مياه راكدة تحول البصرة من فينيسيا العرب إلى بؤرة للتلوث

البصرة (العراق)- يدفع سكان محافظة البصرة بما في ذلك مركزها الذي يحمل نفس الاسم ضريبة باهظة لتحوّل محافظتهم إلى رئة للاقتصاد العراقي باعتبارها موطنا رئيسيا لأنشطة استخراج النفط وما نشأ على هامشها من أنشطة اقتصادية أخرى ومن توسّع عمراني غير منظّم وغير مخطط له بشكل مسبق، فيما لم تواكب ذلك جهود موازية للحفاظ على البيئة وتحقيق الاستدامة وحسن التصرف في المقدرات والموارد الطبيعية، الأمر الذي أدى إلى ظهور أشكال خطرة من التلوث الذي لم يؤثر فقط على المشهد العام الذي طالته تشوّهات كبيرة يصعب إصلاحها، ولكنه مسّ أيضا حياة السكان وصحتهم العامّة.
وتواجه مدينة البصرة إحدى كبريات مدن جنوب العراق واقعا مختلفا بعد التوسع العمراني الذي صاحبه إهمال على مدى عقود مما حول أنهارها إلى مياه راكدة ملوثة، بعد أن كانت المدينة تحمل تسمية فينيسيا العرب في إحالة على المدينة الإيطالية الشهيرة العائمة والتي يتمّ التنقل داخلها باستخدام القوارب والمراكب.
وقال هاشم اللعيبي أحد سكان المدينة وهو يقف على ضفّة نهر العشار إنّ “هذه الأنهر خلال حقبة الستينات من القرن الماضي كانت تجعل من البصرة بمثابة فينيسيا العرب. وكانت تجري بها مياه صافية وعذبة مشكّلة مشهدا في منتهى الجمال.”
رعد حسين: التصاميم الخاصة باستكمال المشروع وصلت إلى البلدية وهي في طور المصادقة عليها
وأضاف اللعيبي قوله “في الفترة الأخيرة تراجعت مياه بعض الأنهر وحلت محلّها المياه الآسنة وتغير بذلك المشهد جذريا.”
وليست قضية أنهار البصرة هي القضية البيئية الوحيدة التي تواجه السكان هناك وتخفض من مستوى جودة حياتهم، بل ظهرت مظاهر أخرى خطيرة للتلوث من بينها اختلاط الهواء بالانبعاثات الدخانية من المصانع وآبار استخراج الخام، الأمر الذي أدى إلى ظهور أمراض تنفسية لدى أعداد كبيرة من السكان بينهم أطفال كثيرون بعضهم مصاب بأنواع من السرطانات الرئوية.
واعتمدت البصرة في الماضي على شبكة الأنهار بالمدينة لري أراضيها الزراعية الخصبة، لكن مسؤولين قالوا إن اكتشاف البترول حوّل اقتصاد المدينة من الزراعة إلى اقتصاد قائم على النفط، مما أدى إلى إهمال هذه الأنهار.

ماجد البريكان: الكثير من أنهار البصرة اندثرت ولم تعد موجودة على أرض الواقع
وعلى مدى العقود الماضية أثر التلوث وتراجع النشاط الزراعي ونقص المياه في المنابع على هذه الأنهار التي إما جفت مياهها أو امتلأت بالقمامة.
وبالنسبة للسكان المحليين مثل الشاعر طالب عبدالعزيز، فإن للتدهور البيئي بعدا آخر إنسانيا بالنسبة للمرتبطين بوشائج عاطفية كبيرة بالمدينة ومعالمها.
وقال عبدالعزيز وهو يقف إلى جانب نهر راكد “كنت فيما مضى أطيل التجوال قرب النهر وأتمتع بنسائمه وأستظل بالأشجار التي حوله وأجلس في المقاهي على ضفتيه”، مشبها المكان بـ“الجنة الأرضية الملهمة للقصائد الشعرية”، مستدركا بأسف “لكن شيئا من ذلك لم يعد موجودا اليوم.”
وقال ماجد البريكان، مدير مركز المخطوطات والتراث البصري وعضو المجلس الثقافي في البصرة، إنّ “الكثير من هذه الأنهار لم تعد موجودة على أرض الواقع، فقد اندثرت وانحسرت الأنشطة الزراعية حولها وتفاقمت ظاهرة التلوث لاسيما في غضون العقدين الماضيين. وهذه الأنهار كانت تتمتع بأهمية كبيرة على المستويين الحياتي والاقتصادي في المدينة لأنها تروي الأراضي الزراعية. والبصرة كما هو معروف كانت مدينة زراعية قبل أن يُكتشف النفط وتنمو الصناعة النفطية بعد ذلك.”
ويقول مسؤولو المدينة إن الجهود جارية لتطهير الأنهار وإعادة توظيف بعضها كمساحات خضراء. وقال رعد حسين معاون مدير بلدية البصرة لشؤون الخدمات “قامت محافظة البصرة إلى حدّ الآن بما نسبته عشرة في المئة تقريبا من عملية تجفيف الأنهر وتحويلها إلى مساحات خضراء داخل المدينة.”
وبيّن أنّ التصاميم الخاصة باستكمال المشروع وصلت إلى البلدية وهي في طور المصادقة عليها، واعدا بأن يشكل المشروع لدى اكتماله واجهة خضراء للمدينة.