نائل العدوان: القراءة للجميع والنص الأدبي يجب أن يحتمل كل الأطياف

لكل كاتب منظوره الخاص الذي من خلاله يتأثر بالواقع ويؤثر فيه، ومنه يصنع كل روائي رؤية وروحًا خالصة وخاصة به، وتتبيّن ملامح مشروعه الأدبي المغايرة عن مجايليه حتى وإن كانوا جميعًا رازحين تحت وطأة الواقع ذاته. “العرب” حاورت الروائي الأردني نائل العدوان حول ملامح تجربته الأدبية انطلاقًا من روايته الأخيرة “كأنه الموت”.
يقارب الروائي الأردني نائل العدوان في روايته الأخيرة “كأنه الموت” فكرة وفلسفة الموت، وهي ثيمة حاضرة لدى كثير من كُتّاب الجيل الجديد.. يُبين العدوان أن فكرة الكتابة عن الموت لازمته سنوات طويلة، وارتبطت بدايتها بالكتابة عن الوقت، فالوقت يفضي دائماً إلى انتهاء الحياة، فلا وجود للسرمدية والخلود إلا إذا دخلت في حيز الموت ذاته، الموت الذي وإن ادعينا معرفته، إلا أننا في الحقيقة نعرف القليل عنه فقط.
يرى الكاتب أن ثمة مذاقًا خاصًا للكتابة عن الأمور الخافية والتي لا نعلم الكثير عنها، إذ تعتريه الرغبة دائماً في أن يسأل الأسئلة المحرمة، وبقدر تعلق الرواية الأخيرة بالحديث عن الموت فإن الجزئية التي تناولها هي سؤال واحد عن شعور الموت، فلو تسنى لشخص مُقبِل على الموت وصف الشعور، فكيف سيكون؟
فلسفة الكتابة
يُبين العدوان أن هاجسه الأسمى في الكتابة هو الإنسان، بكل تفاصيل حياته أو مماته، المشاعر والوجدانيات لديه، الإخفاقات والنجاحات، فالكتابة عن فلسفة الحياة ذاتها تجذبه، ويأتي الحدث والشخوص لخدمة الفكرة الرئيسية التي يتحدث عنها في رواياته، الفكرة الواحدة التي تتشكل طوال فصول الرواية عبر خط واحد يفضي إلى تعدد الشخوص وتفرع الأحداث لكن ببقاء النص محتفظاً بالفكرة الرئيسية.
يتابع “في ‘كأنه الموت‘ كانت الفكرة الواحدة هي الموت وكيف يكون الوقت صانعاً مهماً لفكرة الحياة والموت، تعمدت النبش في هذا التابو الذي يخاف الكثيرون الحديث عنه، وفي ‘مذكرات من تحت بيت الدرج‘ كانت الفكرة أيضا متعلقة بخط وحيد وهو تحول العقل إلى حالة الجنون وانهيار الجدران العازلة له عن الحرية وتفسخ النظريات العقلانية الجدية بانقطاع هذا الخط أو تعرجه، طرحت عدة قضايا اجتماعية وجدتها مهمة لاكتمال حالة السرد من تحت بيت الدرج خاصة بالطفل والعنف ضد المرأة، والظلم عندما يأتي من الأب إضافة إلى حالة الفساد السياسي، والإعلام المأزوم، وغيرها. وفي ‘غواية لا تود الحديث عنها‘ كان الحديث عن الروح والجسد وخط جديد وحيد عن مآل هذه الروح في حال زوال الجسد”.
لا يجد العدوان ضرراً في أن يترك الكاتب بعض بصماته في أحداث الرواية، وحتى في بعض شخوصها، ولا يميل في كتاباته إلى الفصل التام وعدم حضوره في النص، فهو يعتقد أن هذا الغياب لن يخدم مجريات الرواية وهو ضروري لتحديد هوية الكاتب وأسلوبه ولتمييزه عن الآخرين، فلا بد أن يكون الكاتب حاضراً في النص حتى لو كان ذلك من وراء حجاب، إضافة إلى أن النص لن يكون مكتملاً دون حضور الكاتب وإضفاء روحه بين السطور، فهو يعتبر أن أجمل الروايات هي تلك التي يستطيع كاتبها إيصال الفكرة بسهولة، ووصف المشاعر أو الأحداث بروية دون الحاجة إلى الابتذال والتصنع، هذا النوع من الكتاب يُسقط بشكل أو بآخر شخصيته على النص، وتبدو واضحة عند بعض كتاب الرواية المعروفين من أمثال باولو كويلو وميلان كونديرا وغيرهما، ناهيك عن أن الحضور سيكون مبطناً ومتغيراً حسب الحدث والشخوص”.
يستطرد “القارئ العارف لشخص الكاتب، سيدرك ذلك بسهولة، أما بقية القراء فلن يلاحظوا حضور الكاتب إلا إذا أعلن الكاتب ذلك، وهنا تكمن خطورة أن يتحول العمل إلى سيرة ذاتية لا إلى رواية، فيسرد الكاتب قصة حياته مفترضاً أنه يكتب رواية، وهي في الحقيقة سيرته الذاتية لا غير، خاصة إذا ارتبطت هذه السيرة بمكان ما”.
يقول العدوان “معظم شخصيات رواياتي تأتي من واقع المجتمع، لا توجد شخصيات حقيقية بمسمياتها، لكنها واقعية وتستطيع إيجادها في المجتمع بسهولة، شخصية الأب والأم والمسؤول وممثل الشعب والسجان والفاسد أو المصلح، هي شخصيات نعيش ونتعايش معها في كل يوم، لا يستطيع الكاتب الانسلاخ عن واقع مجتمعه، ولا أحبذ أن تكون الشخصيات من خارج المجتمع إلا إذا اقتضى النص ذلك، ولا بد أن يكون هنالك توافق بين سير القصة والشخوص والمكان، فلا يجوز أن تكون شخصيات الرواية بعيدة عن السياق المجتمعي”.
روح الكاتب
يلفت الكاتب الأردني إلى أنه ما بين عمله الأول “مذكرات من تحت بيت الدرج” وعمله الأخير “كأنه الموت” لم تتغير أفكاره وقناعاته، ولكن ثمة تغيرات في المعالجة الروائية والرؤية العامة للكتابة.
التكنيك المستخدم في بناء الرواية وكيفية البناء ذاته هما من الأمور التي يمكن تطويرها وتحسينها وليس الكتابة الروائية، فهو لا يؤمن بنظرية المحاولة والفشل في فن الرواية، فالرواية الجيدة تفرض نفسها بحكم روح الكاتب وليس بحكم اللغة الرصينة أو المعقدة.
ويضيف “الطابع الخاص بي أو الهوية لنوع الكتابة هي التي أحرص على عدم تغيرها بمرور الوقت، فهي الروح التي تميز الكاتب عن غيره وهي برأيي البصمة الهامة في أعمال الكاتب الأدبية، وقد حاولت في كل أعمالي الأدبية أن أبعث الأمل وأبثه رغم الحزن الذي قد يلمسه القارئ بين ثنايا الرواية، الأمل والطاقة الإيجابية التي دونها سيتحول الكائن إلى جماد لا نفع منه”.
يتابع “الاختيار الأهم برأيي هو الفكرة التي ستنتهي بها الرواية أو القصة، أي الموضوع الذي سيكتب عنه، ومن ثم كيفية معالجة القصة ذاتها من حيث حبكة الأحداث مع عدم غياب الإثارة والتشويق، أما القالب وتكنيك كتابة الرواية فيأتيان لاحقاً، وبالمجمل فإن العمل لا يمكن تجزئته فهو مكون متكامل منذ بدء الفكرة واختيار موضوع الكتابة إلى انتهاء العمل، فهو وحدة مترابطة يؤدي الإخلال بأي جزء منها إلى فشل العمل”.
يوضح العدوان أنه يحرص في كتاباته على ألا ينحاز إلى قارئ معين، فالقراءة للجميع والنص الأدبي يجب أن يحتمل جميع الأطياف بغض النظر عن اختلاف الثقافة أو الجنس أو المكان، لكن في الوقت نفسه يجب الأخذ بعين الاعتبار عدم التعقيد والوضوح في طرح الأفكار وسهولة سير الأحداث ومنطقيتها واحترام عقل القارئ، والبعد عن الأحداث غير المبررة.
الاختيار الأهم للكاتب هو الفكرة التي ستنتهي بها الرواية أو القصة، أي الموضوع الذي سيكتب عنه، ومن ثم التقنيات
ويرى أن الأدب يدخل في صلب التغيير في ثقافة المجتمعات بالطرق المختلفة والأجناس المتعددة له كالقصة والرواية والشعر والمسرح وغيرها، وأن الكلمة هي الأصل في التغيير وإحداث فرق في حياة المجتمعات وتعدد الثقافات، فمن دون الكلمة لن يحدث أي تغيير يذكر، بالرغم من أن التغيير الأكبر في حياتنا هذه الأيام قد جاء بفعل انتشار التكنولوجيا وسهولة التواصل الاجتماعي بين الأفراد بغض النظر عن البعد الجغرافي والاختلاف بين الأجناس، فالتكنولوجيا قرّبت المسافات ونقلت الثقافات بأبعادها المختلفة بخيرها وشرها، وهنا تكمن أهمية الأدب بنقل الثقافة الصحيحة وتصويب العطل الذي أصاب الثقافة العربية هذه الأيام.
ويختم العدوان بالحديث عن الرواية الأردنية قائلًا “أثبتت وجودها خلال العقدين الماضيين عن طريق ظهور جيل من الشباب استطاع كتابة روايات نافست في عدة محافل عربية ودولية، على طريق رواد الرواية الأردنية الذين أسسوا لهذا الجنس الأدبي كعقيل أبوالشعر وتيسير السبول وغالب هلسا ومؤنس الرزاز. ويمكن القول إن مستقبل الرواية الأردنية مرهون بالجدية في الكتابة وإفراز الأفضل والاهتمام الرسمي بها بشكل مؤسسي بعيداً عن المحاباة والتمييز.