مي شدياق هل ستمثل إحدى عقبات تشكيل الحكومة اللبنانية

يوم الخامس والعشرين من سبتمبر العام 2005 لم يكن يوما عاديا في حياة الإعلامية اللبنانية مي شدياق، وبالتأكيد لم يكن بعده كما قبله. ففي ذلك اليوم المشؤوم حاولت القوى الظلامية اغتيال رمز من رموز الإعلام الحر الذي رفع صوته عاليا في وجه الاحتلال السوري، كما في وجه هيمنة حزب الله بسلاحه على الحياة السياسية في لبنان، لكن القدر، على حد تعبيرها، ساهم في إفشال مخططهم لإسكاتها، على الرغم من الآلام المبرحة التي لا تزال تسكن جسدها، إلا أن إرادتها الصلبة وقناعتها التي لا تتزحزح وإيمانها القوي بالله ساهمت في تغلبها على كل مصاعبها والمضي في مسيرتها الإعلامية والنضالية وصولا إلى تسميتها من قبل “القوات اللبنانية” وزيرة للثقافة في الحكومة العتيدة القادمة.
ماذا خلف الكواليس
لكن خلف كواليس الأزمة الحكومية التي يعيشها لبنان في ظل تكاثر “العقد” المصطنعة التي ترمى في وجه رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، هناك من يحاول أن يصوّر ترشيح شدياق لمنصب وزاري على أنه “عقدة” مخفية، فكيف لسيدة هي “شهيدة حية” على القمع الذي حاول النظام الأمني اللبناني-السوري ممارسته أثناء فترة الوصاية، أن يقبل بعودة هذا الصوت الصارخ في وجهه لتبوء منصب حكومي في وقت يسعى لاستغلال فائق القوة التي يشعر بها بعد النجاح الذي حققه في وجه ثورة الشعب السوري، وفرض شروطه على تشكيل حكومة يكون له فيها الوزن والثقل اللذان يمهّدان لعودته إلى لبنان؟
ولدت شدياق في 20 يوليو 1963 في بيروت وعملت في إذاعة “صوت لبنان” أثناء متابعة دراستها لمادة الإعلام في الجامعة اللبنانية في عام 1982. وفي عام 1985 عملت في “المؤسسة اللبنانية للإرسال” مع بداية انطلاقها، واعتبرت واحدة من المذيعين الرئيسيين فيها، وفي أكتوبر 1990، انتقلت إلى سويسرا للعمل في السفارة اللبنانية هناك، وعادت إلى لبنان مع نهاية العام 1991. وهي تحمل درجة الدكتوراه في الصحافة من الجامعة اللبنانية، ومارست التعليم في جامعة “سيدة اللويزة”.
مع عودة شدياق إلى الإعلام المرئي، عادت إلى شاشة “المؤسسة اللبنانية للإرسال” حيث شاركت في تقديم برنامج “نهاركم سعيد” إلى جانب تقديم نشرات الأخبار، إلى أن منحتها المحطة فرصة تقديم برنامجها السياسي الخاص “بكل جرأة” وهو كان فعلا اسما على مسمّى، حيث أنها لم تتوان عن قول ما تريده أثناء محاورة ضيوفها الذين كانت تقول إنها لم تخضع يوما لضغوط سياسية لاختيارهم، وكانت تعتبر أن هذا البرنامج منبرها الخاص ويحلو لها أن تقول منه وعبره ما تريد في السياسة.
ثمن الجرأة
صوت شدياق كان قويا صارخا في وجه النظام الأمني اللبناني والسوري، وترفض بقوة الوجود السوري في لبنان، وتدعو إلى تطبيق اتفاق الطائف كما ورد وخصوصا في ما يتعلق بالوجود السوري وانسحابه التدريجي من لبنان.
عادت لاحقا بعد محاولة اغتيالها بعشرة أشهر إلى “المؤسسة اللبنانية للإرسال” مع برنامج “بكل جرأة”، غير أنها في 4 فبراير عام 2009، وفي ختام الحلقة التي استضافت فيها النائب والوزير السابق أيلي ماروني، أعلنت أنها قررت بعد 30 عملية جراحية خضعت لها خلال ثلاث سنوات نتيجة محاولة اغتيالها، اعتزال مهنتها، في مفاجأة كانت مدوية بالنسبة للمشاهدين كما لماروني نفسه الذي صدرت منه عبارات التعجب الشديد مباشرة على الهواء، وهي لم تخف أنها تعرّضت لحرب شعواء من قبل “زملاء” لها في المحطة، غير أنها توجهت إليهم بالقول “أنا أقرر متى أنسحب وليس أنتم”.
وكشفت في معرض تبريرها لقرار الاعتزال أنها لم تعد تقبل تدخلات “عناصر أمنية” في منع ضيوفها من المشاركة في برنامجها، وأن “يقفل نائب خط هاتفه قبل ساعة واحدة من موعد مشاركته في الحلقة ويغيب عنها”، كل ذلك الكلام فيه اتهامات واضحة إلى النظام الأمني الذي كان يتدخل في شتى البرامج التلفزيونية الحوارية ويقرر من يجب أن يشارك من السياسيين ومن يجب مقاطعته.
ختمت شدياق حلقتها بإعلان “أمنية” وهي أن “يتفق الشيخ بيار الضاهر رئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال مع الدكتور سمير جعجع” في إشارة إلى الدعاوى التي تتعلق بملكية المحطة والتي ينتظر صدور الحكم القضائي فيها في فبراير المقبل.
المضحك المبكي
حازت شدياق في 3 مايو عام 2006 على جائزة اليونسكو “غييرمو كانو” لحرية الصحافة، وفي 27 أكتوبر عام 2006 منحتها مؤسسة “إعلام المرأة الدولية” جائزة الشجاعة في الصحافة، كما منحها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك جائزة جوقة الشرف الفرنسية.
تقول شدياق “أنا أعيش واقع المضحك المبكي. أحاول أن أكون قاسية نوعا ما، لكن الطبع يغلب التطبّع، وهذا طبعي وأنا متفائلة دائما به، وأنظر دوما إلى النصف الملآن من الكوب، وفمي لوحده يرسم الابتسامة على شفتيّ، وحكمتي المفضّلة التي أتبعها في الحياة هي (اضحك تضحك لك الدنيا، ابكِ تبكِ وحدك). وربما لو أن الله لم يعطني تلك النعمة لكانت حالتي أسوأ بكثير”.
ولا تعتبر شدياق أن طرح اسمها لموقع سياسي سواء كان نيابيا أو وزاريا “سيضيف لها شيئا”، إذ بالنسبة لها، فإن “خوض العمل السياسي هو بمثابة منبر لإيصال صوتي، لأن ما استطعت إنجازه على مستوى شخصي حتى الآن، يجعلني غير محتاجة للقب أو منصب، فهو لن يزيد من شهرتي لأنني صرت معروفة عالميا. وقد أطلقت مؤسسة على مستوى دولي إن من ناحية المؤتمرات أو ورش العمل أو الجوائز، ولم يكن أحد يتخيل أن أحقّق كل ما حققته في غضون ثلاث سنوات. ومازلت أؤلّف كتبا معمّقة غير سطحية، فقد استغرق معي كتابي الأخير 15 عاما من العمل والبحث والتحضير. وإذا عرض عليّ منصب وزاري، لن أتكبّر على النعمة، لكنه ليس هدفي الذي أضعه نصب عينيّ”.
في الذكرى الرابعة لمحاولة اغتيالها، أطلقت شدياق مؤسسة “مي شدياق” التي “تسعى لتأمين المساعدات المعيشية والاجتماعية لذوي الحاجة ومساعدتهم في تطوير قدراتهم الثقافية، ودعم النشاطات الإعلامية، ولا سيما من أجل إبراز الوجه الثقافي والعلمي والحضاري للبنان”، وذلك في احتفال ضخم حضرته شخصيات سياسية واجتماعية واقتصادية بارزة، وأطلقت معها جائزة سنوية تمنح لأفضل عمل في المجال الإعلامي.
شدياق التي لا تتوب
شدياق التي انضمت إلى قافلة “الشهداء الأحياء” الوزير والنائب مروان حمادة، ونائب رئيس مجلس الوزراء السابق إلياس المر اللذين نجيا من الاغتيال قبل وبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقافلة شهداء 14 آذار، أطلقت بعد محاولة اغتيالها العديد من المواقف السياسية سواء خلال المقابلات الصحافية التي كانت تجريها، أو من خلال موقع “تويتر” للتواصل الاجتماعي الذي أضحى إحدى الوسائل المفضلة لدى السياسيين لإيصال الرسائل والمواقف، ولم توفّر أحدا من “خصومها” في السياسة كما “حلفائها”.
أحد أشهر مواقفها ذلك الذي ردّت فيه على المؤتمر الصحافي الذي عقده اللواء جميل السيّد معلنا فيه ترشّحه للانتخابات النيابية والتزامه خط المقاومة. قالت في تغريدة عبر تويتر “رجل مخابرات النظام الأمني السوري يستبق وصوله إلى البرلمان بمؤتمر صحافي يصرّ فيه على تذكيرنا بزمن الاحتلال. أسوأ مشهد وأفظع منطق. يتنطح في الكلام عن الفساد متناسيا الأصوات التي تسأله من أين لك هذا؟”.
كذلك ردّت عليه بعد انتخابه نائبا عقب الهجوم الذي شنه على جعجع، قائلة “عميل للنظام كان حافظ الأسد يطبطبله عخده لتنفيذه التعليمات بإتقان، انتخب نائبا بطلب سوري مباشر من الحزب، يكمل مهمته بالهجوم على الدكتور سمير جعجع، مفكر رح يعمل شعبية”.
شدياق انتقدت أيضا الرئيس سعد الحريري خلال الاحتفال الذي أقامه في قاعة “البيال” بمناسبة ذكرى 14 شباط في العام الحالي، عندما غادرت القاعة لعدم وجود مقعد مخصص لها في الصفوف الأمامية، فتوجهت إليه عبر “تويتر” قائلة “من يصغر عقله تتعب رجلاه”، لكن الحريري الذي اعتبر أن الخطأ بروتوكولي، عاد واستقبلها عقب تسميتها من قبل “القوات اللبنانية” لشغل منصب وزيرة الثقافة، “وبحث معها الأوضاع العامة” حسب البيان الرسمي الذي صدر عن مكتبه.
وفي الذكرى الثالثة عشرة لمحاولة اغتيالها التي مرت مؤخرا، وجه جعجع تحية لمي شدياق من خلال صفحته الخاصة في ‘فيسبوك’ بنشره صورة تعود لها، كاتبا عليها “وخرجت ذهبا من اختبار النار”.
“فراشة النضال” كما وصفها تقرير إخباري أنتجه حزب “القوات”، هكذا كانت قبل محاولة اغتيالها، لم تتغيّر بعدها، ويحلو لبعض خصومها أن يبرروا لها عنفها الكلامي على أنها “مجروحة” في صميمها ولا بأس في أن تقول ما تشاء، لكن السؤال الذي يجري التداول به اليوم هو “هل يمكن تحملها في منصب حكومي؟”.