مولود معمري الكاتب الجزائري الذي حمى الأمازيغية من الضياع

منذ أربعة عشرين عاما رحل الكاتب والباحث الجزائري مولود معمري، لكن إرثه باق كواحد من أهم الوجوه الثقافية في الجزائر وشمال أفريقيا، إذ انتصر في رواياته لقضايا شعبه منتقدا الاستعمار، وتبقى إسهاماته في الحفاظ على الإرث الثقافي الأمازيغي من خلال بحوثه المختلفة أبرز ما تركه لحماية هذه الثقافة الشمال أفريقية العريقة.
بجاية (الجزائر) - افتتحت مؤخرا بمدينة بجاية الجزائرية فعاليات الدورة الأولى لشهر التاريخ المنتظمة تحت شعار “المثقف في خدمة الثورة” بالاحتفاء بمسيرة الكاتب وعالم الأنثروبولوجيا واللسانيات الجزائري مولود معمري (1917 – 1989) ومساهمته في بث الوعي الوطني لتحرير البلاد من نير الاستعمار.
وكرس معمري جل إنتاجه الأدبي والفكري في سبيل مناصرة الجزائريين ضد التهميش والاستعمار مدافعا عن ثقافة بلده ومعرّفا بقضاياه.
التنديد بالاستعمار
أبرز الكاتب محمد لخضر معقال مؤلف كتاب “الاستعمار ليس حضارة” في محاضرة حول مولود معمري تم تنشيطها بدار الثقافة، نضال كاتب “الربوة المنسية” للتنديد “مبكرا” بالاستعمار باعتباره “نظام هيمنة”.
وأضاف بالقول إن “مولود معمري قد عمل منذ 1940 على استغلال كل الفرص التي سنحت له للتنديد بالاستعمار، لكونه نظاما استغلاليا جائرا وعنصريا”.
وأشار في هذا الشأن إلى محاضرة نشطها معمري بباريس طرح فيها “بكل وضوح” مسألة استقلال الجزائر من خلال “دمجها في نص مخصص للأمير عبدالقادر وعمق الحضارة الجزائرية”.
وتعتبر فعالية “شهر التاريخ” من تنظيم مديرية الثقافة والفنون، فرصة للتذكير بتجند المثقفين الجزائريين خلال حرب التحرير الوطني ضد المحتل الفرنسي ومساهمتهم في النصر النهائي، ألا وهو استقلال الجزائر.
ويتضمن برنامج التظاهرة تنشيط محاضرات، كل يوم سبت إلى غاية الثامن عشر من مارس المقبل، إلى جانب عرض أفلام وأشرطة وثائقية لاستعادة ذكرى هؤلاء المثقفين والتعريف بالتضحيات التي قدموها على جميع الأصعدة من أجل تحرير البلاد.
صوت المهمشين
ولد مولود معمري في 28 ديسمبر 1917 بتيزي وزو، وترك إرثا هائلا من الأعمال متعددة التخصصات لاسيما في الأدب، من قصص وروايات، فضلا عن الأعمال في الترجمة والنقد الأدبي والبحوث الأنثروبولوجية. وتوفي الكاتب في حادث مروري بتاريخ السادس والعشرين من فبراير من سنة 1989 عن عمر ناهز 72 سنة.
يعد معمري، من خلال أعماله المتعددة والمتنوعة، التي تتمحور حول التحرر وإثبات الذات، واحدا من أهم المثقفين الجزائريين الملتزمين بقضية الكفاح التحرري، ككاتب وباحث ومدافع عن الثقافة الجزائرية.
وبما أنه كان شاهدا عن مرحلة تاريخية صعبة من حياة الشعب الجزائري، فقد التزم معمري في ما كتبه كروائي وكاتب مسرحي في سبيل المناداة باستعادة الهوية والسيادة الوطنيتين.
وعبّر معمري من خلال الرواية، كمواطن منشغل بوضعية مواطنيه، الذين شخصهم عبر شخصيات أدبية أصيلة لها مرجعيات واقعية، وتعبر عن الوضعية الصعبة التي كان يعانيها الجزائريون خلال الحقبة الاستعمارية.
مولود معمري عمل من خلال مختلف كتاباته المختصة بشكل أساسي على الثقافة الشفوية والنحو واللسانيات الأمازيغية
كما أن قصص الكاتب المتشبعة بالإرث الثقافي العريق قد صورت بواقعية صادقة المجتمع الجزائري بجذوره منذ آلاف السنين والمتمسك بقيمه وعاداته وتقاليده الأصيلة، معلنا ثورته على النظام الاستعماري الذي أراد محو الانتماء الثقافي الجزائري.
وتعتبر رواياته “الربوة المنسية” و”غفوة العادل” و”فون” التي كتبها في سنة 1957، وتم تجسيدها على الخشبة بالجزائر العاصمة في سنة 1967، شهادة واعية عن يوميات الجزائريين تحت نير الاستعمار.
ومن خلال روايته “الربوة المنسية”، التي جسدها عبدالرحمن بوقرموح في عمل سينمائي، والتي تصور الحياة الصعبة لسكان إحدى القرى بمنطقة القبائل، معلنة عن كينونة أدبية للجزائري الذي عانى طويلا من التهميش في جو استعماري خانق، تبنى الكاتب نهجا ثقافيا مماثلا يصف فيه جزائر رازحة تحت نير الاستعمار في “غفوة العادل” و”الأفيون والعصى” وهذا العمل الأدبي الأخير جسده سينمائيا المخرج أحمد راشدي في سنة 1970.
كما انعكس التزام معمري من أجل الاستقلال الوطني، من خلال مقالاته الصحفية التي نشرت في “أمل الجزائر”، صحيفة التحرريين، حيث وصف فيها مدى وحشية الاستعمار الفرنسي.
وشارك معمري الذي كان له إسهام كبير في الكفاح التحرري، في كتابة “تقارير دامغة” حول الاستعمار الفرنسي خلال الثورة التحريرية، والتي وجهتها جبهة التحرير الوطني إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حسبما أكدته تسعديت ياسين، في كتابها “الوجه الآخر لمعمري”، الصادر في سنة 2021.
أما الأكاديمية عفيفة برارحي فقد أكدت أن معمري يعد “من بين الجيل الأول من الكتاب الجزائريين الذين كانوا شهودا عن الوضع المزري للسكان الأصليين والتنديد بفظائع الاستعمار”.
الدفاع عن الثقافة

وبما أن مولود معمري من رواد البحث الأنثروبولوجي، فقد عمل عبر مختلف كتاباته المختصة بشكل أساسي على الثقافة الشفوية والنحو واللسانيات الأمازيغية، للحفاظ على هذا الإرث الثقافي الآيل للأفول.
وقد ساهمت أعماله العلمية، التي تعتبر مراجع “أساسية” في البحث وتعليم الأمازيغية، في إرساء الأسس اللسانية والنحوية المشتركة لهذه اللغة الوطنية والرسمية في الجزائر.
كما كان معمري أول أكاديمي يبدي اهتماما بالشعر الأمازيغي القديم وبأهليل قورارة، النوع الغنائي الأصيل باللغة الزناتية المعروفة في منطقة شمال أدرار، والذي خصص لها بحثا نشر في سنة 1984.
وقد تولى رشيد بليل، الذي يعد أحد أنجب تلاميذه، أخذ مشعل البحث في قورارة ليتوصل في سنة 2008 إلى تصنيف أهليل على قائمة التراث العالمي للإنسانية لليونيسكو.
ومن بين أبرز أعماله التي تسلط الضوء على جزء من شعر المنطقة هناك “إيسفرا، أشعار سي محند أومحند” الشاعر المتجول الذي عاش في القرن الـ19، و”أشعار أمازيغية قديمة” حيث أماط اللثام من خلالها عن عدد كبير من الشعراء الموهوبين.
أما في مجال البحث اللساني فقد أصدر معمري أول عمل جزائري حول نحو اللغة الأمازيغية بعنوان “تجرومت أن ‘تامازغيت” و”أماوال” (معجم 1980)، وهو أول معجم بالأمازيغية ينهل من المتغيرات اللغوية لشمال أفريقيا.
كما تمكن معمري، من خلال مسار علمي طويل، من إنشاء مدرسة جزائرية للأنثروبولوجيا التي كونت جيلا من الباحثين والطلبة الذين أصبحوا يشكلون اليوم نقطة محورية للأنثروبولوجيا الأفريقية.
وكان معمري مؤسسا ومديرا للمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، فضلا عن إنشاء مجلة “أوال” التي تعد أول نشرية مختصة في البحث في مجال الثقافة الأمازيغية وذلك في سنة 1985.