Push Message
https://alarab.co.uk/admin/content

ميليشيات الدبيبة وكارة في مواجهة مصيرية لحسم السيطرة على طرابلس

"جهاز الردع" يتقدم مع تراجع "اللواء 444"، وسط أنباء عن انسحاب قوة كانت قادمة من مدينة مصراتة وفرار مساجين من سجن الجديدة.
الأربعاء 2025/05/14
طرابلس على فوهة بركان

طرابلس - شهدت العاصمة الليبية طرابلس تصاعدا حادا في وتيرة الاشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة منذ مساء الثلاثاء وحتى صباح الأربعاء، وذلك بين قوات "اللواء 444 قتال" التابع لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها بقيادة محمود حمزة، وقوة الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بقيادة عبدالرؤوف كارة، ليُدخل المدينة في دوامة جديدة من العنف والفوضى.

ويأتي هذا الهجوم على مقر "قوة الردع" في أعقاب تحريض متكرر من قبل المفتي المعزول الصادق الغرياني، الذي زعم أن الجهاز يمتنع عن إطلاق سراح عناصر متشددة تنتمي لجماعات جهادية من غرب البلاد وشرقها، فيما ترى بعض الأطراف ضرورة الإفراج عن هؤلاء العناصر وتهيئتهم للمشاركة في أي مواجهات مستقبلية ضد قوات المشير خليفة حفتر.

وأفاد شهود عيان بأن أصوات الاشتباكات لم تهدأ منذ منتصف ليل الثلاثاء/الأربعاء، حيث انتشرت قوات الردع في عدة مناطق تشمل سوق الجمعة ومطار معيتيقة.

وتتركز المواجهات على امتداد حدود طرابلس من بوابتها الشرقية (منطقة السبعة) وصولًا إلى بوابتها الغربية (منطقة السياحية)، بالإضافة إلى منطقة عين زارة جنوبا. وحتى الآن، لم يصدر أي بيان رسمي يوضح حجم الخسائر البشرية والمادية الناجمة عن هذه الاشتباكات.

وتشير المعلومات الميدانية إلى تقدم قوات "جهاز الردع" بعد تراجع قوات "اللواء 444"، كما ترددت أنباء عن انسحاب قوة كانت قادمة من مدينة مصراتة.

وفي بداية المواجهات الثلاثاء، تمكنت قوات "اللواء 444" من السيطرة على مقار تابعة لقوات "جهاز الردع" في عين زارة، إلا أن الأخيرة استعادتها بالكامل في هجوم مضاد، وتوجهت لملاحقة قوات "اللواء 444".

وفي ظل هذه التطورات، أعلنت جمعية الهلال الأحمر بطرابلس حالة الطوارئ ورفعت درجة التأهب القصوى في المدينة، مناشدة المواطنين عبر بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة توخي الحذر والالتزام بتعليمات الجهات المختصة حفاظًا على سلامتهم. كما جرى تحويل الرحلات الجوية من مطار معيتيقة إلى مطار مصراتة وفقًا لسجلات تتبع الرحلات.

من جانبها، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في بيان على موقعها الرسمي عن قلقها العميق إزاء تصاعد أعمال العنف في الأحياء السكنية المكتظة في طرابلس لليلة الثانية على التوالي.

ودعت إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في جميع المناطق المأهولة بالمدنيين، محذرة من أن استمرار الاشتباكات لن يؤدي إلا لزيادة زعزعة الاستقرار في العاصمة وفي عموم البلاد.

كما أكدت دعمها الكامل لجميع الجهود الرامية إلى التهدئة والوساطة، واستعدادها لتقديم مساعيها الحميدة لإنهاء القتال وتيسير الحوار حفاظا على الاستقرار وعلى أرواح وممتلكات الليبيين.

في تطور ينذر بعواقب وخيمة، استغل السجناء المحكومون بأحكام مشددة في سجن الجديدة بطرابلس حالة الهلع والفوضى الناجمة عن الاشتباكات العنيفة التي دارت بالقرب من بوابات السجن، وتمكنوا من الفرار بشكل جماعي. وحذرت الشرطة القضائية في بيان عاجل من أن بعض الفارين مدانون في قضايا جنائية خطيرة، مما يشكل تهديدًا أمنيًا مباشرًا على سلامة المدنيين.

أعلنت وزارة الدفاع الليبية، الأربعاء، عن بدء تنفيذ وقف إطلاق النار في طرابلس، مؤكدة نشر وحدات محايدة في نقاط التماس لضمان التهدئة وحماية المدنيين. وأكدت الوزارة أن هذا الإجراء يأتي في إطار الواجب الوطني للحفاظ على النظام العام.

وبدوره، شدد المجلس الرئاسي الليبي على الوقف الفوري لكافة الاشتباكات المسلحة دون قيد أو شرط والامتناع التام عن استخدام السلاح داخل المناطق المدنية.

وحمل المجلس المسؤولية القانونية الكاملة لكل من يخالف هذا التوجيه أو يساهم في زعزعة الأمن والاستقرار داخل العاصمة، داعيا كافة الأطراف إلى الاحتكام للعقل والحوار، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على أية اعتبارات أخرى.

وأكد الرئاسي الليبي على مواصلة الجهود من أجل توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية وبناء دولة القانون والمؤسسات.

وأهاب المجلس بكافة المواطنين التحلي بالصبر والوعي، وتجنب مناطق التوتر حفاظا سلامتهم، مثمنا دور جميع الأطراف الساعية إلى تهدئة الاشتباكات في طرابلس، وحقن الدماء، ورأب الصدع بين أبناء الوطن الواحد.

.

ولم تعلق حكومة الوحدة الوطنية على الأحداث والاشتباكات الدائرة.

وعلى صعيد الإجراءات الاحترازية، قررت مراقبة التعليم في بلديتي عين زارة وطرابلس المركز تأجيل الامتحانات والدراسة نظرا للتوتر الأمني في المنطقة، حرصا على سلامة الطلبة والمعلمين والموظفين، على أن يتم الإعلان عن مواعيد بديلة للامتحانات لاحقًا.

تعود جذور هذا التصعيد الأخير إلى التوتر الذي بدأ في العاصمة الإثنين، عقب مقتل رئيس "جهاز دعم الاستقرار" عبدالغني الككلي المعروف بـ"غنيوة" واقتحام مقاره والسيطرة عليها من قبل "اللواء 444" مسنودا باللواء 111 مجحفل بقيادة عبدالسلام زوبي وكيل وزارة الدفاع، والقوة المشتركة في مصراتة بقيادة عمر بغدادة، وقوة الإسناد الأولي بمدينة الزاوية تحت إمرة محمد بحرون المعروف بـ"الفار"، وميليشيا من الزنتان يتزعمها عبدالله الطرابلسي شقيق وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي، والذي يتولى مهمة رئيس جهاز الأمن العام بالوزارة.

ثم عاد الهدود لطرابلس صباح الثلاثاء، لكن لم يصمد طويلا لينفجر الوضع الأمني من جديد عقب صدور قرار الدبيبة "حل جهاز الردع لمكافحة الارهاب والجريمة المنظمة"، الذي اعترض عليه الأخير باعتباره أن ذلك من اختصاص المجلس الرئاسي، الجهة التي صدر عنها قرار إنشائه، كما اعتبر القرار انتقائيا لأنه يستهدف أجساما أمنية دون غيرها في إشارة إلى التشكيلات المسلحة التي تنتمي إلى مدينة مصراتة ولها نشاط في العاصمة طرابلس.

وقال عماد الدين بادي، المحلل في المجلس الأطلسي، في تصريح صحافي، إن مقتل غنيوة الككلي له آثار سياسية واقتصادية وأمنية عميقة، مضيفا أن "هذه الإزالة المستهدفة من شأنها أن تغير طريقة تعامل حكومة الدبيبة مع الجماعات المسلحة في غرب ليبيا".

وأشار إلى أن مقتل غنيوة يشكل حادثة غير مسبوقة وقد يؤدي إلى تنامي انعدام الثقة بين الميليشيات نفسها.

وتوقع بادي أن يكون عبدالرؤوف كارة، قائد ميليشيا الردع التي تسيطر على مطار معيتيقة وسجن يحتجز فيه مسلحو تنظيم (داعش)، من بين آخرين، قد يصبح هو الهدف التالي أيضًا.

 واعتبر أن جهاز الردع قد يستبق المخاطر من خلال التفاوض، أو قد يتحصن في المعاقل الاجتماعية في معيتيقة وسوق الجمعة، مشيرا إلى أنه يمكن لحكومة الدبيبة الآن أن تحتل بشكل مباشر المساحة السياسية والاقتصادية التي تركها غنيوة، متجنبة بذلك الاضطرار إلى تقاسم الإدارة.

وتشير تقارير إلى أن المقرات التابعة لجهاز الردع تحتضن سجونا سرية تضم عناصر خطيرة من تنظيم "داعش" على صلة بالمفتي المعزول الصادق الغرياني، وتتردد أنباء غير مؤكدة عن احتمال إطلاق سراح هؤلاء العناصر في حال تمكن الدبيبة من استلام تلك المقرات "سلميا" أو عبر المواجهات المسلحة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول طبيعة هذه الصفقة المحتملة وتداعياتها على الأمن الوطني.

وتعكس الأحداث في طرابلس صراعا معقدا ومتعدد الأبعاد على النفوذ والسلطة، تغذيه دوافع سياسية وأيديولوجية، وله تداعيات أمنية وإنسانية خطيرة، في وقت ينذر غياب حلول جذرية وتصاعد التوتر بين القوى المسلحة بمزيد من عدم الاستقرار والعنف في العاصمة الليبية، فيما تزيد المعلومات حول السجون السرية والصفقة المحتملة لإطلاق سراح متشددين من حالة الغموض والقلق بشأن مستقبل الوضع الأمني في البلاد.