نائبان في البرلمان الأوروبي في قلب قضية قطر غيت

بروكسل – يبدو أن حلقات مسلسل فضيحة الفساد التي هزت البرلمان الأوروبي في ديسمبر الماضي لا تزال متواصلة إثر إقرار محامي النائب الأوروبي مارك تارابيلا الأحد بأن موكله أجرى زيارة مدفوعة التكاليف إلى قطر دون الإعلان عنها، بعد أيام على إقرار النائبة ماري أرينا بأنها لم تعلن عن زيارة مماثلة إلى الإمارة، وذلك في سياق شبهات فساد داخل البرلمان الأوروبي.
وبعد توجيه تهم فساد لأربعة أشخاص على خلفية علاقتهم بقطر، طلبت السلطات القضائية البلجيكية رفع الحصانة عن الإيطالي مارك تارابيلا المقرب من بيار أنطونيو بانزيري، عضو البرلمان الأوروبي السابق المتهم في القضية والذي تم ضبط 600 ألف يورو نقدا في منزله.
ونفى تارابيلا الذي تم تفتيش منزله أيضا، تورطه في قضايا فساد، لكن النائب الاشتراكي أقرّ بالقيام بزيارة مدفوعة التكاليف إلى قطر في فبراير 2020 من دون إعلام البرلمان، رغم أنه ملزم بذلك.
وقال محاميه مكسيم تولر على قناة "آر.تي.أل" البلجيكية "تمت دعوته... لحضور مؤتمر. المنظمة دفعت التكاليف".
وأضاف "لم يعلن عنها حينذاك... ثم توجه إلى غانا، ثم أصيب بكوفيد... ذكّرته مساعدته بأن يعلن عنها، لكن المهلة انقضت".
وشدد المحامي على أن موكله "سيصحح الأمور... لا شيء غير قانوني في أن تدفع منظمة ما تكلفة زيارة"، مؤكدا أن النائب الأوروبي "ذهب لمشاهدة تشييد الملاعب وطلب مقابلة عمال".
وكان مارك تارابيلا قد نوّه في البرلمان الأوروبي في نوفمبر بـ"التطور الإيجابي" للحقوق في قطر، باسم "السياسة الواقعية" و"التشجيع"، بحسب محاميه مكسيم تولر.
وحاول المحامي أيضا شرح علاقة "الصداقة" بين موكله وبيار أنطونيو بانزيري، قائلا إن الأخير "ليس مواطنا إيطاليا عاديا... انتخب ثلاث مرات في البرلمان الأوروبي، شخص محترم جدا... من المحتمل جدا أنه نصح تارابيلا بقول ذلك"، مشددا في الآن نفسه على أنه لا يتصور "أن النائب الإيطالي" يمكن أن "يستغل صداقتهما ماليا".
وكانت النائبة الاشتراكية البلجيكية في البرلمان الأوروبي ماري أرينا قد أقرّت الأربعاء بأنها لم تعلن عن زيارة إلى قطر في مايو 2022 دفعت الإمارة تكلفتها، وبررت ذلك بـ"نسيان" طاقم مكتبها، مشيرة إلى أن الإعلان يتم عبر "وثيقة معقدة إلى حد ما"، وفق ما نقلت عنها وسائل إعلام بلجيكية.
وقد استقالت أرينا من رئاسة اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، وهو منصب سبق أن شغله بيار أنطونيو بانزيري.
وصرّحت النائبة لوكالة "بيلغا" أن "القرار اتخذ في ضوء الهجمات السياسية والإعلامية التي تمس صورتي"، مكررة أن "ليس هناك ما يمكن أن تتهم به". ولم تخضع أرينا إلى عمليات تفتيش ولم يوجه طلب لرفع الحصانة عنها.
وتعلن رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا الاثنين رسميا سلسلة إجراءات إصلاحية تهدف إلى معالجة تبعات فضيحة فساد مدوية، حذّر نواب وخبراء من أنها ستبقى ما دون المطلوب لإعادة الثقة بالمؤسسة البرلمانية القارية.
وبات البرلمان الذي يضم في عضويته نوابا من مختلف دول الاتحاد الأوروبي، تحت المجهر منذ اكتشاف فصول الفضيحة قبل زهاء شهر مع توقيف إحدى نائبات ميتسولا، في أعقاب مداهمات نفّذتها الشرطة البلجيكية لمنازل نواب حاليين وسابقين، ومعاونين برلمانيين ورؤساء منظمات غير حكومية عملت مع النواب.
ويحقق الادعاء البلجيكي في اتهامات بالكسب غير المشروع في البرلمان متصلة بقطر والمغرب، بعد مداهمات تمت خلالها مصادرة زهاء 1.5 مليون يورو نقدا.
وفي حين نفت الدوحة أي ضلوع لها في القضية، أكدت الرباط أنها ضحية "هجمات إعلامية" غير مبررة على خلفية مزاعم الفساد.
وفي إطار القضية، أوقفت الشرطة النائبة اليونانية إيفا كايلي، وهي من النواب الأربعة عشر لرئيسة البرلمان الأوروبي. وأقيلت كايلي من منصبها في أعقاب الفضيحة، علما بأنها نفت عبر محاميها علمها بوجود المبالغ المالية في منزلها.
ولا تزال كايلي رهن التوقيف مع ثلاثة مشتبه بهم إيطاليين، هم صديقها فرانشسكو جورجي الذي كان معاونا برلمانيا، والنائب الأوروبي السابق بيير أنطونيو بانزيري، ونيكولو فيغا - تالامانكا، وهو مسؤول في منظمة "نو بيس ويذاوت جاستس" غير الحكومية المتهمة بدفع مبالغ لنواب أوروبيين.
ووجه القضاء البلجيكي إلى الأربعة اتهامات بشأن "تشكيل عصابة إجرامية والفساد وتبييض الأموال"، في حين فتحت كل من إيطاليا واليونان تحقيقا خاصا في الملف.
وتعهدت ميتسولا بالعمل سريعا على "تعزيز النزاهة والاستقلالية والمحاسبة" في البرلمان، معتبرة أن الفضيحة تظهر أن الديمقراطية الأوروبية "تتعرض لهجوم".
وستفتح رئيسة البرلمان جلسته العامة الأولى لعام 2023 في مقره بستراسبورغ في شرق فرنسا، بالإعلان رسميا عن إجراءات تشمل تقييد نفاذ النواب السابقين إلى البرلمان، وقيود على تسجيل أفراد من خارج المؤسسة يلتقون أو يتحدثون أو يمارسون الضغوط في البرلمان، وضرورة تسجيل النواب الأوروبيين رسميا الهدايا التي يتلقونها ورحلات السفر مدفوعة التكلفة التي يقومون بها، وإجراءات عقابية للمخالفات.
لكن خبراء قانونيين وعددا من النواب البارزين، اعتبروا أن هذه الإجراءات غير كافية.
ورأى أستاذ القانون الأوروبي في كلية إدارة الأعمال الفرنسية HEC ألبرتو أليمانو أن "هذه القواعد القليلة لن تكفي لإرساء ثقافة سياسية جديدة في البرلمان الأوروبي".
وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية أن "الفضيحة هي أخطر بكثير من غيرها بالنسبة إلى مصداقية الاتحاد الأوروبي (...) كنا نتوقع رد فعل جديا وبنيويا أكثر من السابق".
وعلى صعيد النواب، رأى رئيس كتلة "رينيو" الوسطية في البرلمان الفرنسي ستيفان سيجورنيه أن الفضيحة أظهرت الحاجة إلى إنشاء هيئة ضمن الاتحاد الأوروبي مهمتها ضمان "الشفافية في الحياة العامة على المستوى الأوروبي".
وسبق للمفوضية الأوروبية أن طرحت فكرة كهذه، إلا أنها لم تبصر النور.
وطالب النائب عن حزب الخضر الألماني دانيال فرويند بأن يكشف النواب عن ممتلكاتهم مع بدء ولايتهم وفي ختامها، وأن يتم تعزيز الحماية الممنوحة لكل المبلّغين عن أنشطة غير قانونية.
وشددت النائبة اليسارية مانون أوبري على أنه "من غير المقبول" التغاضي عن إصلاحات أوسع نطاقا طالب بها النواب فورا بعد كشف الفضيحة.
وفي مطلع يناير، وبناء على طلب المدعين البلجيكيين، بدأ البرلمان الأوروبي إجراءات رفع الحصانة عن نائبين آخرين هما البلجيكي مارك تارابيلا الذي تمت مداهمة منزله في ديسمبر، والإيطالي أندريا كوزولينو.
ويتوقع أن تطغى الفضيحة على الجلسة العامة للبرلمان هذا الأسبوع.
وبعد تقديم ميتسولا للإصلاحات، سيقوم البرلمان الأربعاء بالتصويت على من سيشغل مقعد نائب الرئيسة الشاغر منذ إقالة كايلي.
ويحذّر مراقبون من أن الفضيحة التي أطلق عليها عدد من النواب ووسائل الإعلام اسم "قطر غايت"، قد تلقي بظلالها على الانتخابات المقبلة للبرلمان المقررة في غضون 18 شهرا.
ورأى أليمانو أن ردّ فعل الرأي العام على الفضيحة "أقوى، أكثر بكثير، مما يريد القادة الأوروبيون أن يقرّوا به".