ميقاتي يبشر بقرب تجاوز القطيعة مع دول الخليج

يؤسس الترحيب السعودي بتعهدات أطلقها رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي لعودة الاهتمام العربي والخليجي بلبنان، إلا أن ذلك يتطلب الانتظار بعض الوقت، لمعرفة معالم التوجهات الجديدة.
بيروت - بشّر رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الخميس بقرب تجاوز القطيعة مع دول الخليج، في تصريح يأتي عقب ترحيب سعودي مفاجئ ببيان تعهد فيه الأخير بالحفاظ على مصالح واستقرار دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية.
وتساءلت أوساط سياسية لبنانية عن الأسباب غير المعلنة التي دفعت ميقاتي إلى إعلان اقتراب انتهاء القطيعة، وعما إذا كانت هناك مستجدات دفعت الرياض إلى تغيير موقفها من الأزمة بينها وبين لبنان.
ولم تحمل تعهدات ميقاتي في بيانه الأخير جديدا عن تعهداته السابقة التي ما فتئ يكررها منذ بداية الأزمة مع دول الخليج، إلا أن الموقف السعودي جاء مخالفا للانتظارات.
وسبق لميقاتي أن اتخذ عدة مواقف تصب في الاتجاه نفسه، منذ اندلاع الأزمة التي تسببت فيها تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي، لكن الرياض لم ترَ في هذه المواقف بوابة لمعالجة الأزمة وعودة العلاقات مع لبنان.
وتشدد الرياض على عنوانين أساسيين: الأول هو التأكيد على أن الأزمة هي بين الشعب اللبناني وحزب الله، على أساس أن مصدر التوتر يتمثل في هيمنة الأخير على الساحة السياسية، أما الثاني فهو ضرورة حصول إصلاحات حقيقية، بالتزامن مع حثّ القوى السياسية على مواجهة الحزب الموالي لإيران.
ميقاتي اتخذ سابقا عدة مواقف تصب في الاتجاه نفسه، لكن الرياض لم ترَ في هذه المواقف بوابة لمعالجة الأزمة
وكان ميقاتي بحث في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح السبت جهود إعادة العلاقات اللبنانية - الخليجية إلى طبيعتها.
وجدد ميقاتي في بيان “التزام الحكومة اللبنانية باتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التَّعاون مع السعودية ودول مجلس التَّعاون الخليجي، وعلى التزام لبنان بكل قرارات جامعة الدول العربية والشرعية الدولية، والتزام العمل الجدي والفعلي لمتابعة واستكمال تنفيذ مندرجاتها بما يضمن السِّلم الأهلي والاستقرار الوطني للبنان وتحصين وحدته”.
وشدد على “ضرورة وقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية التي تمس سيادة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وأمنها واستقرارها والتي تنطلق من لبنان”، مؤكدا “الالتزام باتخاذ الإجراءات كافة لمنع تهريب الممنُوعات، وخصوصا المخدرات إلى المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر أو غير مباشر والتشديد على كافة المنافذ”.
وتضررت العلاقات الخليجية مع لبنان بسبب تنامي نفوذ حزب الله المدعوم من إيران في بيروت والمنطقة، لكنها وصلت إلى مستوى متدنّ جديد العام الماضي عندما طردت السعودية ودول خليجية أخرى سفراء لبنان واستدعت سفراءها.
وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان الثلاثاء إنها ترحب بما تضمنه بيان لرئيس الوزراء اللبناني من “نقاط إيجابية”، وأعربت عن أملها في أن يسهم ذلك في استعادة لبنان لدوره ومكانته عربيا ودوليا.
وتتوقع مصادر خليجية أن يكون ميقاتي قد تلقى إشارة سعودية لزيارة الرياض في الأيام القليلة القادمة، وهي زيارة ينتظرها الأخير بفارغ الصبر ودعا إليها مرارا.
وتشير المصادر إلى أن زيارة ميقاتي إلى الرياض في هذا التوقيت قد تحمل إشارات إيجابية للمكون السني في لبنان، والذي يخوض الانتخابات النيابية المزمع عقدها في الخامس عشر من مايو المقبل دون زعامات سنية، وسط مقاطعة تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري.
ويقول مراقبون إن الانفتاح السعودي على لبنان في هذه المرحلة يمثل جرعة دعم للمكون السني الذي يعاني من الارتباك والضعف بعد خسارته للدعم السعودي بسبب عدم التزام قياداته السياسية بالتعهدات السابقة التي قطعتها للرياض والتي تقضي بتحجيم دور نفوذ حزب الله ونزع سلاحه.
وترجح استطلاعات الرأي نجاح تحالف قوى الثامن من آذار، وبدرجة أقل التيار الوطني الحر، في الفوز بالأكثرية النيابية من جديد، بينما يواجه حلفاء السعودية أزمات متعددة على مستوى بناء تحالفاتهم، الأمر الذي دفع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى مناشدتها العودة إلى لبنان، في حين يبذل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط منذ مدة جهودا حثيثة لعودة الرياض.
ويفتح بيان الخارجية السعودية الباب أمام عودة الاهتمام العربي والخليجي القوي بلبنان، واستضافة الرياض سلسلة من اللقاءات تتعلق بالمرحلة المقبلة، مع اقتراب الانتخابات النيابية.
وكشفت المصادر الخليجية أيضا عن قرب عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت، بما يكسر حالة الجمود السياسي ويؤسس لمرحلة جديدة بين البلدين.
وتشكل العودة الخليجية متنفساً سياسياً واقتصادياً للبنان، على أن تكون المرحلة الأولى للمساعدات الإنسانية التي أعلنت عنها الرياض وباريس في وقت سابق.
وسيبدأ في وقت قريب عمل الصندوق السعودي – الفرنسي لدعم لبنان الذي تقرر في الاجتماع الذي عُقد بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان، بعدما تبرعت المملكة بـ36 مليون دولار عبر مركز الملك سلمان للإغاثة، وستصرف المساعدات للمؤسسات الإنسانية غير الرسمية.
ويمهد بيان الخارجية السعودية لأرضية جديدة في لبنان، إلا أنّ وضوح الصورة بشكل أكبر يتطلب الانتظار بعض الوقت، لمعرفة معالم التوجهات الجديدة للمملكة.