نبيل عمرو.. قاصّا

يستذكر نبيل عمرو، قريته، قاصّا، أو يستدعيها في إهاب رواية مُضنية، استعادت زمنا يفتح لقريحته بابا واسعا، يستهويه في كلام حياته العادية، بسخريته اللاذعة وتشبيهاته وميله الغريزي إلى التقاط المفارقات، مع رمي المعنى في بطن الجملة البريئة، ثم الوقوع في غواية المصارحة الجارحة. ومثلما يستهل الروائي تجربته، بالتأسيس لها من خلال استدعاء زمن مضى، يستفيد الكاتب من مشاهداته وتأملاته وهو في سن العشرين، وما ظل عالقا في ذاكرته من كلام الناس، في الحقل الزمني لروايته. تراه يبدأ منذ الأسبوع الذي سبق حرب العام 1967. يختصر وعيْ الدنيا العربية، من خلال وعي القرية، بمتعلميها وحزبييها ووجهائها وبسطائها ومناسباتها الهانئة. ولكي لا يُثقل على “دورا” قريته، اختار لها اسما ذا إيحاء رمزي، بإيقاع مصري معطوف على دنيا العرب أجمعين. فالقرية هي “كَفر عرب” بفتح الكاف وليس بضمها. والكَفر هو القرية الصغيرة في نجوع مصر، بل إن الاسم نفسه، يتكرر مرارا في المحافظات المصرية. والرواية في مقاصدها، لا تتعلق بكُفر العرب أو أيمانهم، وإن كانت تركز على سذاجتهم وأوهامهم وعلى ثقافة النُخب السياسية، السطحية والقاصرة!
يعرض نبيل عمرو لجهالة الإعلام العربي، بكل ما فيه من الطنين، في تلك المرحلة، من خلال تقنية روائية ممتازة، وقد تصدّر الصفحات “عبدالشقي” الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة، ولا علاقة له بالسياسة، فجعله القاص بقرار ضابط مخفر القرية “وزير إعلام الحرب” وهذا هو عنوان الرواية، التي صدرت مؤخرا عن “دار الشروق” في عَمّان.
يسأل قائد المخفر معاونه السكرتير “مع أن الشقي، ليس من أسماء الله الحسنى، فلماذا اسم الرجل هكذا؟”. أجاب المعاون “اسم الرجل هكذا، ولم يتنبه أحد كيف حصل عليه!”.
هنا، يستقيم للكاتب، توظيف الاسم فضلا عن بساطة الرجل، لكي يرمز إلى شقاء الناس في وعيها وأحوالها قُبيل الحرب. غير أن بعض ما أشار إليه نبيل عمرو من الإحالات التي وضعها باعتبارها تصريحات سياسية سبقت الحرب، والتركيز على جمال عبدالناصر باعتباره صاحب وعود وتهديدات، كانت تعوزه الدقة وتطمس السياق الحقيقي للحرب، باعتبارها محصلة خطة مسبقة، للعدوان لغايات استراتيجية، نُشرت وثائقها. ثم إن “زعيم الأمة” كما وصفه نبيل تهكما، لم يقل أبدا “إن تدمير إسرائيل صار مسألة وقت” كما جاء في الرواية. فمثل هذا المنطق، اعتمده الراغبون في جعل العرب معتدين!
في المحصلة، نشر نبيل عمرو رواية شيّقة، رتب فيها حياة القرية صورة صورة، وعرض أشكال الوعي البائس، الذي جعل الهزيمة صدمة كبرى.