نابلس أم الصناعات الفلسطينية معزولة عن العالم

نابلس (الأراضي الفلسطينية) - يعاني الفلسطينيون في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة حصارا إسرائيليا خانقا منذ نحو عامين، بعد أن نفذت جماعة “عرين الأسود” التي اتخذت من البلدة القديمة مقرا لها، عملية عسكرية في أكتوبر 2022، أسفرت عن مقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخرين.
ويقول فلسطينيون إن مدينتهم تعيش الحصار عبر إغلاق مداخلها بحواجز عسكرية وبوابات حديدية، الأمر الذي حولها إلى سجن كبير.
ومنذ ذلك الحين والسلطات الإسرائيلية تفرض حصارا على المدينة غير أنها شددته بشكل أكبر بعد 7 أكتوبر 2023 مع بدء الحرب على قطاع غزة.
ومطلع سبتمبر 2022، ظهرت المجموعة علنا في عرض عسكري بالبلدة القديمة بنابلس، وينتمي أفرادها لمختلف الفصائل الفلسطينية لاحقتهم إسرائيل وقتلت واعتقلت عددا كبيرا منهم.
ويقول أمين سر غرفة تجارة وصناعة نابلس إياد الكردي، إن “نابلس تحولت إلى سجن كبير، تفتح وتغلق بمزاج جنود من الجيش الإسرائيلي”.
وللوصول إلى المدينة أو الخروج منها لا بد من المرور عبر حواجزها العسكرية التي تشهد بالعادة أزمة مرورية جراء إجراءات التفتيش والتدقيق التي يفرضها الجيش الإسرائيلي.
وعلى حاجز “دير شرف” غرب المدنية أحد أهم مداخل نابلس، اصطفت مئات المركبات على جانبي الحاجز. ويقول سائق مركبة نقل يدعى أحمد نبيل “معاناة يومية منذ مدة طويلة، نفقد أوقاتا طويلة على الحواجز”.
كافة المؤشرات تدلل على خسائر اقتصادية كبيرة للغاية، من بينها ظهور العملة النقدية المعدنية
ويضيف “بعض الأيام نمضي نحو 3 ساعات في انتظار دور الخروج من نابلس، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر مادية وتعب نفسي وجسدي”.
وهو ما يؤكده الكردي قائلا “نابلس تعاني من حصار مشدد منذ نحو عامين بعد تصاعد الأحداث الأمنية بالضفة والحرب على غزة في أكتوبر من العام الماضي”. ويضيف “تعد نابلس مدينة رئيسية وأم الصناعات، اليوم تغلق إسرائيل 30 مدخلا رئيسيا وفرعيا للمدينة بسواتر ترابية وبوابات، ولا يسمح بالمرور إلا عبر 4 حواجز تحت رقابة إسرائيلية”.
ويتابع “ارتفاع معدل الوقت للخروج من نابلس إلى أي منطقة بنسبة 300 بالمئة عن الوقت الطبيعي، ما تسبب بارتفاع استهلاك المحروقات 100 بالمئة عن الاستهلاك الطبيعي، وارتفاع أجرة النقل والمواصلات على المواطن ما بين 30 – 40 في المئة بسبب الحواجز”.
ويقول المسؤول الفلسطيني إن كافة المؤشرات تدلل على خسائر اقتصادية كبيرة للغاية، من بينها ظهور العملة النقدية المعدنية، وهو مؤشر على أن المواطن يفتح حصالة أطفاله ليتدبر أمور يومه، إضافة إلى بيع المصاغات الذهبية، وتبديل العملات من الدينار (المستخدم للتوفير) إلى الشيكل.
ويلفت إلى أن 70 بالمئة من عجلة الاقتصاد تراجعت في نابلس، وبلغت نسبة البطالة نحو 60 بالمئة. ويكمل “يوميا تغلق شركات ويتم إعادة تدوير أخرى، وهناك تراجع في نسبة مبيعات الوقود، الخضار واللحوم، واستهلاك الكهرباء والمياه، وكلها مؤشرات على تردي الوضع الاقتصادي”.
ويتابع “بسبب الحواجز العسكرية تراجع عدد زوار نابلس من 120 ألف زائر يوميا إلى 20 ألف زائر فقط”. ويشير إلى أن 20 بالمئة من البضائع الداخلة والخارجة من نابلس تتلف بسبب الانتظار الطويل تحت أشعة الشمس على الحواجز.
وينوه “فقدت نابلس أحد أهم فئات الزوار مثل فلسطيني الداخل (عرب إسرائيل)، الذين كانت نابلس تشكل نقطة جذب لهم، وتقدر الخسائر بمبلغ 15 مليون شيكل (نحو 4 ملايين دولار) شهرياً”. لافتا إلى أن قطاعات هامة سياحية كالفنادق والمطاعم الكبيرة توقفت عن العمل بشكل كامل.

بدوره، يقول محمد الأسمر صاحب محل لبيع الأحذية، إن “الوضع سيء للغاية والأسواق تكاد تخلو من المتسوقين”.
ويضيف “وجود الحواجز العسكرية يعني خنق المدينة وتحويلها إلى سجن كبير، الجيش يتحكم ويدقق بكل شيء مما يعيق الحركة”.
ويشير الأسمر إلى أن نابلس كانت تستقبل المتسوقين من كافة مدن وبلدات الضفة الغربية، ومن فلسطيني الداخل، ولكن اليوم لا يدخلها سوى من هو بحاجة لأمر ضروري.
وتبدو أسواق نابلس وبلدتها القديمة أشبه بالفارغة، وهي إحدى أشهر الأسواق بالضفة الغربية لتشابه بناؤها بالعاصمة السورية دمشق.
وفي السوق الأخضر وسط نابلس يقول التاجر باسم عواد “الأوضاع صعبة للغاية منذ نحو عامين، ولا يوجد أي استقرار في البلدة، التجارة تكاد تكون متوقفة”.
وتعرضت نابلس على مدار العامين الماضيين لسلسلة عمليات عسكرية إسرائيلية استهدفت بلدتها القديمة ومخيماتها الأربعة. وفيها أربع مخيمات هي بلاطة أكبر مخيمات الضفة الغربية، ومخيمي عسكر القديم والجديد، ومخيم عين بيت الماء.
ومساء الأربعاء الماضي، قتلت قوات خاصة إسرائيلية 4 فلسطينيين كانوا في مركبة شرق المدينة بدعوى أنهم مطلوبون، بحسب مصادر محلية وطبية.
ووسع الجيش الإسرائيلي عملياته كما صعد المستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر 2023، بالتزامن مع حرب الإبادة التي تشنها تل أبيب على قطاع غزة.
وخلفت الحرب الإسرائيلية المتواصلة في غزة أكثر من 140 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.