نبيل عمار في الجزائر بعد حملة مفتعلة عن التطبيع ضد تونس

هل تونس بوضعها الراهن ومشاكلها أمام إلحاح قضية مثل التطبيع.
الخميس 2023/08/17
انزعاج الجزائر من قيس سعيد لا علاقة له بالتطبيع

الجزائر/ تونس – تندرج زيارة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار إلى الجزائر في إطار السعي لفهم خلفيات حملة سياسية وإعلامية جزائرية غير مفهومة شُنَّت على بلاده خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة أن محور هذه الحملة هو اتهام تونس بالاتجاه نحو التطبيع مع إسرائيل.

يأتي هذا في وقت تقول فيه أوساط سياسية تونسية إن الظروف المالية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد لا تسمح لها بالتفكير في التطبيع، فضلا عن مواقف قيس سعيد الحاسمة في هذا الملف.

ويبدو موضوع التطبيع ورقة ضغط مستهلكة لجأت إليها الجزائر لإحراج قيس سعيد، خاصة أنها لا تمتلك أي أوراق أخرى للضغط عليه بسبب تماسك مواقفه داخليا وشعبيته وعدم ارتباطه بقضايا فساد، وسعيه إلى الابتعاد عن المحاور في الملفات الإقليمية.

وترى الأوساط السياسية التونسية أن انزعاج الجزائر من قيس سعيد لا علاقة له بالتطبيع، وهو اتهام فضفاض يكرره النظام الجزائري منذ ستينات القرن الماضي، وإنما يُعزَى ذلك إلى أن تونس تحركت لتنويع علاقتها عربيا وأوربيا بعيدا عن مظلة الجزائر ونصائح الرئيس عبدالمجيد تبون، الذي دأب على وصْف الرئيس سعيد بأنه أخ واعتبار تونس دولة جارة لا يمكن أن تتخلى عنها الجزائر، لكن من دون تحرك جزائري جدي لدعم تونس ومساعدتها على الخروج من الأزمة التي تعيشها.

موضوع التطبيع ورقة ضغط مستهلكة لجأت إليها الجزائر لإحراج قيس سعيد، خاصة أنها لا تمتلك أي أوراق أخرى

وبدأت الحملة الإعلامية الجزائرية على تونس إثر توجه الرئيس سعيد إلى الحوار مع الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى اتفاق شراكة لدعم تونس ومساعدتها بصفة خاصة على إدارة ملف اللاجئين، وهو اتفاق لم تخف الجزائر رغبتها في أن ترعاه وتستثمر نتائجه لتأكيد نفوذها في أوروبا والإيحاء بأن ورقة الغاز ساعدتها على أن تكون وسيطا فعّالا وذا مصداقية لدى أوروبا. لكن تونس بحثت عن طرق الحوار بنفسها ودون وسطاء، وهو ما أغضب الجزائر.

وكان سفير الجزائر في إيطاليا عبدالكريم طواهرية قد تحدث في مايو الماضي عن وجود تعاون وثيق بين بلاده وإيطاليا لمتابعة الوضع في تونس، وأنهما تعملان على “منع أيّ شكل من أشكال عدم الاستقرار في ذلك البلد”.

وأثار هذا الموقف تساؤلات في تونس التي كانت تنتظر أن تبادر الجزائر إلى دعمها بشكل عاجل في ظل وضعها المالي المريح بدلا من هذه الحركة الالتفافية التي تجعل الجارة الشرقية تخسر الوقت وتتحمّل المزيد من الضغوط والأعباء.

وما زاد إرباك الجزائر ووسع دائرة الفتور بينها وبين تونس أن الرئيس سعيد أرسل وزير الخارجية في جولة خليجية لبحث سبل التعاون مع شركاء أكثر مصداقية، وحصل نبيل عمار بالفعل على وعود دعم قوية كشفت عنها زيارات مسؤولين من السعودية والإمارات إلى تونس.

وتنظر الجزائر إلى الوجود الخليجي في محيطها الإقليمي على أنه خطر على مصالحها، وتعتبر أن تونس منطقة نفوذ خاصة بها، لكن انفتاح قيس سعيد على الاتحاد الأوروبي وعلى دول الخليج بدد رهانات الجزائر ودفعها إلى الاستنجاد بلوبي محسوب عليها في تونس للتحذير من مخاطر التطبيع والترويج لضغوط تمارس على قيس سعيد لدفعه إلى هذا المسار.

وحمل وزير الخارجية التونسية رسالة من الرئيس سعيد إلى نظيره الجزائري لم يكشف عن محتواها، لكن الراجح أنها لن تكون بمعزل عن حالة الفتور التي تخيم على علاقات البلدين منذ عدة أشهر.

وجاء في خبر مقتضب على موقع الرئاسة التونسية في فيسبوك أن “الرئيس قيس سعيد استقبل في مكتبه بقصر قرطاج وزير الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار، وكلفه بزيارة إلى الجزائر كمبعوث خاص له، وحمّله رسالة إلى نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون”.

وغلب فتور واضح على العلاقات بين البلدين خلال الفترة الأخيرة. وباستثناء تعاون أجهزة الحماية المدنية (الدفاع المدني) لدى البلدين على إطفاء الحرائق التي اندلعت في مناطق حدودية، كالطارف وطبرقة خلال الأسابيع الأخيرة، فإن الاتصالات الرسمية دخلت في حالة من الخمول، مما يعكس وجود خلافات لا يراد لها أن تطفو على السطح.

وفوجئ التونسيون خلال الأسابيع الماضية بحملة شنتها دوائر سياسية وإعلامية في الجزائر ضد ما تصفه بـ”مخطط التطبيع مع إسرائيل الذي يستهدف محاصرة الجزائر، ومحاولة الاستثمار في الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس، من أجل ثنيها عن مواقفها التقليدية من القضية والضغط عليها لإبعادها عن عمقها الإستراتيجي المتمثل في الجزائر”.

وكان رئيس حركة البناء الوطني ومرشح الانتخابات الرئاسية الأخيرة عبدالقادر بن قرينة قد وجه تحذيرات شديدة اللهجة لسلطات بلاده، من أجل “التحرك العاجل لإنقاذ تونس من مخطط احتواء يدفعها إلى التطبيع مع إسرائيل مقابل الحصول على تمويلات لتجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها”.

ولم يصدر أي تعليق من الجانب التونسي على المزاعم الواردة في الحملة المذكورة، في إشارة إلى عدم الانجرار وراء مؤثرات تستهدف المساس بعلاقات لم تنزلق إلى الأسوأ في ذروة الخلافات بين البلدين، وبذلك تكون زيارة وزير الخارجية فرصة لتطويق المشكلة وتوضيح الموقف، سواء تعلق الأمر بالمخاوف الجزائرية أو بتضرر تونس من الحملة المذكورة.

1