ميليشيات تنتزع بالقوة تاجر مخدرات من أيدي القوات الأمنية أمام محكمة عراقية

انتزاع تاجر مخدّرات بالقوة من أيدي السلطات العراقية يمثّل، من جهة مظهرا على مدى تغوّل الميليشيات في العراق وتحدّيها لسلطة الدولة وقوانينها، كما يكشف من جهة ثانية نهم تلك الميليشيات للمال وعدم توفيرها لأي وسيلة للحصول عليه بهدف تغطية أنشطتها المكلفة وضمان استدامة تسلّحها ورفد صفوفها بالمقاتلين.
ميسان (العراق)- تحدت ميليشيات مسلحة تردي زيا عسكريا سلطة الحكومة العراقية، وانتزعت تاجر مخدرات بالقوة من أمام محكمة في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان في جنوب العراق.
وهرّب عناصر الميليشيات المدججون بأسلحة حديثة تاجر المخدرات في وضح النهار، وبعد ساعات من إلقاء القبض عليه ونقله بأربع سيارات رباعية الدفع من طراز تاهو أميركية الصنع.
وقال مسؤول في الشرطة العراقية رفض الكشف عن هويته “هاجم المسلحون مجموعة من نحو مئة عنصر شرطة كانوا يتولون نقل تاجر المخدرات إلى محكمة” في المدينة المحاذية لإيران.
واعتقل المتهم منذ نحو 24 ساعة وكانت بحوزته كميات كبيرة من المواد المخدرة. وقدم للقضاء بحراسة العشرات من رجال الشرطة الذين فشلوا في مقاومة المسلحين.
وأكد مسؤول في الشرطة العراقية أن المسلحين نفذوا العملية لصالح “جهة نافذة”. في إشارة إلى الميليشيات الشيعية. وتقول مصادر أمنية عراقية إن تجارة المخدرات الإيرانية تعدّ الآن أبرز مورد لتمويل أنشطة الميليشيات الشيعية في العراق.
ويوفر هذا النوع من التجارة تمويلا مستداما بعدما تراجع حجم الأموال التي تحصل عليها الميليشيات الشيعية التابعة لإيران عبر مؤسسات الدولة، بسبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تمر بها البلاد وتضييق حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي العمل على الميليشيات في دوائر الدولة.
وخلال الأعوام الثلاثة الماضية لعبت المخدرات دورا في توفير الملايين من الدولارات للميليشيات الشيعية التابعة لإيران في العراق، وأسهمت في معالجة عجز التمويل الناجم عن توقف معظم مشاريع الدولة التي كانت تدر الأرباح في السابق.
وأصبحت محافظة ميسان التي تعدّ ضمن أفقر المناطق في العراق ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، واحدة من أبرز مناطق التهريب للمخدرات في البلد. وتسيطر في هذه المنطقة فصائل موالية لإيران على التهريب وتنجح مرارا في فرض سطوتها على السلطات المحلية.
في الأثناء، أصيب ثلاثة عناصر من استخبارات الشرطة بجروح بعد إطلاق النار عليهم بسلاح من نوع كلاشينكوف، خلال عملية دهم لمنزل تاجر مخدرات في شارع فلسطين في وسط بغداد، وفق ما أفاد مصدر طبي، وأحدهم إصابته خطرة.
وارتفعت نسبة استهلاك المخدرات بشكل كبير في العراق خلال السنوات الماضية، فيما كان يعدّ معبرا في زمن النظام السابق قبل عام 2003 للمواد المخدرة المصنعة في إيران أو أفغانستان، باتجاه أوروبا.
وطور الإيرانيون مادة مخدرة شديدة التأثير تدعى “الكريستال”، وعملوا على نشرها بكثافة في العراق، حتى تحولت إلى المرتبة الأولى في معدل الاستهلاك. ويقول خبراء في مجال مكافحة المخدرات إنّ “الكريستال” الإيراني يترك أثرا رهيبا على الجهاز العصبي، ويدفع من يتعاطاه إلى القيام بأعمال في غاية الخطورة.
وأصبحت ظاهرة تهريب المخدّرات تشكّل عبئا أمنيا على السلطات العراقية في مختلف المناطق الحدوية مع إيران من شمال العراق إلى جنوبه، في ظل مخاوف من تداخل الظاهرة مع ظاهرة الإرهاب التي يبذل البلد جهودا مضنية للتغلّب عليها.
وسبق لمسؤول كبير في محافظة ديالى الحدودية مع إيران أن أكّد وجود أرقام رسمية، تثبت أن تسعين في المئة من المخدرات التي تروّج في المحافظة مصدرها إيران، قائلا “الحدود المشتركة بين العراق وإيران تنشط بها عصابات محترفة تقوم بعمليات تهريب لمختلف أنواع المخدرات”، معتبرا أن “ما يحدث يمثل مؤامرة يراد منها خلق آفة تهدد المنظومة الاجتماعية وتزيد من أعباء المشهد الأمني باعتبار الإدمان وسيلة لخلق المجرمين وللإضرار بالصالح العام في اتجاهات مختلفة”.
100 شرطي مكلفون بحراسة تاجر المخدرات فشلوا في مقاومة المهربين من عناصر الميليشيات
وجاءت عملية انتزاع تاجر المخدّرات من أيدي القوات الأمنية في ظل القلق الشعبي البالغ في الداخل العراقي من تنامي نفوذ الميليشيات وأنشطتها السلبية، حيث السلاح المنفلت وشيوع عمليات الخطف ضد النشطاء والصحافيين، وتحول عمليات ابتزاز التجار وأصحاب رؤوس الأموال إلى ما يشبه باب التمويل الثابت لدى الجماعات الشيعية المسلحة.
وترى الميليشيات العراقية التابعة لإيران في تحركات الكاظمي لفرض القانون تهديدا وجوديا لها، لاسيما أن هذه التحركات تحظى بتأييد شعبي. وتدرك هذه الميليشيات أن فرض القانون يعني توقف تجارة واسعة تدرّ الملايين من الدولارات عليها، وتسهم في إدامة وجودها وتأمين مستقبل قادتها، لذلك تبدي ممانعة شديدة.
وكان القانون قبل احتلال العراق عام 2003، يعاقب بالإعدام أو بالسجن المؤبد وبمصادرة الأموال بحقّ من تثبت إدانته بتجارة المخدرات، لكن البرلمان العراقي سنّ في العام 2017 قانونا خفّف من العقوبات التي تطال المتعاطين والتجار.