ميلاد جبهة تحرير أزواد يعمق أزمة الساحل الصحراوي

دخول تقرير المصير في أدبيات المكون الأزوادي يشكل بؤرة توتر جديدة وتداعياته قد تمتد إلى الجزائر.
الاثنين 2024/12/02
إصرار على التصعيد

الجزائر- أعلنت أربع حركات سياسية وعسكرية تنشط في شمال مالي عن حل نفسها من أجل تشكيل جبهة تحرير أزواد، وذلك خلال مؤتمر عقد نهاية شهر نوفمبر المنقضي؛ إذ قررت هذه التنظيمات الأزوادية إطلاق جبهة جديدة تتشكل من مختلف الفعاليات الناشطة في إطار الدفاع عن المكون الأزوادي في منطقة الساحل الصحراوي، وهو ما يمثل خطوة فارقة في تطورات الوضع المحلي، في ظل تراجع حظوظ الحلول السياسية السلمية والتوجه نحو التصعيد، الأمر الذي يرشح الوضع إلى المزيد من التعقيد، خاصة وأن مصير اتفاق الجزائر يبقى غامضا في أدبيات التنظيم الجديد، لاسيما وأن سلطات باماكو سبق لها أن أنهت العمل به خلال الأشهر الماضية.

وعادة ما تتخذ الحركات الأزوادية من مدن وبلدات الشمال المالي قواعد خلفية لها، خاصة تين زاوتين الواقعة على الحدود الجزائرية، ما يطرح فرضية تلقي مساعدات رسمية أو شعبية، باعتبار أن المنطقة تتشكل من وعاء بشري واحد، تقسمه الحدود الجغرافية بين الجزائر ومالي وتحتفظ باسم واحد (تين زاوتين).

وكانت الفصائل الأزوادية قد نفذت في شهر سبتمبر الماضي هجوما ميدانيا مضادا استهدف القوات المالية المدعومة من طرف الفيلق الأفريقي (فاغنر سابقا)، وألحقت بها خسائر فادحة، ما فسح المجال أمام اتهام الجزائر وأوكرانيا بتوجيه مساعدات عسكرية ولوجيستية إلى الحركات الأزوادية.

من غير المستبعد أن تجبر التطورات المستجدة المجلس العسكري الحاكم في مالي على العودة إلى طاولة الحوار، والبحث عن حلول سياسية سلمية، بما في ذلك تفعيل اتفاق الجزائر

وقررت “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” و”مجموعة إمغاد وحلفاؤها للدفاع عن النفس” و”المجلس الأعلى لوحدة أزواد” و”الحركة العربية الأزوادية” حل نفسها وإنشاء جبهة موحدة تحت مسمى “جبهة تحرير أزواد”، التي تستهدف تحرير المنطقة، واللافت هو دخول “تقرير المصير” كمفردة جديدة في الأدبيات السياسية للتكتل.

وتم الاتفاق على توحيد الحركات الأزوادية خلال المؤتمر الذي انعقد في الفترة بين 26 و30 نوفمبر المنقضي، حيث أكد الناطق الرسمي للمؤتمر بلال آغ شريف أن هذا الكيان هو “الممثل الشرعي الوحيد لشعب أزواد، وهي تخوض كفاحها من أجل تقرير المصير.”

وأضاف “قرار توحيد الحركات الأزوادية جاء استجابة لنداء زعماء القبائل والأئمة وقادة الرأي والشباب والنساء بخصوص الوحدة، إلى جانب عوامل أخرى فرضت هذا الاتفاق، ومن أبرزها سياق الساحل الصحراوي الذي يتسم بتزايد انعدام الأمن وعدم الاستقرار، وعدم التزام حكومة باماكو بالالتزامات الواردة في الاتفاقيات المختلفة التي وقعتها الأنظمة المركزية المتعاقبة منذ ضم أزواد إلى مالي، واستخدام المرتزقة الروس من جماعة فاغنر من قبل الجيش المالي.”

ومنذ اعتلاء القيادة العسكرية الجديدة سدة الحكم في مالي عام 2020، عقب الانقلاب على الرئيس المنتخب، نادت بمحاربة الإرهاب وتهديد الوحدة الترابية للبلاد، كمبرر للعمليات المسلحة التي تخوضها ضد التنظيمات الأزوادية المسلحة.

وأعلنت حكومة مالي منذ عدة أشهر وقف العمل باتفاق المصالحة الوطنية الذي رعته الجزائر منذ عام 2015، احتجاجا على تدخل الجزائر في الشؤون الداخلية للبلاد واعتبرت الفصائل المذكورة كيانات إرهابية تهدد الوحدة الترابية للبلاد.

ولم يصدر من جانب الجزائر أي تعليق على التطور الجديد، خاصة وأنها رافعت بشدة في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لصالح حماية المكون الأزوادي من الأعمال العسكرية المنتهكة لاتفاق المصالحة الوطنية، واتهمت الجيش المالي ووحدات فاغنر الروسية بارتكاب مجازر ضد الإنسانية واستهداف مدنيين ومرافق مدنية خلال تلك العمليات.

pp

وأدى الدعم الروسي للمجلس العسكري الحاكم في مالي إلى بروز أزمة سياسية غير معلنة بينها وبين روسيا وعدد من القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في المنطقة، واعتبرت الجزائر ذلك محاولة لتجاوز دورها التقليدي وحتى تهديد مصالحها الإستراتيجية، خاصة بعد وصول مطاردات الجيش المالي وفاغنر للأزواديين إلى ما يعرف بالمسافة صفر.

ويرى ملاحظون أن دخول تقرير المصير في أدبيات المكون الأزوادي، بقدر ما يشكل بؤرة توتر جديدة تضع المنطقة على أعتاب تحولات جديدة، فإن تداعياته قد تمتد إلى الجانب الجزائري، بحكم التركيبة الاجتماعية والديمغرافية المتغلغلة داخل التراب الجزائري، خاصة في ظل ارتفاع الأصوات القومية لمكون الطوارق.

وفي غضون ذلك تتجه الأنظار نحو حكومة باماكو التي لم تبد أي رد فعل على هذا التحالف الذي يأتي في أعقاب مواجهات دامية دارت بين حركات الأزواد والجيش المالي المدعوم بوحدات فاغر، وبالموازاة مع هدوء التوتر بين الجزائر ومالي من جهة وبين الجزائر وروسيا من جهة ثانية، وابتعاد المواجهات المسلحة عن الشريط الحدودي.

ولا يستبعد مراقبون أن تجبر التطورات المستجدة وتوحد حركات الأزواد المجلس العسكري الحاكم في مالي على العودة إلى طاولة الحوار، والبحث عن حلول سياسية سلمية، بما في ذلك تفعيل اتفاق الجزائر.

1