ميزانية العراق تسجل فائضا فإلى أين سيذهب؟

حكومة السوداني تراهن على استقرار أسعار النفط في حدود 100 دولار.
الأحد 2023/09/24
ميزانية بلا رقابة برلمانية

أرقام كبيرة ينتظرها العراقيون من عائدات النفط يمكنها أن تنقل واقع التنمية إلى مستوى مختلف تماما، لكن ما هي النسبة التي ستسمح لوبيات الفساد بأن تذهب إلى التنمية؟ لكن المتفائلين يقولون إن الارتفاع الحالي في الأسعار يفتح أمام الحكومة الطريق واسعا لتوجيه الفائض نحو الموازنة الاستثمارية.

بغداد - حقق العراق إيرادات شهرية أعلى بنحو ملياري دولار عن توقعاته البالغة 7 مليارات دولار بفضل ارتفاع أسعار النفط، إلى درجة دفعت مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى القول إن العراق يمكن أن يحقق فائضا ماليا يبلغ 17 مليار دولار، بدلا من العجز الذي كان من المتوقع أن يبلغ نحو 42 مليار دولار في ميزانية الأعوام الثلاثة حتى العام 2025.

والسؤال الذي يطرحه المراقبون هو ما إذا كانت هذه “الجائزة” سوف تقع في حضن أركان الفساد، أم أنها سوف توظف لخدمة مشاريع التنمية؟ وكانت الميزانية الثلاثية قد قدرت سعر برميل النفط بـ70 دولارا، وكان من الممكن للعراق أن يقع في أزمة خطيرة لو أن الأسعار تراجعت عن هذا الحد.

إلا أن ارتفاع أسعار النفط، والتوقعات التي تقول إنها لن تتراجع عن المعدل الذي يتراوح بين 85 و95 دولارا للبرميل، يعنيان أنه سوف تتوفر لحكومة السوداني عشرات المليارات من الفائض النقدي الذي يتعين أن يفتح الطريق أمام قيامها بتمويل المشاريع التنموية المُعطلة بسبب نقص الأموال.

ويقول المراقبون إنه على الرغم من أن للفساد “حصة ثابتة” مع جميع المشاريع في العراق، إلا أن توظيف “الحصة الباقية” لخدمة التنمية يمكن أن يخدم أركان الفساد أنفسهم لضمان ديمومة “حصتهم” بدلا من أن يؤدي إفقار البلاد إلى تفجر الأوضاع ضدهم من جديد.

وقال صالح إن الحكومة “لا تتوقع حصول عجز خلال السنة المالية الحالية لسببين: أولهما وجود فائض مالي بنحو 23 تريليون دينار (17 مليار دولار)، والآخر أن دورة الأصول النفطية أخذت تتجه نحو الارتفاع، إذ يلامس متوسط برميل نفط برنت 85 دولاراً، ما يعني أن ثمة طلباً عالمياً متزايداً على النفط”. ولكنه شدد في الوقت نفسه على أهمية “فرض الانضباط المالي في إدارة المصروفات العامة للدولة، فضلاً عن تعظيم الإيرادات المالية” لضمان الاستدامة المالية.

◙ ارتفاع أسعار النفط يعني أنه سوف تتوفر لحكومة محمد شياع السوداني عشرات المليارات من الفائض النقدي

وكان البرلمان العراقي وافق في يونيو الماضي على ميزانية 2023 التي تبلغ 198.9 تريليون دينار (153 مليار دولار)، وتشمل إنفاقاً قياسياً على فاتورة أجور حكومية متزايدة، ومشروعات تنمية تهدف إلى تحسين الخدمات وإعادة بناء البنية التحتية.

ووفقاً لوثيقة الميزانية، فقد كان عجزها يقدر بنحو 64.36 تريليون دينار عراقي، وهو مستوى مرتفع على نحو قياسي ويبلغ أكثر من مثلي آخر عجز ميزانية مسجل في 2021. وتوقع بنك جي.بي مورغان الأميركي أن أسعار النفط المرتفعة حالياً لديها القابلية للمزيد من الارتفاع في الفترة المقبلة، وأن خام برنت قد يرتفع وصولاً إلى 150 دولاراً للبرميل.

وقال باسم خضير وكيل وزارة النفط العراقية لصحيفة “الصباح” المحلية في عددها الصادر السبت “من المتوقع أن يلامس سعر برميل النفط الخام 100 دولار في الربع الأخير لعام 2023، وهو أعلى من التوقعات التي تشير إلى أسعار أقل”.

وأضاف أن أسعار النفط أخذت في الارتفاع بعد قرارات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها في شهر أبريل الماضي، لافتا إلى أنه “من الصعب جدا هبوط أسعار النفط عن 75 دولارا للبرميل، نظرًا إلى اعتبارات تتعلق بتوازن قرارات أوبك لأوضاع الدول المنتجة والمستهلكة على حد السواء، فضلًا عن الوضع في روسيا التي تخوض ما يمكن أن نسميه اقتصاد حرب”.

وأشار إلى أن أوروبا والولايات المتحدة لديهما أيضا هدف بألا يتجاوز سعر النفط 85 دولارا للبرميل ويمكن أن يسمى الهامش السعري للنفط في السوق الدولية بين 75 و85 دولارا للبرميل بأنه سعر الأزمة. وكان وزير النفط العراقي حيان عبدالغني أعلن قبل أيام أن متوسط صادرات النفط العراقية مستقر عند مستوى ثلاثة ملايين و400 ألف برميل يوميا من الموانئ جنوب البلاد.

وبحسب كريستيان مالك المحلل لدى المصرف الأميركي، فإن صدمات السعة الإنتاجية على المدى القريب إلى المتوسط، والتحول بعيداً عن الاستثمارات في قطاع الهيدروكربونات قد يقودان سعر خام برنت في النهاية إلى 150 دولاراً للبرميل. ويقول الخبير الاقتصادي عبدالرحمن المشهداني إن “إيرادات العراق الشهرية ارتفعت من 7 إلى 9 مليارات دولار، وهي في ازدياد مع ارتفاع أسعار بيع النفط ما يعني أنها مصادفة سارة لحكومة السوداني وستسهم في تحصين أكبر للمالية العامة”.

◙ وجود مشكلة لا بد من الالتفات لها، وتتعلق بالبنك المركزي الذي لا يزال غير مسيطر على سعر صرف الدولار

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن “تأخر صرف الموازنة العامة التي لم يبدأ تنفيذها الفعلي حتى الآن سيمنع استغلالها انتخابياً، فضلا عن إمكانية تدوير الأموال إلى 2024، ما يعني استمرارية الصرف للمشاريع من دون توقف باعتبار الموازنة هي لثلاث سنوات متتالية”.

ويشير مقرر اللجنة المالية في البرلمان العراقي أحمد الصفار إلى “وجود مشكلة لا بد من الالتفات لها، وتتعلق بالبنك المركزي الذي لا يزال غير مسيطر على سعر صرف الدولار، والفرق الشاسع بين السعر الرسمي البالغ 1300 دينار، والسعر الموازي الذي وصل إلى 1556 دينارا، أي أكثر بـ26 نقطة، وهذه مشكلة كبيرة يجب معالجتها، فكلما زاد الفرق تتحمل الحكومة المزيد من الأعباء”.

ويقول مراقبون إن الموازنة العراقية حتى وإن كانت رهينة لأسعار النفط، إلا أن الارتفاع الحالي في الأسعار يفتح أمام الحكومة الطريق واسعا لتوجيه الفائض نحو الموازنة الاستثمارية التي لم تكن تتوقع أن تحصل على تمويلات للنهوض بمشاريعها.

كما أن الحكومة لم تعد مضطرة إلى توسيع دائرة الاقتراض لسد العجز، مما يشكل فرصة استثنائية لتغيير الاتجاه في العراق. وحيث أن قوى الفساد التي دفعت العراق إلى حافة الإفلاس في العقدين الماضيين عادت لتهيمن على السلطة من جديد، فإن توفير التمويلات للموازنة الاستثمارية وضبط الإنفاق وإبعاد المشاريع الجديدة عن أعمال الفساد، تمثل فرصة استثنائية لتلك الأحزاب لكي تظهر بصورة أخرى في أعين العراقيين.

3