ميليشيات الحشد الشعبي ساق في الحكومة وأخرى في "المقاومة"

الداخلية العراقية تعلن ضلوع عناصر جهاز أمني في مهاجمة المصالح الأجنبية ببغداد.
الأربعاء 2024/06/05
الاستثمار تحت الحراب

ضلوع الحشد الشعبي في مهاجمة مصالح غربية في بغداد يكرّس الوضع الشاذّ الذي تواجهه الحكومة العراقية، والمتمثّل في كون طرف مشارك فيها وجهاز أمني رسمي يفترض أنّه خاضع لإمرتها يعمل بالضدّ من سياستها ويعرقل جهودها لفرض الأمن وبسط الاستقرار، ويخلّ بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي وقوانينه.

بغداد- قالت السلطات العراقية الثلاثاء إنّ مشاركين في الهجمات الأخيرة على محلات تابعة لعلامات تجارية غربية في العاصمة بغداد ينتمون إلى أحد الأجهزة الأمنية.

وأوضحت مصادر مستقلة من جهتها أنّ الجهاز الأمني المقصود هو الحشد الشعبي المكوّن من العشرات من الميليشيات والذي أدمج ضمن القوات النظامية على الرغم من أنّ الفصائل المشكّلة له ما زالت تأتمر بأوامر قادتها الأصليين الموالين لإيران والمطبقين لأجندتها حتى وإن تضاربت مع مصالح العراق.

وتجلّى ذلك مجدّدا في الاعتداءات التي تعرّض لها عدد من المطاعم وفرع شركة أميركية متخصصة في بيع المعدّات الثقيلة وفرع مؤسسة بحثية بريطانية، تحت يافطة دعم غزّة والمشاركة في “مقاومة” إسرائيل.

ويشكّل ضلوع الحشد المفترض أنّه جهاز أمني رسمي مكلّف مثل غيره من الأجهزة بضمان أمن البلد وحماية استقراره، حرجا مضاعفا لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني، وخصوصا إزاء الشركاء الدوليين الذين تحاول الحكومة إقناعهم بأنّ البلد بات ينعم بالاستقرار وأنّه لم يعد في حاجة إلى البعثة الأممية العاملة على أرضه، وكذلك للقوات الأجنبية التي شاركت في الحرب ضد تنظيم داعش ضمن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة.

علي الفتلاوي: مقرات الشركات والمطاعم الأجنبية واجهات مخابراتية
علي الفتلاوي: مقرات الشركات والمطاعم الأجنبية واجهات مخابراتية

كما تعمل حكومة السوداني بتسويقها صورة إيجابية للوضع الأمني في العراق على جلب المستثمرين الأجانب للمشاركة في المخطّط التنموي الذي تعمل على تنفيذه، لكن الهجمات الجديدة توجّه ضربة مباشرة لهذا المسعى.

وما يضاعف من حرج الحكومة أن الأطراف الضالعة في الهجمات ممثلة داخلها ومساهمة في تشكيل مظلّتها السياسية المتمثّلة في الإطار التنسيقي الشيعي الذي يضم بين قياداته زعماء فصائل مسلّحة منتمية للحشد.

وكثيرا ما يجد زعماء الفصائل صعوبة في التوفيق بين منطق الدولة الذي تفرضه عليهم مشاركتهم في الحكومة بكل ما عليها من مسؤوليات والتزامات تجاه المجتمع الدولي، ومنطق “المقاومة” الذي يحتمه انتماؤهم لـ”محورها” وتبعيتهم لإيران القائدة لذلك المحور.

وبارك علي الفتلاوي القيادي في تحالف الفتح الممثل السياسي لميليشيات الحشد الشعبي الدعوات لمقاطعة الشركات الغربية، وخصوصا الأميركية “الداعمة لإسرائيل” وفق وصفه.

ونقلت عنه وسائل إعلام محلية الثلاثاء قوله إنّ تلك الدعوات تمثّل “انتصارا للشعب الفلسطيني وتعبيرا منطقيا عن مظلوميته أمام مسمع ومرأى العالم بأسره”، معتبرا أنّ “أغلب مكاتب الشركات والمطاعم التي انتشرت في الآونة الأخيرة في بغداد والمحافظات ما هي إلاّ واجهات للمخابرات الإسرائيلية التي تعمل على إفساد الشباب ونشر الرذيلة في المجتمع العراقي”.

وحرص الفتلاوي في تصريحاته على عدم التورط في دعم استخدام العنف ضدّ تلك المكاتب والمطاعم، مستدركا بالقول إنّ “دعوات المقاطعة يجب أن تتوخى الحذر وتتعامل وفق الصيغ الديمقراطية التي كفلها الدستور”.

وأعلنت السلطات العراقية الثلاثاء توقيف أشخاص متهمين بالضلوع في الهجمات بينهم أشخاص “ينتمون إلى أحد الأجهزة الأمنية”.

وقالت وزارة الداخلية في بيان إن هجمات وقعت الأسبوع الماضي حدثت “بحجة الإضرار بالمصالح الأميركية”، وذلك مع تزايد الدعوات لمقاطعة شركات غربية على خلفية الحرب في قطاع غزة.

والأسبوع الماضي، تعرضت أربع علامات تجارية غربية على الأقلّ بينها فرعَان لسلسلة مطاعم “كي إف سي” الأميركية في بغداد لهجمات لم تتسبب سوى بأضرار مادية.

ومساء الاثنين، هاجم نحو ثلاثين شخصا مطعمَين في بغداد أحدهما فرع لـ”كي إف سي” وحطموا الزجاج والأثاث.

وكثفت قوات الأمن انتشارها في العاصمة خصوصا في أحياء تضمّ علامات تجارية أميركية.

وأعلنت الوزارة الثلاثاء إلقاء القبض على عدد من المشتبه بهم “اعترفوا بأعمال التخريب” في هجمات الأسبوع الماضي. وأضافت “تبيّن أن بعضهم للأسف ينتمي إلى أحد الأجهزة الأمنية وأن قيامهم بالأعمال آنفا جاء بحجة الإضرار بالمصالح الأميركية”.

◄ كتائب حزب الله المنتمية للحشد الشعبي تعتبر جزءا من تحالف "المقاومة الإسلامية في العراق" الذي أعلن مسؤوليته عن هجمات على مواقع تمركز القوات الأميركية في سوريا والعراق مع بداية حرب غزة

وأفاد مسؤول أمني، فضل عدم الكشف عن اسمه، وكالة فرانس برس بتوقيف خمسة أشخاص، الاثنين، والإفراج عنهم لاحقا، مرجحا أن يكون “الهدف من الهجمات الضغط على القوات الأمنية من أجل الإفراج عن الموقوفين السابقين”.

وأوضح بيان وزارة الداخلية أنه “بعد جمع المعلومات الدقيقة تم التوصل إلى أسماء المنفذين ومحلات عملهم وسكناهم، حيث تم عرض الموضوع على  قاضي التحقيق الذي أصدر أمر القبض بحق المنفذين وفق أحكام  قانون مكافحة الإرهاب”.

ووفق البيان ذاته فقد “حصلت الأسبوع الماضي حوادث تخريب ورمي عبوات محلية الصنع في بغداد طالت مطعم كي إف سي ومطعم جلي هاوس ليز ومعهد كامبرج ضمن منطقة شارع فلسطين ومطعم كي إف سي وشركة كاتربيلر في منطقة الكرادة بالجادرية من قبل أشخاص يستقلون سبع عربات ودراجة نارية”.

ولفت البيان أيضا إلى أنه “تم تشكيل فرق عمل استخبارية وفنية لغرض متابعة الموضوع للتوصل إلى الجناة من الخارجين على القانون”.

وقال شهود عيان إن السلطات العراقية نشرت أعدادا كبيرة من القوات الأمنية وجهاز مكافحة الإرهاب في شوارع حيي شارع فلسطين والكرادة تحسبا لتجدد الهجمات من قبل جماعات مسلحة على سلسلة مطاعم “كي إف سي” للأكلات السريعة.

وأظهرت عدّة أحداث سابقة استحالة القبض على عناصر الحشد الشعبي ومحاسبتهم مهما كانت طبيعة الأعمال التي يقومون بها، ومن بينها مواجهة عناصر الأمن.

وقالت المصادر المستقلّة “إنّ من تم توقيفهم هم شبان متحمّسون شاركوا بشكل ثانوي في الاعتداءات على المطاعم”، مؤكّدة أنّ “عناصر الحشد الذين بدأوا الهجمات غادروا بأريحية على متن السيارات رباعية الدفع التي قدموا فيها دون أن يتعرّض لهم أحد”.

◄ كثيرا ما يجد زعماء الفصائل صعوبة في التوفيق بين منطق الدولة الذي تفرضه عليهم مشاركتهم في الحكومة ومنطق "المقاومة" الذي يحتمه انتماؤهم لـ"محورها"

وقبيل هجمات الاثنين، دعت كتائب حزب الله العراق إلى “مقاطعة وطرد توابع الاحتلال التجسسية المتدثرة بعناوين مدنية وأن لا تمنح الحرية لنشاطاتها في أرض العراق، على أن يكون ذلك بأدوات غير السلاح”.

وتطالب الفصائل العراقية الموالية لإيران وعلى رأسها الكتائب التي تضعها الولايات المتّحدة على لوائح الإرهاب الدولي، بانسحاب القوات الأميركية من العراق. وتعتبر كتائب حزب الله المنتمية للحشد الشعبي جزءا من تحالف “المقاومة الإسلامية في العراق” الذي أعلن مسؤوليته عن هجمات على مواقع تمركز القوات الأميركية في سوريا والعراق مع بداية حرب غزة، قبل تعليق تلك الهجمات بعد توجيه الجيش الأميركي ضربات للفصائل المشاركة في الهجمات أوقعت خسائر بشرية في صفوفها.

وأدانت السفيرة الأميركية لدى العراق ألينا رومانوسكي الهجمات الأخيرة داعية “الحكومة العراقية إلى منع أيّ هجمات مستقبلية”. ومنذ بدء الحرب في غزة، استهدفت حركة مقاطعة عالمية يقودها ناشطون مؤيدون للفلسطينيين، علامات تجارية غربية كبيرة وخصوصا أميركية على خلفية دعم واشنطن لإسرائيل. والأسبوع الماضي، طالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يتمتع بقاعدة شعبية كبيرة في مناطق الشيعة بالعراق مجددا بغلق السفارة الأميركية في بغداد “بالطرق الدبلوماسية المعمول بها دون إراقة دم”، وذلك إثر قصف إسرائيلي أودى بحياة عشرات الأشخاص في مخيم للنازحين في رفح بجنوب قطاع غزة.

3