ميثاق سوداني لإنهاء الحرب: تحسين صورة الجيش أم خطوة لتصحيح المسار

سياسيون يعتبرون نشاط الكتلة الديمقراطية بالقاهرة تعميقا للانقسام في السودان.
الجمعة 2024/05/10
بعض القوى المدنية رافعة سياسة للجيش

وقّع عدد من القوى السودانية القريبة من الجيش السوداني على ميثاق سياسي الأربعاء في القاهرة لوقف الحرب، والعودة إلى المسار الديمقراطي واستعادة الوثيقة الدستورية مع إدخال تعديلات عليها، ما أثار تساؤلات بشأن الهدف من وراء المبادرة.

القاهرة/الخرطوم - وقّع نحو 48 تنظيماً سياسياً وعسكرياً سودانيا الأربعاء في القاهرة على “ميثاق السودان”، والذي يحوي رؤيتها لإدارة ما أسمته بـ”الفترة التأسيسية الانتقالية”، وإنهاء الحرب الدائرة منذ أكثر من عام، وتضمّن مبادئ عامة منها التأكيد على “وحدة السودان وسيادته، وشرعية القوات المسلحة ومسؤوليتها عن حفظ الأمن والدفاع عن وحدة البلاد، وتسوية الأزمة السياسية وإنهاء الحرب، والاتفاق على فترة تأسيسية انتقالية لحكم البلاد”.

ودارت تساؤلات في أوساط سياسية عدة حول أهداف الخطوة التي جاءت عقب حراك لافت في القاهرة قامت به بعض القوى السودانية التي دعّمت انقلاب الجيش على الحكومة المدنية في أكتوبر 2021.

وشارك في التوقيع على ما أسمته تلك القوى بـ”ميثاق وطني للحل السياسي”، الكتلة الديمقراطية بقوى الحرية والتغيير، وكتلة الحوار الوطني، وتحالف الخط الوطني (تخطي)، وكتلة التراضي، وحزب البعث السوداني، والآلية الوطنية لدعم التحول المدني الديمقراطي ووقف الحرب التي يترأسها الناظر محمد الأمين ترك، وقوى محسوبة على المجتمع المدني، وعدد من قيادات الطرق الصوفية والإدارات الأهلية.

وقال المحامي نبيل أديب الذي شارك في مراسم التوقيع على الميثاق، ممثلاً عن المجتمع المدني، إن القوى الموقعة على الميثاق تقف مع ضرورة إعادة بناء مؤسسات الدولة في ظل الصراع الوجودي الحالي، وتسعى لإنهاء الحرب بشكل يضمن العودة إلى الوثيقة الدستورية وبدء مرحلة انتقالية جديدة تؤسس للانتقال الديمقراطي.

نبيل أديب: الميثاق يسعى لإنهاء الحرب والعودة إلى الوثيقة الدستورية
نبيل أديب: الميثاق يسعى لإنهاء الحرب والعودة إلى الوثيقة الدستورية

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن القوى التي اجتمعت في القاهرة تسعى لتدشين حوار سوداني – سوداني، مستبعدا التواصل مع قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي وتنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم) في الوقت الحالي.

وأضاف أن الحرب عملية سياسية بأدوات أخرى، ووقفها لن يؤدي إلى التوافق حول الحل، والقوى السياسية لا يجب أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الوضعية الحرجة، والأمر يستدعي أن يتدخل المجتمع المدني بكل مكوّناته للاتفاق على تفاصيل المرحلة الانتقالية المقبلة، بما يوجد توافقا على مرحلة ما بعد الحرب. وفسّر مراقبون تحركات هذه القوى على أنه رافعة سياسية جديدة بعد أن أثارت تصريحات أدلى بها مؤخرا قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان بشأن استبعاد القوى السياسية من السلطة بعد وقف الحرب، انتقادات حادة، وبدت مشاركة قوى سياسية في اجتماعات القاهرة تراجعا ضمنيا عن إقصائها.

وأشار نبيل أديب لـ”العرب” إلى أن الكتل السياسية التي اجتمعت في العاصمة المصرية على تواصل مباشر مع الجيش وداعمة له في مجهوده العسكري، وأن هذه التحركات جاءت برضاء الجيش، ومن المقرر أن تشهد الفترة المقبلة عرض ما جرى التوصل إليه على مكونات سياسية أخرى لم توقّع على الميثاق لإنهاء المسائل العالقة والانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة.

وفهمت تحركات مجموعات سياسية محسوبة على الجيش على أنها إجراء مقابل للنشاط الذي تقوده تنسيقية “تقدم” للضغط على طرفي الصراع لوقف الحرب من دون أن تحظى بدعم دولي كاف مماثل لتحركات “تقدم” بعد تدشينها.

وقلّل بعض المراقبين من الأثر السياسي الذي يمكن أن يحدثه الميثاق الجديد، ما وضعه في خانة المحاولات المستمرة من قبل الجيش لتحسين صورته خارجيا، بعد تزايد المخاوف من تنامي نفود تنظيمات مسلحة تابعة للحركة الإسلامية داخله.

وجرى استخدام خطاب يدعم الذهاب إلى منبر جدة، عكس ما روجت له قيادات عسكرية لا تزال أسيرة لتوجّهات حزب المؤتمر الوطني (المنحل)، ما يشير إلى صعود تيار داخل الجيش يسعى لوقف الحرب للحفاظ على ما تبقّى من تماسكه، حيث يعاني من تداعيات اختراقه من جانب إسلاميين. كما أن قدرة الكتل السياسية المحسوبة على الجيش على إحداث تغيير إيجابي ترتبط بمدى قبول المواطنين لها في ظل قناعة بأنها تخدم أهداف قادة عسكريين دون تفكير جاد في مصير الدولة السودانية بعد الحرب.

صديق أبوفواز: تحركات الكتلة الديمقراطية تعميق للانقسام السياسي
صديق أبوفواز: تحركات الكتلة الديمقراطية تعميق للانقسام السياسي

وجاء التوقيع على الميثاق السياسي عقب انعقاد المؤتمر العام الثاني للكتلة الديمقراطية في القاهرة الأحد الماضي، وبحث عددا من القضايا التنظيمية، وكيفية التعامل مع المجتمع الدولي وإعادة الإعمار، ووضع الدستور، وبعد اجتماع دعت إليه قوى الحراك بقيادة التيجاني سيسي، الثلاثاء، بعنوان “السودان وطن مسؤولية الجميع”.

وأوضح رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي صديق أبوفواز أن تحركات الكتلة الديمقراطية “تعميق للانقسام السياسي السائد في السودان، وهو أمر يسود كافة مؤسسات الدولة، وأن وجود تيار وتيار آخر مضاد من المتوقع أن تظهر تأثيراته السلبية قريبا، حيث يقوض محاولات وقف الحرب، والتحول الديمقراطي”.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن وجود قوى سياسية داعمة للجيش على طول الخط، وأخرى مؤيدة لقوات الدعم السريع، وخفوت تيارات الوسط التي اختار أغلبها العزوف عن الانخراط مباشرة في الشأن القائم أمر يضر بالدولة، وأن التفكير في وضع أطر لمرحلة ما بعد وقف الحرب من دون التوصل إلى أسس لإنهائها يعني أن القوى التي اجتمعت في القاهرة تفتقد للنضج السياسي.

ولفت إلى أن نشاط هذه القوى القريبة من الجيش ليس الأول من نوعه، وهؤلاء معروف أنهم يشكلون ما يشبه الحاضنة السياسية له، لكن المشكلة في عدم تقديم طرح يستهدف تعيين حكومة كفاءات حقيقية، وعدم وضع نقاط للمرحلة الانتقالية المقبلة تتماشى مع ما يحتاجه السودان، وإذا كان لدى هؤلاء رغبة صادقة في التغيير، فإن استقالة من يشاركون في الحكومة الحالية واجبة قبل التوقيع على أيّ ميثاق سياسي.

وشارك في اجتماعات القاهرة حركة العدل والمساواة التي يرأسها جبريل إبراهيم ويشغل أيضا منصب وزير المالية في الحكومة الحالية، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور.

وقال المحلل السياسي مرتضى الغالي إن أيّ حراك أو أنشطة سياسية الآن لقوى داعمة للانقلاب على السلطة المدنية في السودان هو جزء من الثورة المضادة، وبمثابة وجه آخر لتنظيم الإخوان في السودان، وهو ما يشكل إرباكًا للمفاوضات التي من المفترض أن تنطلق في السعودية الفترة المقبلة، وتسعى تلك القوى إلى عرقلتها.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن الاجتماعات التي تدعم اتجاه بعض الأطراف داخل الجيش عليها أن تدعم الذهاب إلى مفاوضات منبر جدة، وتتجنب العمل لصالح أطراف تعمل على عرقلة المفاوضات المنتظرة وتستبق أيّ مشاورات حول مستقبل العملية السياسية دون أن يكون لها الحق في ذلك، فالكتلة الديمقراطية تحديدا ليس لها ظهير شعبي، ومثل هذه التحركات جرى تكرارها سابقا لإفشال الوصول إلى التوافق السياسي.

 

اقرأ أيضا:

        • متى تتوقف الحرب في السودان وكيف؟

2