ناشرون عرب في المهجر: نواجه تحديات في نشر الثقافة العربية

باريس- أكد مديرو دور نشر عربية في المهجر على الدور الريادي والمهم الذي تلعبه هذه الدور والمؤسسات في نشر الثقافة واللغة العربيتين ودعم حضور الكتاب العربي في أوروبا.
وقالوا إن التأثير الثقافي لدور النشر العربية في المهجر يبرز خاصة من خلال الإصدارات المتنوعة سواء كانت أدبية أو أكاديمية بمختلف اللغات، وكذلك معارض الكتب العربية في أوروبا التي تعد فرصة مهمة لنشر الثقافة العربية التي تجتذب طيفا واسعا من الجمهور الأوروبي، وتفتح نقاشات ثرية معه عن الكتاب العربي ودوره وأهميته.
وشددوا على الدور المهم للترجمة في نقل الأدب والثقافة العربيتين إلى الآخر، وفي تحفيز التبادل الثقافي والحوار بين الحضارات ونشر ثقافة السلام من خلال الشعر والأدب والفن.
وفي هذا الصدد قالت حياة قاصدي، مديرة دار الأمير للنشر والتوزيع والترجمة بمرسيليا في فرنسا، “إن الدار تأسست في يناير 2021، لتكون جسرا ثقافيا بين ضفتي المتوسط بواسطة الترجمة من وإلى العربية والفرنسية”، مشيرة إلى أن الكتاب العربي يجسد ارتباط الأمة بلغتها وموروثها الثقافي، ومن خلاله يفتح المثقف العربي أبواب لغته وثقافته ويحمي كيانه من الضعف والانهيار.
ولفتت إلى أن التأثير الثقافي لدور النشر العربية في المهجر يظهر من خلال العبور بالإبداع من بيئة جغرافية محددة نحو فضاء أوسع وأرحب، وهذا ما تحرص عليه دار الأمير عبر مشاركاتها في معارض الكتب في بلجيكا وفرنسا وهولندا، ومن خلال الملتقى الثقافي للكتاب العربي الذي نظمت دورته الأولى في يناير 2024، وهو مشروع دار الأمير الفعلي الذي تسعى لتنظيمه كل سنة عبر دورة منتظمة ترتبط بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.
وشددت قاصدي على أن دور الناشر العربي في مجال نشر اللغة و الأدب والثقافة العربية خاصة في المهجر ليس سهلا، لأنه عملية معقدة تحتاج إلى آليات و برامج تقوم على الوعي وروح المسؤولية، فضلا عن كون الثقافة ملكا إنسانيا لأمة ما وهي المعيار الذي يميزها ويوضح معالم وجهها الحقيقي.
وأكدت أن الترجمة هي الجسر الذي تلتقي فيه الإنسانية في رحلة الاكتشاف، لذلك يجب منحها الأولوية بهدف دعم حركية الانتقال الفكري والحضاري بين الشعوب، وهي أيضا القوة التي تذيب الجمود بين الأمم بفعل تعدد اللغات، وبفضل الترجمة يمكن أن تنتقل الثقافات من منطقة إلى أخرى ويسمح للإنسانية بأن تتعرف على بعضها البعض من خلال اكتشاف الأذواق الأدبية والفنية والمعارف والمهارات وتسهل “ميكانيزما” التوجه نحو الآخر.
ودعت مديرة دار الأمير للنشر والتوزيع والترجمة الناشرين العرب في المهجر إلى استقطاب الأقلام متعددة المشارب واللغات، وبذل الجهد والوقت في إطار منظم وخطة لقطف ثمار الفكر في اللغات الأخرى وترجمة مضمونها إلى اللغة العربية بهدف الإثراء الثقافي وإتاحة مساحة في خططهم لنقل الثقافة العربية إلى الأجيال التي قدمت إلى أوروبا منذ عقود.
ومن جانبه نوه علي المرعبي، المدير العام لدار كل العرب للطباعة والنشر في فرنسا، في تصريح مماثل بالدور الذي تؤديه دور النشر في المهجر من خلال تقديم الأدب والشعر والكتب ذات الطابع العلمي والأكاديمي المنهجي والثقافة العربية بشكل عام، موضحا أن الدار تركز على نوعية الكتب أكثر من الكمية، وتختار أفضل الكتب العلمية والأكاديمية والروايات ودواوين الشعر المميزة وتعكس للمتلقي والمهاجر العربي خاصة في أوروبا والغرب المستوى الأدبي للكتاب والشعراء والمفكرين العرب.
وأشار إلى أن الدار نظمت في مطلع سبتمبر الماضي “الملتقى الدولي للكتاب العربي في فرنسا” في دورته الأولى، والذي أقيم في المدينة الجامعية بباريس في بيت مصر، ويعد حدثا ثقافيا مهما يقام لأول مرة في فرنسا، وشهد حضور عشرات الأدباء والكتاب والشعراء والمفكرين من مختلف أنحاء أوروبا، قدموا طوال أسبوع الملتقى أجمل الأمسيات الشعرية والندوات الفكرية واللقاءات الأدبية ووقعوا كتبهم الصادرة حديثا.
وأوضح المرعبي أن دور النشر العربية في المهجر تلعب دورا هاما في تعزيز حضور اللغة والثقافة العربيتين في أوروبا، رغم الصعوبات الكثيرة التي تواجهها وتتمثل في تراجع توزيع الكتب الورقية المطبوعة والإقبال عليها، فضلا عن ارتفاع تكاليف الشحن والتوزيع داخل الدول الأوروبية، وكذلك غلاء أسعار الطباعة والورق واليد العاملة.
ونوه المدير العام لدار كل العرب للطباعة والنشر في فرنسا بالدور الريادي الذي تقوم به دور النشر العربية في أوروبا بترجمة الكتب العربية إلى لغات كثيرة كالفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية والإسبانية، بالإضافة إلى اختيارها النوعية المميزة من الإصدارات الأوروبية والقيام بترجمتها إلى اللغة العربية لإطلاع القارئ العربي على آخر الإصدارات الأوروبية.
كما أشاد بجهود دار كل العرب المميزة في مجال الترجمة من الأدب العربي إلى اللغات الأوروبية أو من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية، وبتوظيف علاقاتها الواسعة مع الأدباء والكتاب والشعراء والباحثين الفرنسيين والأوروبيين، من أجل تقديم الوجه الحضاري للثقافة العربية الإسلامية واللغة والأدب والفكر العربي.
ومن جانبه أكد حسين نهابة، مدير دار أبجد للترجمة والنشر والتوزيع في العاصمة الإسبانية مدريد، أن الدار تبذل جهودا كبيرة وتضع إستراتيجية واضحة من أجل نقل الأدب والثقافة العربيين إلى إسبانيا وأوروبا من خلال المشاركة المنتظمة في معارض الكتب والندوات الأدبية والثقافية، وغيرها من الفعاليات التي تنفتح على البيئة العربية، وتشجع على الحوار الثقافي بين بلدان الشمال والجنوب.
وأوضح أن هناك صعوبات كثيرة تواجه الناشر العربي في المهجر، خاصة أن الأنظمة والمعايير تختلف من قارة إلى أخرى ومن بلد أوروبي إلى آخر، لاسيما في ما يتعلق بالطباعة والتوزيع والانفتاح على بقية اللغات والثقافات العالمية.
وشدد مدير دار أبجد للترجمة والنشر والتوزيع بمدريد على الدور المهم جدا للترجمة في نقل الأدب والثقافة العربيين إلى الآخر، وكذلك في تحفيز التبادل الثقافي والحوار بين الحضارات ونشر ثقافة السلام من خلال الشعر والأدب والفن.
ولفت في السياق نفسه إلى أن تجربته في مجال الترجمة في دار أبجد كشفت له قلة الدعم المقدم للمترجمين ودور النشر التي تحاول ترجمة الأدب العربي إلى اللغات العالمية كالإسبانية، حيث تبقى كل الجهود فردية قليلة ولا ترقى إلى المنافسة الكبيرة التي تميز سوق الترجمة والنشر العالميين، وما تمتلكه هذه السوق من إمكانيات غربية ضخمة، مقارنة بالإمكانيات البسيطة التي تتوفر لدور النشر العربية الناشطة في المهجر.
وبدوره قال محمد الأمين الكرخي مدير دار “ميزوبوتاميا” للنشر والتوزيع والترجمة بهولندا إن دور النشر العربية في المهجر هي مؤسسات ثقافية متنوعة لها قسم خاص بالمنشورات والإصدارات المتنوعة من أدب وشعر وترجمة.
وأشار إلى أن أغلب اهتمام ونشاط دور النشر العربية في المهجر يتعلق بمعارض الكتب في الدول العربية، حيث تستطيع هذه المؤسسات أن تتواصل مع قرائها الأساسيين، ومع المؤسسات والجهات العربية التي تقدم لها الدعم المادي والمعنوي وتوقع الاتفاقيات والشراكات، وتتواصل مع الجمهور العريض، أما في أوروبا فلا تستطيع هذه الدور والمؤسسات الثقافية أن تحقق مبيعات كبيرة.
وشدد الكرخي على أن نشر الثقافة العربية في أوروبا يحتاج إلى مجهود جبار وعمل واسع جدا يكون الكتاب العربي في جوهره وصميمه، لكن من خلال آليات مستحدثة للتعريف به عبر الصحافة والإعلام، وبواسطة الأنشطة الثقافية والفنية التي تكون جزءا من برمجة معارض الكتب، وكذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
واقترح في هذا السياق ضرورة استحداث منصة عربية للكتاب العربي، تكون منفتحة بشكل كبير على جمهور القراء الأوروبيين، ولا يطغى عليها الجانب التجاري، وإنما يجب أن تكون مدعومة وغايتها الوحيدة نشر الثقافة العربية في أوروبا، ويكون دورها تقديم فكرة أساسية بلغات عالمية كثيرة عن آخر الإصدارات العربية، وتعمل على تسويقها بشكل متميز ومحترف، وهذا ما سيمنح في النهاية الكتاب العربي أفقا جديدا في أوروبا وخارجها.
ولفت إلى أنه فيما مضى كان حضور الكتاب العربي مهما ومتنوعا في المكتبات العامة في هولندا مثلا، لكنه تراجع بقوة للأسف الشديد في السنوات الأخيرة، وتحول واقتصر على مجموعة قواميس في اللغة وكتب تتعلق باللغات، وانحسر في مكان ضئيل جدا، حيث كانت المكتبات الهولندية تواكب الإصدارات العربية الجديدة وتعطيها حيزا كبيرا، لكن هذا الاهتمام ضعف منذ سنوات.
ورأى أن دور الجاليات العربية في الحياة الثقافية بالمجتمعات التي تعيش فيها تراجع في السنوات الأخيرة نتيجة عدة ظروف، ما جعل حضور الكتاب العربي سواء في هولندا أو الكثير من الدول الأوروبية يتراجع ويتقلص ويغدو دوره هامشيا.
ولاحظ أن الأوساط الثقافية الهولندية كانت تبدي اهتماما خاصا بالثقافة العربية، وكان ذلك الاهتمام ينعكس في الصحف والمجلات والإصدارات الأدبية، لكن هذا الاهتمام تراجع ما أثر سلبا على حضور الكتاب العربي في هولندا وأوروبا، خاصة مع صعود تيارات وأحزاب اليمين المتطرف في الكثير من الدول الأوروبية.
وشدد الكرخي على أهمية دور النشر الأوروبية التي تهتم بالأدب والكتاب والثقافة العربية، لارتباطها المباشر بالقارئ الأوروبي الذي يهتم بالكتاب العربي المترجم إلى لغته، لأنها تستثمر تجربتها الكبيرة وخبرتها للترويج لهذا الكتاب من خلال انفتاحها على وسائل الإعلام المهمة التي تعكس إصداراتها المترجمة.
وأشار إلى ظاهرة إيجابية انتشرت في السنوات الخمس الأخيرة تتمثل في معارض الكتب العربية بالدول الأوروبية، حيث توفر هذه المعارض فرصة مهمة لنشر الثقافة العربية من خلال البرامج والفعاليات الثقافية المتنوعة، التي تقام على هامشها على غرار الأمسيات الشعرية والندوات الفكرية والمعارض التشكيلية، وهذه البرمجة الثرية تجلب طيفا واسعا من الجمهور الأوروبي، كما تفتح نقاشات ثرية مع هذا الجمهور عن الكتاب العربي ودوره وأهميته في أوروبا، وتعيد إليه المكانة التي فقدها في حياة أبناء الجاليات العربية في المهجر. وتمنى أن تتواصل هذه المعارض، وألا تفقد بعدها الثقافي لصالح البعد التجاري، وأن يقع تطويرها من القيمين عليها.
ولفت مدير دار “ميزوبوتاميا” للنشر والتوزيع والترجمة إلى أن تجربته في النشر والترجمة أظهرت له أن الترجمة من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية هي السائدة والمسيطرة، عكس الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، وذلك بسبب وجود مؤسسات ثقافية أوروبية تدعم ترجمة أدب لغتها كما في هولندا مثلا، حيث توجد مؤسسة “لاترأون فوندس” التي تمنح الدعم للمترجمين ودور النشر التي تهتم بترجمة الأدب الهولندي، في المقابل نكاد لا نلاحظ تجربة مماثلة في البلدان العربية تدعم المترجمين الذين ينقلون الأدب العربي إلى لغات أخرى.