موقف شائك لاتحاد الشغل في تونس بسبب التصعيد

إذا كانت المنظمة النقابية مع إجراءات قيس سعيد فلماذا تعترض على مسار المحاسبة.
الأحد 2023/02/19
تحشيد وشعارات ومواقف غير محسوبة

تونس- التصعيد الذي أبداه الاتحاد العام التونسي للشغل، بدخوله على خط لوم السلطة ردّا على التوقيفات الأخيرة، يجعله في موقف أكثر من شائك؛ فهو بهذا يقترب من موقف الأحزاب التي سبق أن اختلف معها وحمّلها مسؤولية الأزمة التي تعيشها تونس، وفي الوقت نفسه يبتعد عن الرئيس قيس سعيد بعد أن دعم مسار 25 يوليو 2021.

وتقول أوساط سياسية تونسية إن تناقض مواقف اتحاد الشغل يعود بالأساس إلى تعارض مهمته النقابية مع الدور السياسي الذي يسعى باستمرار إلى لَعِبِه، وهو ما جعل ميزان مواقفه أقرب إلى التصعيد بدل الجلوس إلى طاولة الحوار مع الحكومة والخروج بنتائج في صالح الآلاف من منتسبيه.

وحثت هذه الأوساط قيادة اتحاد الشغل على أن تراجع هذه الازدواجية التي جعلت مواقف المنظمة النقابية الأكثر تأثيرا يسيطر عليها الارتباك في السنتين الأخيرتين، مشيرة إلى أن الاتحاد يريد تأمين الزيادات لمنتسبيه، وفي الوقت نفسه يعارض العلاقة مع صندوق النقد الدولي، الذي يسعى لمساعدة تونس على إصلاح اقتصادها بما يساعد الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها، بما في ذلك الالتزامات مع الاتحاد.

باسل ترجمان: قيادة الاتحاد تحاول بالتصعيد استعادة شرعيتها أمام منتسبيها
باسل ترجمان: قيادة الاتحاد تحاول بالتصعيد استعادة شرعيتها أمام منتسبيها

ولاحظت الأوساط ذاتها أن ذروة التناقض في مواقف المنظمة النقابية تتمثل في أنها أيدت إجراءات الرئيس سعيد والآن تنتقدها بشدة، وهي تدعو إلى محاسبة المسؤولين عن الفساد، لكن تعارض التوقيفات، وتعلن موقفا ضد الإرهاب وتلوم قيس سعيد على تحركه ضد من يعتبرهم معرقلين لملف الكشف عن الاغتيالات السياسية.

وأيد الاتحاد في البداية قرارات الرئيس التونسي عند إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 يوليو 2021 بما فيها حل البرلمان، ولكنه اعترض بعد ذلك على سياساته في اتخاذ القرارات المصيرية للبلاد، بما في ذلك خارطة الطريق السياسية التي أفضت إلى انتخابات ومؤسسات دستورية بديلة.

وتعكف المنظمة النقابية على صياغة “مبادرة إنقاذ” مع منظمات وطنية أخرى قبل عرضها على الرئيس سعيد الذي لم يصدر أي تعليق بشأنها، في وقت يرى فيه المراقبون أن الاتحاد من خلال عرض “خارطة الطريق” يسعى إلى التدخل في مهام قيس سعيد، المخول شعبيا بوضع الخطط وتنفيذها عبر الحكومة.

وتظاهر السبت الآلاف من أنصار الاتحاد في محافظة صفاقس وفي مناطق أخرى للتنديد بتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وبـ”استهداف” الاتحاد من قبل الرئيس قيس سعيّد، وذلك بعد بيان ناري قال فيه الاتحاد إنه يعارض “حملات الاعتقال العشوائية” على خلفية توقيف أسماء معروفة ونشطاء قال الرئيس التونسي منذ أيام إن البعض منهم “لا هم لهم إلاّ السلطة والمال ولا يتورعون في الارتماء في أحضان أيّ جهة أجنبية”.

وردد أنصار الاتحاد هتافات من قبيل “يا حكومة صندوق النقد الدولي، الاتحاد دائما قوي” و”تونس ليست للبيع”، كما رفعوا لافتات كتبت عليها شعارات “لا لغلاء الأسعار وضرب القدرة الشرائية” و”الحرية للأخ أنيس الكعبي” و”لا لرفع الدعم”.

◙ الاتحاد يريد تأمين الزيادات لمنتسبيه، وفي الوقت نفسه يعارض العلاقة مع صندوق النقد الدولي

ومن شأن هذه المواقف المتناقضة أن تزيد من مسؤولية الاتحاد أمام المنتسبين إليه وأمام التونسيين في وقت يدعو فيه مراقبون الاتحاد إلى حصر مهمته في الشأن النقابي.

وقال الكاتب والمحلل السياسي باسل ترجمان إن “قيادة اتحاد الشغل تحاول من خلال هذا التصعيد استعادة شرعيتها أمام قواعدها، لأن تلك الشرعية أصبحت مطعونا فيها بين هذه القواعد”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “قيادة الاتحاد لديها مشكلة مع قواعدها وليس أزمة مع حكومة نجلاء بودن، لكن المنظمة حاولت خلق أزمة من خلال قضية كاتب عام نقابة الطرقات السيارة ثم نقابة النقل”.

وتابع ترجمان “الاتحاد يعتبر أنه تم إقصاؤه من اقتسام كعكة الحكم مثلما حصل مع حركة النهضة في السنوات الماضية، واليوم ليس هناك وزراء محسوبون عليه وهو ما جعله خارج المعادلة”.

عثمان الجلولي: الحكومة نجحت في استهداف الاتحاد
عثمان الجلولي: الحكومة نجحت في استهداف الاتحاد

واستبعد ترجمان أن يكون الهدفُ من تصعيد اتحاد الشغل منعَ مسار المحاسبة، خاصة أنه ليس هناك طرف من المنظمة أمام المحاسبة التي هي مطلب شعبي، لكنه حذر من أن “الاتحاد إنْ حاول أن يسير في هذا الاتجاه فستكون قيادته قد حكمت على نفسها بالانتهاء، وهو لم يفهم الدرس بعد فشل الإضراب الذي نظّمه في 16 يونيو الماضي، ويواصل افتعال الأزمات”.

وبالموازاة مع تظاهرة صفاقس نظم النقابيون احتجاجات في سبع محافظات أخرى على غرار القيروان والقصرين ونابل والمنستير وبنزرت ومدنين وتوزر.

وقال القيادي في الاتحاد عثمان الجلولي في خطاب أمام المتظاهرين إن “الحكومة فشلت في وضع البلاد على سكة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ونجحت فقط في استهداف الاتحاد”.

وتابع “نحن مستهدفون وتحاك ضدنا الملفات… اليوم يعزل كل نقابي لمجرّد التعبير عن رأيه”.

وشاركت في التظاهرة الأمينة العامة للكونفيدرالية الأوروبية للنقابات ايستر لانش التي أدلت بكلمة قالت فيها “أتيت هنا لإيصال صوت تضامن 45 مليون نقابي ونقابية من أوروبا”.

وفي مطلع فبراير الجاري أوقفت السلطات أنيس الكعبي، الكاتب العام للنقابة الخصوصية للطرقات السيارة، إثر تنفيذ نقابته إضرابا على الطرق السريعة.

وجاء اعتقال النقابي إثر خطاب للرئيس سعيّد قال فيه إن “الحق النقابي مضمون بالدستور لكن لا يمكن أن يتحول إلى غطاء لمآرب سياسية لم تعد تخفى على أحد”.

 

• اقرأ أيضا:

           اتحاد الشغل يختار المربع السياسي في مواجهة قيس سعيد

1