نازحات سوريات حوامل بلا رعاية

تعيش النساء الحوامل في سوريا أوضاعا مزرية داخل المخيمات يفاقمها انتشار الفقر وانعدام الأمن الغذائي وبُعد المستشفيات والمراكز الصحية عن المخيمات، ما يهددهن بخطر الإجهاض أو الولادة المبكرة. وتبقى الحياة في المخيمات قاسية، لأنها تفتقر إلى مياه الشرب النظيفة ومياه الاستحمام والطعام. كما تعجز النساء عن تلبية احتياجات الطفل حديث الولادة مع النقص الكبير في مستلزمات النظافة الشخصية.
إدلب (سوريا) - تخشى النساء الحوامل في مخيمات النازحين داخليا في شمال سوريا من تدهور صحتهن وصحة أجنتهن بسبب نقص الرعاية الطبية الأساسية وسوء النظام الغذائي. وتفاقم هذه الأوضاع المزرية الأمراض والتحديات التي تواجهها النساء، خاصة مع انتشار الفقر وانعدام الأمن الغذائي في المنطقة وبُعد المستشفيات والمراكز الصحية عن المخيمات.
وأصبحت النساء الحوامل في المخيمات عرضة للإصابة بفقر الدم وسوء التغذية وولادة أطفال يعانون مرض التقزم. ويضيف تأخير الوصول إلى الرعاية خطرا صحيا كبيرا على النساء الحوامل وأجنتهن. وتبلغ فاطمة العبود من العمر 26 عاما، وهي نازحة تعيش في مخيم معرة مصرين بريف إدلب، وحامل في شهرها السادس. وتعاني من فقر الدم الحاد، مما يهدد صحتها وصحة جنينها.
وقالت "أخبرني الطبيب أنني بحاجة إلى تناول نظام غذائي متوازن بكميات كافية طوال فترة الحمل للحفاظ على صحتي وصحة جنيني. لكن الفقر وارتفاع الأسعار جعلاني غير قادرة على شراء الفواكه والخضراوات الغنية بالفيتامينات والبروتينات. كما أبقى عاجزة عن تحمل تكاليف الأدوية اللازمة للنساء الحوامل".
ولا تخفي العبود خوفها من ولادة رضيع يكون في حالة صحية سيئة بسبب سوء التغذية أو من بدء مخاضها دون أن تجد سيارة تنقلها إلى المستشفى، خاصة مع رداءة الطريق بين المخيم والمراكز الصحية التي تبعد عن موقعها أكثر من خمسة كيلومترات.
وصرحت لخدمة إنتر برس "تنتابني الكثير من المخاوف، حيث لا توجد أماكن مريحة للجلوس أو النوم داخل الخيمة، ولا يمكنني التمتع بالراحة الجسدية أثناء الحمل. لا أجد أي مساحة خاصة أو مراحيض نظيفة". وتزداد المخاطر الصحية التي تواجهها النساء الحوامل بسبب بعد المراكز الصحية والمستشفيات عن المخيمات، ما يعرضهن لخطر الإجهاض وحتى الوفاة أثناء الولادة، إلى جانب إمكانية الولادة المبكرة.
وقالت منظمة "منسقو استجابة سوريا" المتخصصة بجمع المعلومات والإحصائيات في مناطق شمال غرب سوريا، إن أكثر من 87 في المئة من المخيمات تعاني من نقص النقاط الطبية والعيادات المتنقلة. وأكدت صعوبة نقل المرضى إلى المستشفيات القريبة، خاصة وأن وضع جل النازحين المادي يبقى مترديا، وهم غير قادرين على تأمين العلاج الذي تتطلبه الحالات الطبية دون استثناء.
وتبلغ سارة الحسن من العمر 31 عاما. وهي امرأة نازحة في مخيم مؤقت شمال سوريا بالقرب من الحدود التركية وأم لثلاثة أطفال، وخسرت مؤخرا جنينها أثناء الولادة. وقالت "بدأ المخاض بعد منتصف الليل. واعتمدت على ممرضة تعيش في مكان قريب بسبب بعد المستشفيات عن المخيم وقلة المواصلات". وذكرت أن ولادتها كانت صعبة، وأن رضيعها كان في حالة حرجة وبحاجة ماسة إلى حاضنة. وتوفي أثناء نقله إلى المستشفى.
وأكدت الحسن أنها لم تعد ترغب في إنجاب الأطفال وتعتمد على وسائل منع الحمل لتجنب تكرار تجربة الحمل والولادة داخل المخيمات. وأضافت أن حياتها في الخيمة تبقى قاسية، لأنها تفتقر إلى مياه الشرب النظيفة ومياه الاستحمام والطعام. كما تعجز عن تلبية احتياجات الطفل حديث الولادة مع النقص الكبير في مستلزمات النظافة الشخصية.
وتابعت “يسيطر التوتر والقلق والإفراط في التفكير على حياتي. وأشعر بالعجز تجاه أطفالي الثلاثة الذين يعيشون ظروفا صعبة. ولكنني أبذل قصارى جهدي للعناية بنظافتهم وتوفير احتياجاتهم". كما تحدثنا إلى الدكتورة علا القدور، أخصائية أمراض النساء والتوليد من مدينة إدلب شمال غرب سوريا، عن معاناة النساء الحوامل في مخيمات الشمال السوري.
وصرّحت “تعيش الآلاف من النساء السوريات الحوامل في المخيمات ظروفا قاسية، حيث لا يستطعن توفير أساسيات الغذاء والدواء. ويخلّف سوء التغذية مشاكل صحية تؤثر على المرأة الحامل والجنين ويعرض الأم لمشاكل انخفاض في الحليب بعد الولادة، مما يجعلها غير قادرة على إرضاع طفلها".
وأشارت القدور إلى أن غياب المستشفيات داخل المخيمات يزيد من معاناة النساء الحوامل، ما يجبر جلهن على الانتقال خارجها. كما أن النساء النازحات يعشن في خيام مصنوعة من القماش، وغالبا ما تعود من تلد في المستشفى إلى الخيمة بعد ساعات قليلة فقط بسبب ازدحام المستشفيات. ويُذكر في هذا السياق أن الـ24 ساعة الأولى بعد الولادة تعدّ الأكثر حرجا من حيث المضاعفات. وهذا ما يجعل من المهم إبقاء الأم في المستشفى لأطول فترة ممكنة.
وأكدت أن انخفاض مستويات النظافة يجعل النساء الحوامل أكثر عرضة للإصابة بالإنفلونزا بسبب انخفاض مناعتهن، وأن النساء الحوامل اللواتي لا ينلن قسطا كافيا من النوم يمكن أن يدخلن المخاض مبكرا وأن تعيق تبعات هذا نمو الطفل بعد الولادة. كما تشير إلى أن الولادات المنزلية غير المعقمة تزيد من خطر الإصابة بالعدوى لدى الأطفال حديثي الولادة والأمهات.
وشددت الدكتورة على ضرورة توفير خدمات الرعاية الصحية للحوامل والأطفال حديثي الولادة في المخيمات، بما في ذلك الفحوصات الطبية الدورية والتشخيص المبكر لأي مشاكل صحية، وتوفير الرعاية والتغذية اللازمة للأمهات أثناء الحمل والولادة وما بعدها.
ولا يزال أكثر من مليوني شخص يقيمون في مخيمات شمال غرب سوريا مع استمرار الحرب والنزوح، ومنهم 604 آلاف امرأة. وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن ما يصل إلى “660 مخيما (44 في المئة من أكثر من 1500 مخيم) في إدلب وشمال حلب لا تتمتع بدعم المياه والصرف الصحي والنظافة، مما يؤثر على أكثر من 907 آلاف شخص نصفهم من الأطفال”.
ونزحت عشرات الآلاف من العائلات السورية خلال الأعوام العشرة الماضية من مناطقها المدمرة إلى مناطق النظام في الداخل السوري جراء الصراع الدموي الذي دار بين أطراف النزاع، وشكلت النساء الشريحة الكبرى من مجمل النازحين نتيجة لغياب أرباب الأسر لأسباب أمنية أو طبيعية. وهذا ما جعل النساء النازحات مضطرات إلى لعب دور الأب والأم معا في بيئة تسودها البطالة والفقر وانعدام فرص العمل، وتعوزها كل مقومات الحياة الأساسية من كهرباء وماء وغيرهما من الخدمات.
◙ سوء التغذية يخلف مشاكل صحية تؤثر على المرأة الحامل والجنين ويعرض الأم لمشاكل انخفاض في الحليب بعد الولادة
وتعيش أم نايف (43 عاما)، نازحة سورية من حمص إلى ريف دمشق، وأولادها الثلاثة في شقة سكنية لا تتجاوز مساحتها 40 مترا مربعا منذ نزوحها قبل ثمانية أعوام، وينام جميع أفراد العائلة في غرفة صغيرة تخلو إلا من أربعة فرشات إسفنجية وبعض الأمتعة التي لا تزال ترتبها أم نايف في حقائب السفر التي حزمتْ بها تلك الأمتعة ساعة نزوحها من حمص.
وتمضي المرأة الأربعينية 8 ساعات يوميا بمعمل منظفات في ريف دمشق، تقوم بتعبئة غالونات سائل الجلي والاستحمام براتب أسبوعي قدره 20 ألف ليرة سورية (6 دولارات). وبقوة شرائية بالكاد تغطي ثمن 5 لترات زيت قلي (23 ألف ليرة سورية).
وتضطر أم نايف إلى إرسال ابنها الأكبر نايف (12 عاما) وابنتيها سمرا (7 أعوام) ونهاد (6 أعوام) للعمل مع جارهم في مستودع للحبوب والمكسرات، حيث يكون الأطفال مجبرين على نقل شوالات الحبوب (أكياس كبيرة)، التي يصل وزن الواحد منها إلى 35 كيلوغراما، من سيارات الشحن إلى أقبية المستودع لـ7 ساعات يوميا مقابل 10 آلاف ليرة سورية (3.2 دولار).
وتقول أم نايف "لولا أني أرسل الأولاد إلى العمل كل صباح لكنا متنا من الجوع، فبعد دفعي لإيجار المنزل لا يبقى شيء من راتبي، وأسعار البضائع في ارتفاع مستمر ونحن نعاني الأمرين حتى نتمكن من النجاة في هذه الظروف".
وبحسرة أم على أطفالها تقول “مضت 6 سنوات على خروج الأطفال من المدرسة، لقد تمكنت في أول سنتين لنا هنا من جعلهم يتابعون تعليمهم دون أن ينقصهم شيء، ولكن مع حلول السنة الثالثة كنت قد بِعْتُ كل ما أملك من صيغتي (ذهبي) ولم أعد قادرة على إعالة المنزل لوحدي، خاصة مع كل هذا الغلاء في الأسعار وارتفاع إيجار الشقة بنحو الضعف". يؤكد تقرير للأمم المتحدة أنه نتيجة لفقدان العديد من العائلات السورية لأرباب أسرها، هناك حوالي 22 في المئة من الأسر السورية تعيلها النساء الآن.