه “كان من المأمول أن تصل الرسالة التي عبر عنها الشارع الأردني من خلال نتائج الانتخابات النيابية بضرورة تغيير النهج القائم في إدارة مؤسسات الدولة والتأسيس الحقيقي لمرحلة التحديث السياسي عبر إجراء مشاورات نيابية حول شخص رئيس الوزراء ابتداءً، ووصولاً إلى التشكيلة الحكومية، وألّا تكون المشاورات التي قام بها رئيس الوزراء المكلف شكلية لا تتناول برنامج عمل الحكومة وتشكيلة فريقه الوزاري، بحيث تكون بعيدة عن نهج المحاصصة والترضيات لاسيما لمن لم ينجح في الحصول على ثقة الشارع الأردني في الانتخابات النيابية، وتوزير عدد من المسؤولين السابقين من منتسبي أحزاب بعينها لرسم صورة غير حقيقية عن مشاركة حزبية في الحكومة دون الاستناد لما أفرزته إرادة الشعب الأردني في هذه الانتخابات من نتائج”.
ويعكس رد فعل حزب جبهة العمل الإسلامي على التشكيل الحكومي أن الطريق لن تكون معبدة بين الجانبين وأن الأردن مقبل على دورة نيابية تطغى عليها التجاذبات والمساومات، وأن رئيس الحكومة سيكون أمام تحد كبير في ترويض الإسلاميين، وقد يراهن في ذلك على عبدالمنعم العودات، الذي جرى تعيينه في منصب وزير الشؤون البرلمانية.
وعقب أداء اليمين الدستورية توجه رئيس الحكومة برسالة إلى الوزراء قال فيها “عليكم أن تدركوا أن كل ساعة عمل هي حق عليكم للوطن، فلا تقصّروا بدقيقة واحدة”. وأوضح أن مجلس الوزراء سيعقد اجتماعاته مرة كلَّ شهر في المحافظات؛ ليقوم الفريق الوزاري بعد ذلك بمتابعة احتياجات المحافظة وقطاعاتها، والتَّفاعل مع مواطنيها، مضيفا “ألتزم شخصيّا بالتَّوجيه الملكي، وسأكون حاضرا في مدننا وقرانا وبوادينا ومخيَّماتنا أسبوعيّا، للاطلاع بشكل مباشر على الاحتياجات والمطالب لتقديم الحلول السريعة لبعضها”.
وأضاف حسَّان أن “الإعداد للقاءات دورية مع المعنيين من القطاع الخاص في إعداد رؤية التحديث الاقتصادي في مختلف قطاعاتها؛ حتى نضمن التَّطوير المستمرّ للبرامج التنفيذية لهذه الرؤية”. ولفت إلى “خلوة وزارية تشمل الأمناء العامين في الوزارات، السبت المقبل؛ لتنظيم عملنا ضمن منظومة لقياس الأداء وتقييم المخرجات المرتبطة ببرامج الحكومة، وفي إطار برامج التحديث الاقتصادي والإداري وكتاب التَّكليف السَّامي”. وتابع “لا أسألكم المستحيل، بل أطلب منكم العمل بلا كلل؛ لتحقيق كل ما يمكن إنجازه في كلِّ يوم، وفي كل ساعة، بلا تأخير أو تردد؛ فهذا حقٌّ لكل مواطن علينا، ونحن جميعا مساءلون أمام شعبنا وأمام جلالة الملك”.
ووفق شهادات مسؤولين وسياسيين، تحسب لحسان القدرة على الإدارة بعد مسيرة طويلة راكمها في العمل الحكومي، إذ أشرف على إصلاحات اقتصادية كنائب لرئيس الوزراء وخلال فترة عمله كوزير للتخطيط. وشغل حسان (56 عاما)، وهو متزوج وأب لثلاثة أولاد، منصب وزير التخطيط في حكومات سابقة وكان قائما بالأعمال ونائبا للسفير الأردني في واشنطن (2001 – 2006). كما عمل ملحقا في الخارجية الأردنية في تسعينات القرن الماضي.
ويحمل رئيس الحكومة الجديد دكتوراه في العلوم السياسية والاقتصاد الدولي من جامعة جنيف وماجستير في الإدارة العامة من جامعة هارفارد وماجستير في العلاقات الدولية من جامعة بوسطن وبكالوريوس في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية في باريس. ويقول سياسيون إن المهمة الرئيسية لحكومة حسان تتمثل في تسريع إصلاحات بتوجيه من صندوق النقد الدولي وتقليل الدين العام البالغ أكثر من 50 مليار دولار في بلد يعاني من ارتفاع معدلات البطالة.