ميتا تغلق ملف الدفع للإعلام مقابل المحتوى بحذف "أخبار فيسبوك"

سيدني - أعلنت شركة ميتا المالكة لمنصة فيسبوك وإنستغرام وواتساب أنها سوف تحذف تبويب “أخبار فيسبوك” في الولايات المتحدة وأستراليا اعتبارا من أوائل أبريل المقبل، معلنة أنها لن تدخل صفقات تجارية جديدة من أجل المحتوى الإخباري في أستراليا وفرنسا وألمانيا بمجرد انقضاء الاتفاقات القائمة مع الناشرين في هذه الدول.
ويمثل هذا القرار خطوة أخرى في جهود المنصة لإبعاد نفسها عن صناعة الأخبار، بعد عدة سنوات من الجدل المتعلق بكيفية تعاملها مع المعلومات الخاطئة، وفرض سياسات أخرى متعلقة بالإشراف على المحتوى، عبر مجموعة تطبيقاتها.
وانقضت صفقات الشركة مع الناشرين البريطانيين والأميركيين بالفعل. وأضافت الشركة أنها لا تتوقع إطلاق منتجات جديدة مخصصة لناشري الأخبار مستقبلا، لتقطع الطريق على أيّ دولة تحاول طلب مقابل المحتوى على منصات الشركة مستقبلا. فيما تتجه في هذا الوقت لتحسين مواردها، مثل مقاطع الفيديو القصيرة.
وقالت الشركة في تدوينة الخميس إن الناس “لا يزورون الموقع لقراءة الأخبار”. وأضافت أن عدد الأشخاص الذين يستخدمون أخبار فيسبوك في أستراليا والولايات المتحدة انخفض بنسبة تزيد على 80 في المئة.
عدد الأشخاص الذين يستخدمون أخبار فيسبوك في أستراليا والولايات المتحدة انخفض بنسبة 80 في المئة
وتابعت أن الأشخاص سيظلون قادرين على مشاهدة الأخبار في صفحة فيسبوك الخاصة بهم في كلا البلدين. وجاء في التدوينة “لا يأتي الناس إلى فيسبوك للحصول على الأخبار والمحتوى السياسي”. مشيرة إلى أن قرار إغلاق التبويب كان “جزءًا من جهد مستمر لمواءمة استثماراتنا بشكل أفضل مع منتجاتنا وخدماتنا التي يقدرها الأشخاص أكثر من غيرها”.
ونوهت إلى أنهم يركزون وقتهم ومواردهم “على المزيد من الأشياء التي يرغب الناس في رؤيتها على المنصة”، بما في ذلك الفيديوهات القصيرة.
والعام الماضي أعلنت الشركة بالفعل أنها لن تقوم بتجديد العقود التجارية مع ناشري الأخبار في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة عند انتهاء صلاحيتها.
ويأتي هذا النبأ بعد ثلاث سنوات من موافقة فيسبوك على دعم الناشرين الذين تختارهم في أستراليا بعد معركة صعبة مع الحكومة في كانبرا بشأن الدفع مقابل المحتوى. وأدى الخلاف إلى منع فيسبوك محتوى الأنباء الأسترالية على منصتها لفترة وجيزة.
وانتقدت الحكومة الأسترالية الجمعة قرار ميتا بـ”التوقف عن الدفع مقابل المحتوى الإخباري في عدد من الولايات القضائية” وهو ما قالت إنه “يمثل تقصيرا في التزاماتها لاستدامة الإعلام الإخباري الأسترالي”. وقالت إنها تسعى للحصول على المشورة بشأن الخطوات التالية من وزارة الخزانة ولجنة المنافسة والمستهلك الأسترالية.
ويبدو أن شركة ميتا تحاول التركيز على الأرباح وزيادة الإيرادات أكثر من الإنفاق ودفع الأموال لوسائل الإعلام، بينما تثير سياساتها هذه انتقادات عديدة، فقد قدّمت جمعيات للمستهلكين من ثماني دول أوروبية شكوى الخميس إلى سلطات حماية البيانات الشخصية، تطال صيغة الاشتراك المدفوع التي اعتمدتها شركة ميتا، ورأت الجهات الشاكية أن هذا النظام الذي اعتمدته المجموعة في شبكتَي فيسبوك وإنستغرام التابعتين لها يخالف قوانين الاتحاد الأوروبي.
واعتبرت هذه الجمعيات، ومن بينها “أو أف سيه – كو شوازير” في فرنسا، أنّ الصيغة التي اعتمدتها ميتا وتتمثل في دفع اشتراكات لقاء عدم مشاهدة المستهلكين للإعلانات، هي “بمثابة ستار دخاني يهدف إلى صرف انتباه المستهلكين عن مسألة المعالجة غير القانونية لبياناتهم الشخصية”.
وغطت شركات وسائل التواصل الاجتماعي كل جانب من جوانب الحياة لا يوجد مفر منها. وكما أشار القاضي أنتوني كينيدي، فإن مواقعها هي “المصادر الرئيسية لمعرفة الأحداث الجارية، والتحقق من إعلانات التوظيف، والتحدث والاستماع في الساحة العامة الحديثة، واستكشاف العوالم الواسعة للفكر والمعرفة الإنسانية”.
كل ما نراه على الإنترنت يأتي إلينا من خلال عدد قليل من الشركات. وهذا يثير سؤالا مهما: هل هذه الشركات هي الناشرة للمحتوى، مثل الصحف أو المذيعين، أو منصات التوزيع السلبية، مثل مقدمي خدمات الإنترنت (ISP) أو الخدمات البريدية؟ الفرق هائل، يمكن مقاضاة الناشرين بسبب المحتوى الذي يشرفون عليه، في حين يحمي القانون المنصات السلبية من تلك المسؤولية.
باعترافاتها الخاصة، تقدم شركات مثل ميتا وإكس وتيك توك وغوغل نفسها للجمهور كمنصات، وليس ناشرين. وتقول إن خدماتها تسمح فقط للأفراد بالتواصل وتبادل المعلومات بحرية. على سبيل المثال، تنص شروط خدمة ميتا على أن الغرض المقصود من فيسبوك هو السماح للمستخدمين “بالتواصل مع الأصدقاء والعائلة وغيرهم”، وتقول منصة إكس أيضا إن غرضها هو استضافة “المحتوى” و”الاتصالات”. ولا تقول هذه الشركات إنها تفعل أكثر من ذلك عند تقديم خدماتها، ناهيك عن أن خدماتها تهدف إلى نقل رسالتها الخاصة مثل الناشر.
وفي الكثير من النواحي، تشبه شركات وسائل التواصل الاجتماعي بالفعل مزودي خدمات الإنترنت. تقول شركات وسائل التواصل الاجتماعي إن من حقها إزالتك بناء على آرائك السياسية. لماذا؟ تقول إن منصاتها هي ملكها وأن التعديل الأول لا ينطبق عليها.
ومنذ نوفمبر، بدأت ميتا تقترح على مستخدمي فيسبوك وإنستغرام الأوروبيين الاختيار بين الاستمرار في استخدام هاتين المنصتين مجاناً لقاء موافقتهم على إتاحة بياناتهم الشخصية لأغراض إعلانية، أو دفع اشتراك مقابل التوقف عن مشاهدة الإعلانات.
وعرضت شركة التكنولوجيا العملاقة هذه الصيغة على أنّها وسيلة للامتثال للقوانين الأوروبية المرتبطة بمعالجة البيانات الشخصية، وهي مسألة أدينت وغُرّمت ميتا بسببها مرات كثيرة.
وتواجه ميتا مرة جديدة تهمة انتهاك شروط النظام العام لحماية البيانات. وقالت نائبة المدير العام للمكتب الأوروبي لاتحادات المستهلكين أورسولا باكل إنّ “هذا النوع من نموذج الأعمال القائم على المراقبة يطرح كل أنواع المشاكل مع النظام العام لحماية البيانات”، مضيفةً “حان الوقت لتضع سلطات حماية البيانات حدّاً لمعالجة البيانات السيئة التي تعتمدها ميتا وانتهاك شركة التكنولوجيا حقوق المستخدمين الرئيسية”.
الحكومة الأسترالية انتقدت قرار ميتا بالتوقف عن الدفع مقابل المحتوى الإخباري في عدد من الولايات القضائية وهو ما قالت إنه "يمثل تقصيرا في التزاماتها لاستدامة الإعلام الإخباري الأسترالي"
ونددت ميتا بـ”اتهامات لا أساس لها” في ما يخص استخدام البيانات الشخصية. وقال ناطق باسمها “نرفض هذه الاتهامات كلياً”.
وقدّمت جمعيات المستهلكين شكاويها بشكل منسّق إلى سلطات حماية البيانات في فرنسا وسلوفينيا وإسبانيا وسلوفاكيا والدنمارك والنرويج واليونان وجمهورية التشيك. ويُفترض مبدئياً أن تتولى هيئة حماية البيانات الأيرلندية اتخاذ القرار لأنّ المقر الأوروبي لميتا يقع في أيرلندا.
وفي نوفمبر الماضي، تقدّم المكتب الأوروبي لاتحادات المستهلكين و19 من أعضائه بشكاوى إلى شبكة السلطات الوطنية لحماية المستهلك ضد سياسة ميتا هذه، منددين بـ”ممارسات تجارية مسيئة”.
من جانبها، لجأت المنظمة النمساوية المدافعة عن الخصوصية (NOYB) التي لاحقت ميتا مرات كثيرة، إلى هيئة حماية البيانات في سويسرا، متهمة ميتا بالتحايل على النظام العام لحماية البيانات. وأشارت المنظمة في تقرير إلى أنّ “تحليل المكتب الأوروبي لاتحادات المستهلكين وأعضائه يبيّن أنّ الأسلوب الذي تعتمده ميتا لكي يوافق المستهلكون على إجرائها، لا يتماشى” مع ما ينصّ عليه النظام العام لحماية البيانات.
وينص النظام العام لحماية البيانات على أنّ المستخدمين يُفتَرَض أن يعطوا موافقتهم “بحرّية”، في حين أنّ ميتا تحاول “إجبارهم على الموافقة على معالجة بياناتهم الشخصية”.
ومنذ نوفمبر، بات يتعيّن على كل مستخدم حساب في إنستغرام أو فيسبوك يرفض جمع هذه البيانات دفع 9.99 يورو شهرياً إذا كان يستخدم المنصتين عبر جهاز كمبيوتر، أو 12.99 يورو في حال كان يستخدم تطبيقات الهواتف المحمولة. واتهمت جمعيات المستهلكين ميتا بانتهاك قوانين الاتحاد الأوروبي الذي يطالب الشركة بالحدّ من جمع البيانات إلى ما هو ضروري جداً والتصرّف بشفافية تامة.
وقال المكتب الأوروبي لاتحادات المستهلكين في تقريره “يبدو أنّ ميتا تعتقد أنّ جمع كل البيانات عن أنشطة المستهلكين وموقعهم وشخصيتهم وسلوكهم ومواقفهم وعواطفهم، مبرّر من أجل كسب المال من الإعلانات”. ومن المفترض أن يصدر المجلس الأوروبي لحماية البيانات الذي يضمّ السلطات الوطنية المختصة، موقفاً في هذه المسألة بحلول نهاية مارس.