ناقد مغربي يحلل جماليات الإيقاع والعروض في الشعر الأمازيغي

"جمالية الإيقاع في الشعر الأمازيغي.. البنية العروضية والصوتية" دراسة تتوج بجائزة دار الشعر بمراكش للنقد الشعري.
الأربعاء 2024/07/03
الأمازيغ لهم إيقاع خاص

مراكش (المغرب) - يشكل الكتاب النقدي “جمالية الإيقاع في الشعر الأمازيغي.. البنية العروضية والصوتية” للناقد علي آيت لشكر، والمتوج بجائزة دار الشعر بمراكش للنقد الشعري في دورتها الخامسة للنقاد والباحثين الشباب مناصفة، مرجعا أساسيا للباحثين في جماليات النص الشعري الأمازيغي وخصوصا بنياته الإيقاعية. وقد حاولت الدراسة استقصاء النسق الإيقاعي، في الشعر الأمازيغي، في قدرته على توليد “الجمالية الشعرية”.

وإذا كان الباب الأول قد ركز على محاولة استقراء “الإيقاع في الدراسات النقدية العربية والغربية والأمازيغية”؛ فإن الباب الثاني قد خصصه الناقد لشكر “لبيان دور الإيقاع العروضي والصوتي في توليد الجمالية في نماذج شعرية أمازيغية”. وتبرز أهمية هذا المبحث، في ضعف وشح الدراسات التي قاربت “الإيقاع الشعري الأمازيغي”؛ رغم أن بعضها قد ركز اهتمامه على “الإيقاع العروضي (الوزن) في حين نادرا ما يتم تناول نسق الإيقاع الصوتي”.

وقد ركز الناقد علي آيت لشكر، في المستوى التطبيقي، على المنجز الشعري لتجارب شعرية همت كلا من سيدي حمو الطالب وأزايكو وحبيب لكناسي، مع بيان “دور الظواهر الإيقاعية الصوتية في توليد الجمالية الشعرية”؛ ولعل من أبرز ما توصل إليه الناقد، في ختام دراسته، هو القدرة على “استثمار جميع التجارب الشعرية المدروسة للإيقاع الصوتي لخلق الجمالية، غير أن هناك تفاوتا في درجة هذا الاستثمار وفي طريقة التوظيف”.

يقع كتاب الناقد علي آيت لشكر في 160 صفحة من القطع المتوسط، وتزين غلافه الخارجي لوحة الفنان والحروفي المراكشي الحسن الفرسيوي، وقد صدر السنة الجارية (2024) عن منشورات دار الشعر بمراكش في طبعة أولى، وتم الاحتفاء بهذا الإصدار شهر مايو الماضي ضمن فعاليات الدورة الخامسة للملتقى الوطني “حروف” للشعراء والنقاد الشباب.

الدراسة سعت إلى توسيع مفهوم الإيقاع الصوتي، لبيان كيفية إسهام بعض العناصر الأساسية في جمالية الشعر الأمازيغي
الدراسة سعت إلى توسيع مفهوم الإيقاع الصوتي، لبيان كيفية إسهام بعض العناصر الأساسية في جمالية الشعر الأمازيغي

يظل الأفق المنشود، لهذا المبحث النقدي، هو الوصول إلى محاولة تحديد سمات عامة لوضع تصور “عام عن جمالية إيقاع الشعر الأمازيغي بشتى لهجاته”، إن أمكن توسيع قاعدة المنجز الشعري المدروس، في أنماط شعرية أمازيغية أخرى، وأيضا تجاوز الجانب العروضي في التناول والاهتمام أكثر بمستوى جماليات “الإيقاع الشعري الأمازيغي”.

وقد سعت الدراسة عموما، إلى الإجابة عن سؤال محوري هو: كيف يسهم الإيقاع في جمالية الشعر الأمازيغي؟ وعن هذا السؤال تفرع سؤالان رئيسان هما: كيف تسهم البنية الإيقاعية العروضية في جمالية الشعر الأمازيغي؟ وكيف تسهم البنية الإيقاعية الصوتية في جمالية الشعر الأمازيغي؟

لقد سعت الدراسة إلى توسيع مفهوم الإيقاع الصوتي، لبيان كيفية إسهام بعض العناصر الأساسية في جمالية الشعر الأمازيغي، كما تم اختيار تجارب شعرية تنتمي إلى فترات زمنية مختلفة: الأولى زمنيا تعود إلى القرن الثامن عشر (سيدي حمو الطالب)، في حين “ترجع تجربة أزايكو إلى ثمانينيات القرن الماضي؛ وهي تجربة تمزج بين التحديث من حيث المضامين والوفاء للتقاليد الوزنية من حيث الشكل؛ أما التجربة الأخيرة، تجربة حبيب لكناسي، فهي متأخرة زمنيا ومختلفة شكلا ومضمونا”.

وتكمن أهمية هذه الدراسة في تتبع ملامح تطور القصيدة الأمازيغية وأشكالها الإيقاعية، وتشكل إضافة نوعية إلى ما تراكم من دراسات نقدية في هذا الإطار، خاصة وأن الإيقاع جوهري في الشعر الأمازيغي كما هو الشأن في الشعر العربي، لكن إيقاع الأول ظل مجهولا ويحتاج على التعمق في البحث عن طرق نشأته وتنوعاته لفهم البيئة التي ينشأ ويزدهر فيها الشعر الأمازيغي.

 كما أن التركيز على دراسة الإيقاع تمنح مساحات واسعة لفهم أفضل لعوالم هذا الشعر المختلف نوعا ما عن الشعر العربي ومنظوماته واستعاراته وطرق بنائه، إذ الإيقاع يشكل عنصرا مركزيا في النص الشعري، فهو الذي يمثل عمود النص وبنائه وهو الذي يحمل الجمالية كما يقود الكلام إلى مصاف الشعر بعيدا عن نسقية ورتابة النثر الإخباري.

إن اختيار لجنة التحكيم، جائزة النقد الشعري للنقاد والباحثين الشباب في دورته الخامسة، تتويج كتابين مناصفة، يؤكد هذا البعد الاستشرافي للاختيار بحكم أن الكتاب الأول تناول مبحث الاستعارة التصورية في الشعر الأمازيغي، في حين اتجه كتاب لشكر إلى جماليات الإيقاع، في الشعر الأمازيغي. وكأنهما يستمدان مشروعا موحدا، كلاهما، في الاتجاه إلى مقاربة واستقراء المنجز الشعري الأمازيغي من منظورات متعددة، ومحاولة في تحديد سمات مركزية لهذا المنجز الغني والتاريخي. طبعا، لا يمكن تعميم العديد من النتائج والخلاصات، على جميع أنماط الكتابة الشعرية في اللغة الأمازيغية (تاريفيت، تاشلحيت، تامازيغت)، إذ ما يؤسس له هذا الأفق هو استدعاء المزيد من التقصي والانشغال النقدي بالشعر المغربي في تعدده اللساني.

12